لم يكن قطاع غزة بمنأى عن المخططات التوسعية لدى تنظيم “داعش” الذي يحاول أن يسيطر على القدر الأكبر من البلدان العربية, لزيادة المساحة الجغرافية الخاضعة له, ونشر فكره ومنهجه على نطاق واسع، فمنذ أن تشكل التنظيم وتوسعت المناطق القابعة تحت سيطرته, ولاسيما في العراق وسورية, وبعض البلدان, حيث يحاول أن يوجد له موطئ قدم في قطاع غزة بمختلف الوسائل الممكنة.
وفي الوقت الذي تنشط فيه جماعات تتبنى الفكر المتطرف والعمل المسلح في البلدان العربية، فإن قطاع غزة ليس حالة استثنائية عن تلك البلدان, إذ تنشط فيه مجموعات صغيرة مسلحة تتبنى النهج ذاته, وإن كان بوتيرة أقل وأضعف نظراً للقبضة الأمنية المشددة من قبل الأجهزة الأمنية في غزة.
تأييد لـ”داعش”
وكانت جماعة تُطلق على نفسها اسم “مناصرو دولة الخلافة الإسلامية”، قد أصدرت في التاسع من أبريل الماضي، بياناً، أعلنت من خلاله عن دعمها وتأييدها لتنظيم “داعش”.
واتهمت الجماعة مؤخراً وزارة الداخلية في غزة، آنذاك باعتقال عدد من أنصارها، وطالبتها بنبرة تحذيرية إطلاق سراحهم، وأمهلت حركة “حماس” في بيان لها 72 ساعة لإطلاق سراح المعتقلين, وإلا فإن كل الخيارات مفتوحة للرد على حكومة “الردّة” في إشارة لحركة “حماس”، وهو ما ردت عليه الوزارة بتصريح نفت فيه شن أي اعتقالات بحق أي جماعة.
وتقول الجماعات السلفية: إن عدد المعتقلين داخل سجون الداخلية بغزة وصل إلى 30 معتقلاً، من بينهم الشيخان “عدنان ميًّط، وخالد أبو العطا”، وهما من النشطاء البارزين.
وشهد قطاع غزة مؤخراً تفجيرات وحوادث إطلاق نار، وحسب “مركز الميزان لحقوق الإنسان”، فإن قطاع غزة شهد منذ مطلع أبريل الماضي، تفجير 6 عبوات ناسفة، (لم تسفر عن وقوع أي خسائر بشرية)، وتوعدت وزارة الداخلية، بمحاسبة المسؤولين عن التفجيرات، وعدم السماح لأي جهة كانت بنشر الفوضى والانفلات الأمني.
وعن كيفية تعامل الحكومة في غزة مع تلك الجماعة التي تصر على مواصلة أعمالها ونشاطاتها رغم التضييق عليها يرى محللون أن “حماس”، ستلجأ إلى محاربة أنصار “داعش”، إما عبر القوة، أو “الحوار الفكري”.
مخاوف مشروعة
وفي هذا الشأن، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة عدنان أبو عامر، أن ثمة مخاوف مشروعة بشأن إمكانية تفجر الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، ونشوب “توتر” بين مؤيدي “داعش” والأجهزة الأمنية التي تشرف عليها حركة “حماس”.
ويضيف أبو عامر أن “حماس”، قد تلجأ إلى الحل الأمني مع مناصري ومؤيدي “داعش”، وقد تفضله على خيارات أخرى، واستدرك قائلاً: قد تلجأ الحركة إلى الحوار الفكري والنقاشات الداخلية، لكن التفجيرات الأخيرة في قطاع غزة، من شأنها أن تدفع “حماس” نحو استخدام القوة، وعدم السماح لتمدد أنصار “داعش” في غزة.
وفي سياق محاربة الفكر المتطرف بالحوار والتوضيح، قال حسن الصيفي، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة: إن الوزارة أطلقت حملة لمحاربة “الفكر المتطرف”، ومناصرة “الجماعات المتشددة”، وذلك من خلال خطب الجمعة.
وذكر المسؤول في الوزارة أن تلك الخطب، ستكون ضمن خطة وضعتها وزارة الأوقاف، بالتعاون مع مجموعة من العلماء والأئمة، لمحاربة الفكر الضال، والمتشدد.
وأكد الصيفي: أن غزة مُحصنّة؛ عقائدياً ودينياً من الأفكار المتطرفة، لكن هناك فئات خاصة من الشباب، قد تميل إلى مناصرة هذا الفكر، متأثرة بما تبثه بعض القنوات والمواقع، ولذا فلا بد من توعية المواطنين، بتعاليم الدين الصحيحة.
