جوليا هولينجسورث
في الأسبوع الماضي فقط، توقع محللو المخابرات الأمريكية أن الأمر سيستغرق على الأرجح عدة أسابيع أخرى قبل أن تسقط الحكومة الأفغانية في كابل في أيدي مقاتلي “طالبان”، والواقع أن الأمر لم يستغرق سوى بضع ساعات.
واستعاد مقاتلو “طالبان”، يوم الأحد الماضي، العاصمة الأفغانية بعد نحو عقدين من طرد القوات الأمريكية لهم من كابل.
وعلى الرغم من أن قوات الأمن الأفغانية كانت ممولة ومجهزة بشكل جيد، فإنها لم تبدِ مقاومة تذكر، حيث سيطر مسلحو “طالبان” على جزء كبير من البلاد بعد انسحاب القوات الأمريكية في أوائل يوليو.
في يوم الأحد الماضي، فر الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد، تاركاً القصر الرئاسي لمقاتلي “طالبان”.
واعترف المسؤولون الأمريكيون بالفعل بأنهم أخطؤوا في تقدير السرعة التي تمكنت بها “طالبان” من التقدم في جميع أنحاء البلاد، حيث قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين لقوات الأمن الوطني الأفغانية: حقيقة الأمر أننا رأينا أن تلك القوة لم تكن قادرة على الدفاع عن البلاد، وقد حدث ذلك بسرعة أكبر مما توقعنا.
وقد أثار النجاح السريع الذي حققته حركة “طالبان” تساؤلات حول كيفية تمكن مجموعة “متمردة” من السيطرة بعد وقت قصير من انسحاب الولايات المتحدة على أفغانستان، وبعد ما يقرب من 20 عامًا من الصراع في أطول حرب للولايات المتحدة، فما الذي تريده “طالبان”.
من هم “طالبان”؟
تشكلت حركة “طالبان” عام 1994م، وتتألف من مقاتلين سابقين في المقاومة الأفغانية، يُعرفون مجتمعين بالمجاهدين، وقد حاربوا القوات السوفييتية الغازية في الثمانينيات، وكانوا يهدفون إلى فرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية على البلاد، وإزالة أي تأثير أجنبي.
وبعد أن استولت “طالبان” على كابل، في عام 1996م، طبقت المنظمة الإسلامية السُّنية قواعد صارمة، فكان على النساء ارتداء أغطية من الرأس إلى أخمص القدمين، ولم يُسمح لهن بالدراسة أو العمل ومُنعن من السفر بمفردهن، كما تم حظر التلفزيون والموسيقى والأعياد غير الإسلامية.
تغير ذلك بعد 11 سبتمبر 2001م، عندما خطف 19 رجلاً 4 طائرات تجارية في الولايات المتحدة، وتحطمت طائرتان في برجي مركز التجارة العالمي، وواحدة في البنتاجون، والرابعة تحطمت في واشنطن، في حقل في ولاية بنسلفانيا، وقتل في الهجمات أكثر من 2700 شخص.
دبر الهجوم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة”، الذي عمل من داخل أفغانستان التي تسيطر عليها “طالبان”، بعد أقل من شهر من الهجوم، غزت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها أفغانستان، بهدف منع “طالبان” من توفير ملاذ آمن لـ”القاعدة”، ومنعها من استخدام أفغانستان كقاعدة لعمليات الأنشطة الإرهابية.
خلال العقدين الماضيين منذ الإطاحة بهم من السلطة، شنت حركة “طالبان” تمرداً ضد قوات التحالف والحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.
من هم القادة؟
يقود “طالبان” الملا هيبة الله أخوند زاده، وهو رجل دين بارز من الجيل المؤسس لحركة “طالبان”.
تم تسميته كزعيم لـ”طالبان”، في عام 2016م، بعد مقتل الزعيم السابق للجماعة الملا أختار محمد منصور في غارة جوية أمريكية في باكستان.
