جاء الإسلام منذ لحظاته الأولى ليعمل على إيجاد وإحداث التحولات في البيئة المحيطة به على اختلافها وتنوعها، الاجتماعية منها والثقافية والأخلاقية وغيرها، جاعلاً النفس البشرية محور تلك العملية ونقطة البداية لمؤشر الصعود أو الهبوط في حياة الإنسان، وما زال الحديث عن التغيير محط الاهتمام والنظر والبحث، وكثيراً ما نستدعي مفاهيم التغيير والتحولات في مشاهد حياتنا اليومية المختلفة سواء كان ذلك على صعيد الفرد أو المجتمع أو الأمة بأسرها.
والتغيير في اللغة يعني: إحداث شيء لم يكن من قبل بنفس الصورة التي أصبح عليها بعد التغيير، وهو يعني أيضاً التحول والتبدل، وأما ما نقصده بمفهوم التغيير التربوي فهو: مجموعة المفاهيم والمبادئ التربوية التي تعمل على إحداث التحول في حياة الفرد ونقله من حالة البعد والغفلة إلى حالة من القرب واليقظة والانتباه، وكم نحن بحاجة اليوم لطرق باب التغيير أكثر والاقتراب منه وفهمه وتوصيله للناس بشكل أكبر كي ننهض بالأمة بصلاح نفوس أفرادها وضبط إيقاع مجتمعاتها.
ولعل من أهم ما يجب أن نضعه عند دخول ميدان التغيير وخصوصاً مع الأفراد والناشئة ما يلي:
– أنّ التغيير عملية إنسانية تربوية توجه نداءاتها إلى ما بالأنفس من مفاهيم مغلوطة وأفكار خبيثة خاطئة، ومبادئ فاسدة؛ لأجل دفعها نحو تصحيح المفاهيم والأفكار وبناء المبادئ السليمة، كل ذلك عبر دور توجيهي ثم من خلال دور نقدي تصحيحي.
– أنّ التغيير قائم على التدافع، لذا على المؤسسة التربوية أن تعمل على توجيه الضربة تلو الضربة نحو مكامن الخلل والفساد دون الاستسلام لمعطيات الواقع، ودون أن يتطرق اليأس في النفوس العاملة، ولولا التدافع لفسدت الأرض وأصابها العفن والأسن، فالوسيلة الخسيسة بالوسيلة النفيسة، والخطة الفاسدة بالخطة الصالحة، والعمل المُجِد بالعمل الجاد والجهد المضاعف.
– أن تكون العملية التغييرية قائمة على التوازن للوصول مع النفس إلى نقطة تستطيع بها أن تدافع الواقع الخارجي بتدعيم بيئتها الداخلية، ومخاطبتها بالاعتدال وقبول التنوع في الجسد والروح والعقل، وذلك يقودنا إلى التأكيد على خصيصة أخرى من خصائص التغيير ألا وهي التدرج.
– فالتدرج سنة ربانية في الكون والخلق، وينبغي على المؤسسات التربوية أن تراعيها اليوم وهي تعمل جاهدة لتغيير واقعها ومجتمعها ونفوس أبنائها، فتبدأ بتغيير الأفراد من السهل إلى الصعب ومن الهدف القريب إلى الهدف البعيد ومن الخطة القصيرة إلى الخطة الطويلة، وكما يقول الشيخ سيد نوح في كتاب آفات على الطريق: “وتشتد الحاجة إلى ترسيخ هذه السنة مع وجود بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية يحسبون أن التمكين يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها ويريدون أن يغيروا الواقع الذي تحياه الأمة الإسلامية في طرفة عين دون نظر في العواقب ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع ودون إعداد جيد للمقدمات أو الأساليب والوسائل”، وهذا في المجتمعات ومع الأفراد أوجب.
مجالات التغيير التربوي
وأما عن مجالات التغيير التربوي التي علينا أن نبحر فيها بعمق أكبر من أجل بناء الفرد المنشود وتحقيق إنجاز تربوي عميق، فهي كثيرة متنوعة ممتدة ومن أهمها:
– التغيير الإيماني: من خلال التدرج في بناء الفرد المخلص المتقي الخاشع، صاحب الإيمان العميق والفهم الدقيق، صاحب الخلق الرفيع والسلوك القويم، وذلك من خلال الارتقاء المرحلي بمستوى عباداته وروحانيته، والعمل على غرس القوة والعزيمة في نفسه لمواجهة تحديات النفس ومعاناتها والتغلب على أهوائها وهواجسها وذلك الجسر الآمن للتغيير.
– التغيير الفكري: من خلال إعداد وتكوين عقلية إسلامية قادرة على القيام بواجبها والنهوض بأمتها من خلال تعلم المفاهيم والمعارف التي تدور في فلك الإسلام وتتسق مع الكون والإنسان والحياة.
– التغيير النفسي: ويفسره لنا الأستاذ فتحي يكن فيقول: “تكوين النفسية الإسلامية لدى الشباب المسلم التي تقوم بتصريف الغرائز والميول وفق أحكام الشرع وهو بمثابة التجسيد الحسي للإعداد الفكري والترجمة العملية للعقلية الإسلامية وترويض النفس على التقيد بشرعية إشباع الميول والرغبات بفهم أحكام الشرع لحدود الإشباع ثم ترويض النفس بالتكاليف القيادية والتربوية وهي بالنسبة للمنهج التربوي عموده الفقري وقلبه النابض ومولد الشحنات الدافعة والمحركة لجميع فقراته”.
وبعد هذا تبقى التربية الأداة الأفضل للتغيير والتطوير والتحسين، فالنتيجة المقصودة من وراءها هي صناعة مؤمن واع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر متقناً لعمله مستعداً للتضحية والبذل في سبيل الله سبحانه وتعالى، و ستبقى العملية التربوية هي الإنجاز الأعظم الذي يقاس به مدى نجاح المجتمعات في نهضتها وإحداث التحولات في نفوس أفرادها.
—–
* المصدر: موقع بصائر.