أرقام غير دقيقة
ولا تتوافر معلومات دقيقة عن النسبة الحقيقية التي تتمتع بها هذه الجماعات, والشعبية التي تحظى بها بين أوساط المواطنين الفلسطينيين، وتؤكد وزارة الداخلية بين الفينة والأخرى نفيها أي وجود للتنظيم، غير أن هناك أفراداً من قطاع غزة هاجروا من القطاع ليقاتلوا مع تنظيم “داعش”, وتعلن بين الفينة والأخرى، مصادر أمنية فلسطينية، ومواقع محلية عن مقتل أحد الشبان الفلسطينيين من قطاع غزة، أثناء قتاله في صفوف تنظيم “داعش” في سورية، والعراق, لكن لا تتوافر معلومات حقيقية حول أعداد الفلسطينيين، الذي يقاتلون في صفوف التنظيمات “الداعشية وأقرانها في سورية والعراق، غير أن صحيفة فلسطينية قالت في وقت سابق: إن نحو 100 شاب فلسطيني من قطاع غزة يقاتلون في صفوف تنظيم “داعش”.
الحل الأمني
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “بيرزيت” عبدالستار قاسم: إن حركة “حماس” قد ترى أن الحل الأمني هو الأمثل في التعامل مع مؤيدي “داعش” في قطاع غزة.
وتابع: خلال سنوات حكمها لقطاع غزة، لم تسمح حركة “حماس” بانتشار الجماعات السلفية، ولاحقتهم أمنياً باستمرار، وهو ما ستفعله مع مؤيدي “داعش”؛ لأنها تدرك جيداً أن أي تمدد لأنصار هذا التنظيم، قد يجلب لها مشكلات تفاقم من أزماتها.
ويرى المحاضر الأكاديمي، أن الحركة لن تسمح بتنامي ظاهرة مؤيدي “داعش”، وستقوم بملاحقتهم الأمنية المستمرة، حتى لو قامت بنفي ذلك.
التطرف ليس جديداً
ولاشك أن الأفكار المتطرفة التي تحاول أن تجد لها مكاناً في غزة ليست جديدة, فقد شهد القطاع خلال السنوات الماضية, وتحديداً بعد سيطرة “حماس” على قطاع غزة عام 2007م العديد من التحركات والنشاطات التي قام بها بعض الأفراد المحسوبين على تلك الجماعات, وكان أبرزها إعلان شيخ سلفي يدعى عبداللطيف موسى إنشاء “إمارة إسلامية” بعد خطبة الجمعة في مسجد ابن تيمية جنوبي القطاع, وذلك في الرابع عشر من أغسطس 2009م، لتشتعل الاشتباكات بعد أن داهمت الأجهزة الأمنية المسجد واشتبكت في معارك طويلة مع أتباع الشيخ السلفي، وانتهت بمقتله، وقرابة 20 آخرين من أتباعه.
هل ينجح التنظيم؟
وعن إمكانية أن يتكرر في غزة النجاح الذي حققه تنظيم “داعش” في بعض البلدان العربية، ويصبح القطاع ولاية تابعة لتنظيم الدولة، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عصام شاور في حديثه لمجلة “المجتمع” استحالة تحقيق “داعش” أي نتيجة مقارنة بما فعلته في بلدان أخرى, مثل العراق أو سورية أو حتى أي بلد كان لها فيه أنشطة متطرفة, مشيراً إلى إمكانية حدوث بعض البلبلة المشابهة لما فعلته بعض الجماعات المنضوية تحت عائلات ذات نفوذ في القطاع, ولكن “حماس” عاملتها بقسوة واستطاعت أن تنهي وجودها المسلح، لافتاً إلى أن التنظيم لن يكون بقوة تلك العائلات ولا بمناعتهم وتماسكهم.
الأسباب
وعن السبب الذي سيمنع “داعش” من تحقيق أهدافها يقول الكاتب شاور لمجلة “المجتمع”: إن “داعش” تنفذ أهدافها في بيئة من الفوضى والاقتتال, وتكون جهة من مجموعة كبيرة من الجهات المشاركة في الاقتتال، ونلاحظ أن نشاطها لا يقتصر إلا على مناطق غير مستقرة أمنياً، لكن في غزة الأمن مستقر أكثر من دول عربية كثيرة, وفيها إلى جانب الأجهزة الأمنية كتائب مقاومة وخاصة “كتائب القسام”، والجهاد الإسلامي, وتلك الفصائل ذات تسليح قوي من أجل مواجهة الجيش “الإسرائيلي”؛ وبالتالي لديها القدرة على مواجهة “داعش”، علماً بأنه لم يثبت حتى اللحظة وجود حقيقي لـ”داعش” في قطاع غزة، كما أن أهل القطاع يرفضون هذا الفكر المتطرف.