في ذلك الوقت، قال توماس روتيج، من شبكة المحللين الأفغان: إن زعيم “طالبان” الجديد قد يكون قادرًا على “دمج الجيل الأصغر والأكثر تشددًا”.
لاعب رئيس آخر هو الملا عبدالغني برادر، المؤسس المشارك لـ”طالبان”، الذي أُطلق سراحه في عام 2013م بعد أسره عام 2010م في كراتشي، أكبر مدينة في باكستان، يرأس برادر اللجنة السياسية للمجموعة، وقد التقى مؤخرًا بوزير الخارجية الصيني وانج يي.
على ماذا اتفقت “طالبان” مع ترمب؟
في عام 2017م، أصدرت حركة “طالبان” رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا دونالد ترمب، تطالبه بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
بعد سنوات من المفاوضات، وقعت “طالبان” وإدارة ترمب أخيرًا اتفاق سلام، في عام 2020م، وافقت الولايات المتحدة على سحب القوات وإطلاق سراح حوالي 5 آلاف سجين من “طالبان”، بينما وافقت “طالبان” على اتخاذ خطوات لمنع أي جماعة أو فرد، بما في ذلك “القاعدة”، من استخدام أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها.
لم يتحقق السلام
نما العنف في أفغانستان ليصل إلى أعلى مستوياته منذ عقدين، عززت “طالبان” سيطرتها على مساحات أوسع من البلاد، وبحلول يونيو من هذا العام، تنازعت أو سيطرت على ما يقدر بنحو 50% إلى 70% من الأراضي الأفغانية خارج المراكز الحضرية، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وحذر التقرير من أن تشجيع حركة “طالبان” يشكل تهديداً خطيراً ومتزايداً على حكومة أفغانستان، وجادل التقرير بأن قيادة “طالبان” ليس لديها مصلحة في عملية السلام، ويبدو أنها تركز على تعزيز موقفها العسكري لمنحها نفوذاً في المفاوضات، أو إذا لزم الأمر في استخدام القوة المسلحة.
وذكر التقرير أن رسائل “طالبان” لا تزال ثابتة، ولا تظهر أي مؤشر على خفض مستوى العنف في أفغانستان لتسهيل مفاوضات السلام مع حكومة أفغانستان وأصحاب المصلحة الأفغان الآخرين.
ماذا تريد “طالبان”؟
حاولت “طالبان” تقديم نفسها على أنها مختلفة عن الماضي، فقد زعموا أنهم ملتزمون بعملية السلام، وبتكوين حكومة شاملة، ومستعدون للحفاظ على بعض الحقوق للمرأة.
وقال المتحدث باسم “طالبان” سهيل شاهين: إنه سيُسمح للنساء بمواصلة تعليمهن من المرحلة الابتدائية إلى التعليم العالي، وهو خروج عن القواعد خلال حكم “طالبان” السابق بين عامي 1996 و2001م، وقال شاهين أيضًاً: إن الدبلوماسيين والصحفيين والمؤسسات غير الربحية يمكنها مواصلة العمل في البلد.
وقال: هذا هو التزامنا بتوفير بيئة آمنة، ويمكنهم القيام بأنشطتهم من أجل شعب أفغانستان.
لكن العديد من المراقبين قلقون من عودة حكم “طالبان”، ويعتبرونه عودة إلى أفغانستان قبل عقدين عندما كانت حقوق المرأة مقيدة بشدة، فقد قال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في تغريدة على “تويتر”: إن مئات الآلاف أجبروا على الفرار وسط تقارير عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وقال: يجب الحفاظ على القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وخاصة المكاسب التي تحققت بشق الأنفس للنساء والفتيات.
وقال أمين سيكال، مؤلف كتاب “أفغانستان الحديثة: تاريخ النضال والبقاء”: إن “طالبان” لا تريد أن تصبح أفغانستان دولة منبوذة وتريد الاستمرار في تلقي المساعدات الدولية، لكن سيكال قال: فيما يتعلق بالتزامهم الأيديولوجي، فإنهم لم يتغيروا.
