نعم لقد أخفق الانقلابيون في تركيا في مشروعهم الآثم الهادف إلى تقويض النظام الديموقراطي الوحيد في منطقتنا العربية والإسلامية .
وبالمقابل فقد نجح الشعب التركي، والقوى السياسية التركية ومن ثم الحكومة التركية في التصدي للانقلابيين، وإسقاط مشروعهم، وحقق الجميع انتصاراً يستحقون عليه مع التهاني الصادقة، الإكبار والتبجيل .
إلا أن ذاك الإخفاق وهذا الانتصار لا يمنعانا أن نقول: إن الانقلابيين الأخفياء ( الدوليين والإقليميين ) ، قد نجحوا ، في الوقت نفسه ، في إغراق الدولة التركية في شبكة من التحديات الداخلية ، تشغلها إلى حد كبيرعن التفكير ، بله مباشرة دورها ، الإقليمي والدولي ، في حرب يسعّرها على العرب والمسلمين، مربع الشر( الصهيوني – الصفوي – الأمريكي – الروسي ) . وأن نؤكد أنه سيكون الانعكاس الأكبر للانشغال التركي ، على الساحة الأكثر سخونة في سورية المبتلاة بمؤامرة دولية كبرى عز فيها المتفهم وقلّ الناصر والمعين .
ولقد سبقت الانقلاب المحبط من قبل محاولات كثيرة لإشغال تركية بنفسها وبمشكلاتها تحقيقاً لتهديدات الملالي ومظاهريهم الذين ظلوا يرددون نشعلها من : من (بحر قزوين إلى خليج العرب ) . فتمت إثارة قوى وتيارات عنصرية وطائفية داخل تركية ، وتم افتعال مشكلات عرفنا في إطار هذا الانقلاب أنه كان منها : إسقاط الطائرة الروسية بتداعياتها وانعكاساتها السلبية المتعددة على تركية وعلى سورية والسوريين .
اليوم وقد أصبح انشغال القيادة التركية بتداعيات الانقلاب الفاشل أمراً واقعاً . ولا أحد يستطيع أن يتكهن بصيرورة الوضع في تركيا ، وصيرورة السياسات فيها.
واليوم ولا أحد يستطيع أن يماري في الفراغ الذي سيحدثه هذا الانشغال التركي بالشأن الداخلي، ولا في الثغرة التي سيخلفها على المستويين السياسي – والثوري ، فإن المطلوب من قوى الجد والصدق على الساحة السورية ، أن تبادر لإعادة تقدير موقفها وتدبر أمرها ، على مستوى ما حصل ، وفي إطار التوقع والاستشراف لما يمكن أن يحصل .
إن الأمر الذي تواجهه ثورتنا وشعبنا جد وليس بالهزل . إن الهروب من مواجهة التحديات لا يحلها . وإن التهويم في عالم الأمل بلا عمل هو العجز بعينه (والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) . إن اللجوء إلى الدعاء هو أول أمرنا وآخره على أن يكون الكامخ بينهما من الحق الذي أمر به ربنا وشرعه لنا ديننا . عزم وتصميم وبصيرة وثبات .
ندرك أن العبء كبير ، وأن الثغرة كبيرة ، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع حيال الثغرة الكبيرة شيئاً ، ولو أن نحاول على مستوى التفكير . التفكير الجاد يقودنا إلى حسن التقدير ، وحسن التقدير يحدد خطوات التدبير .
إن الشمس والقمر بحسبان . والزمن الذي يجري هو لمصلحة عدونا . وقديماً حفظنا : لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد . (( فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ )) نأمل ألا تذهب الصرخات أدراج الرياح ، فوالله إن الله سائلنا ، وإن الله محاسبنا . وجهد المقل الجاد في مكانه يكون من الكثير الطيب الذي يؤتي ثمره كل حين بإذن ربه …
سيظل أملنا في الله كبير ، واعتمادنا عليه سابق ، وثقتنا أنه ناصرنا لا حدود لها …
نسأل الله أن يعين من ابتلاهم بهذا الأمر ، وأن يلهم السداد للمتصدرين . والذكرى التي لا نملك غيرها نريد . والله حسبنا ونعم الوكيل …