لماذا ظلت “طالبان” تتمتع بهذه القوة ضد القوات الأفغانية؟
على مدى العقدين الماضيين، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار في أفغانستان، ودربت الجنود والشرطة الأفغانية وزودتهم بالمعدات الحديثة.
واعتبارًا من فبراير، بلغ عدد القوات الأفغانية أكثر من 300 ألف فرد، وفقًا لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي صدر في يونيو، وهو أعلى بكثير من العدد المقدر لمقاتلي “طالبان” المسلحين، الذي تراوح بين 58 و100 ألف.
في نهاية المطاف، على الرغم من ذلك كله، أثبتت القوات الأفغانية أنها ليست نداً لـ”طالبان”.
وقال كارتر ملكاسيان، وهو مستشار كبير سابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية ومؤلف كتاب “تاريخ الحرب الأمريكية في أفغانستان”: إن القوات الأفغانية كانت تفتقر إلى التنسيق وتعاني من ضعف الروح المعنوية، وكلما زاد عدد الهزائم التي تعرضوا لها؛ ساءت معنوياتهم، وزادت قوة “طالبان”.
وقال: إن القوات الأفغانية كانت لفترة طويلة من الزمن تعاني من مشكلات في الروح المعنوية، وكذلك في رغبتها في محاربة “طالبان”، “طالبان” كانت تصور نفسها على أنها تقاتل وتقاوم الاحتلال، وهو شيء مقرب ومحبب لكل من يعتز بكونه أفغانيًا، في حين أن هذا كان أمراً صعباً جداً على الحكومة وعسكرها أن تدعيه.
وقال شاهين، المتحدث باسم “طالبان”: إنهم لم يفاجأوا بهجومهم العسكري الناجح؛ لأننا متجذرون بين الناس، وهذه انتفاضة شعبية كنا نعمل من أجلها منذ 20 عاماً، البعض لم يصدقنا ولذلك فوجئوا.
هل كانت الولايات المتحدة تعلم أن “طالبان” ستعود؟
في الشهر الماضي فقط، اعتقد كبار المسؤولين في إدارة بايدن أن الأمر قد يستغرق شهورًا قبل سقوط الحكومة المدنية في كابل.
والآن يضغط المشرعون على إدارة بايدن للحصول على إجابات ويطالبون بمعلومات حول كيف يمكن أن تكون المخابرات الأمريكية قد أساءت تقدير الموقف على الأرض.
وقد وصف النائب عن ولاية تكساس مايكل ماكول، وهو أعلى عضو جمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الوضع بأنه “كارثة غير مخففة ذات أبعاد ملحمية”، بينما قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: لقد رأى الجميع ذلك قادمًا، باستثناء الرئيس، الذي رفض ذلك علنًا وبثقة قبل بضعة أسابيع فقط.
وأعرب المسؤولون الأمريكيون عن استيائهم من عدم قدرة الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، التي سقطت الآن، على حماية المدن والمناطق الرئيسة من “طالبان”، على الرغم من وضع إستراتيجية للقيام بذلك خلال اتصالاته مع بايدن وغيره من كبار القادة الأمريكيين.
وقال وزير الدفاع لويد أوستن: إن الافتقار إلى المقاومة التي واجهتها “طالبان” من القوات الأفغانية كان مقلقًا للغاية.
وقال، بحسب مصادر في المكالمة التي أدلى خلالها بهذه التصريحات: لقد كانت لديهم كل المزايا، فقد تلقوا 20 عاماً من التدريب من قبل قوات التحالف، ولديهم قوة جوية حديثة، ومعدات وأسلحة جيدة، لكن لا يمكنك شراء الإرادة ولا يمكنك شراء القيادة، وهذا حقًا ما كان مفقودًا في هذا الوضع.
____________________
المصدر: “سي إن إن”.