لقد سطر رجال الكويت كلهم ملاحم بطولية في مواجهة الغزو العراقي الغاشم، وكان لرجال جمعية الإصلاح الاجتماعي بطولاتهم المميزة التي شهد بها القاصي والداني التي تم توثيقها مشاهدة وكتابة.
وفيما يلي نقف مع بعض من قدمتهم جمعية الإصلاح من شهدائها في أثناء هذا الغزو الغاشم:
نايف مجلعد المقبول العجمي
ولد نايف مجلعد في 17 جمادى الأولى 1375هـ/ 1 يناير 1956م بمنطقة أبو حليفة، ونشأ بين أبوين صالحين، وكان متفوقاً في دراسته بجميع المراحل الدراسية؛ حيث درس الابتدائية والمتوسطة في مدرسة أبو حليفة المشتركة للبنين، ثم درس الثانوية في ثانوية الفحيحيل بالقسم العلمي، ثم ابتعث إلى القاهرة عام 1974م للتخصص في الهندسة الكيميائية، وأثناء دراسته حفظ القرآن على يد أحد المشايخ في القاهرة.
عمل بعد تخرجه في الإدارة العامة لمنطقة الشعيبة الصناعية مهندساً كيميائياً، ثم انتقل لوزارة التربية للعمل بالمعهد الديني مدرس علوم، كما عمل إماماً وخطيباً متطوعاً في عدة مساجد، وكان يؤم المصلين في صلاة التراويح بشهر رمضان.
مواقفه أثناء الغزو:
عرف الشهيد نايف بمواقفه البطولية في أثناء الغزو؛ حيث كان يصر على القيام بما يمليه عليه واجب الوطنية؛ ومن هذه المواقف:
1- الذهب للعمل تثبيتاً للناس:
في أثناء الغزو ورغم خطورة الموقف واغتيال الكثير من المواطنين، كان يصر على الذهاب لمقر عمله بمحطة الزور، وكان أهله يحاولون منعه من ذلك، لكن كان يصر على ذلك، حتى لا تنقطع الكهرباء والماء، وحتى يثبت المواطنين للمكوث في الكويت.
2- النصر أو الشهادة:
يروي عنه مبارك صنيدح، النائب البرلماني السابق، أنه نام عنده أثناء الغزو، فكان يقوم الليل، ويقول في دعائه: “اللهم ارزقني النصر والشهادة”، فكان يرد عليه مبارك: “كيف يجمع الاثنين معاً”، فيرد عليه: “ما على الله شيء صعب”، وقد حقق الله له ما يريد فرأى تحرير الكويت، ونال الشهادة.
3- حفظ الأمانات:
أثناء الغزو أودع الكثير من زملاء العمل في محطة الزور من غير المواطنين أماناتهم عنده، قبل مغادرتهم الكويت خوفاً من السرقة، فأتى بودائعهم إلى البيت ووضعها في الخزنة الحديدية، وعندما استشهد، جاء أحد زملائه بالعمل وأعطيت له هذه الودائع وأرجعها إلى أصحابها.
استشهاده:
في يوم الثلاثاء 26/2/1991م، يـوم التحرير في فترة الـظـهـر، أعـلـنـت الـحـكـومـة لحاجتها للمهندسين والفنيين للالتحاق بمقار عملهم، وما كان منه إلا المبادرة، وأثناء توجهه لمقر عمله أراد تعبئة سيارته بالبنزين في منطقة صبحان، وأثناء اتجاهه إلى محطة البنزين، شاهده بعض فلول الجيش العراقي، فأطلقوا عليه الرصاص، فأصابته رصـاصـة فـي رأسـه، فـانـحـرفت السيارة واصطدمت بسياج المطار، وظلت قابعة في مكانها منذ الثلاثاء حتى يوم الجمعة؛ حيث عثر عليه الحرس الوطني السعودي، ونقلوه إلى مستشفى العدان.
وقال الضابط السعودي الذي عثر عليه: إنه رآه وكأنه نائم، وشممنا رائحة طيبة، وعندما نقلوه إلى المشرحة ذهب له سعد شبيب العجمي، شقيق زوجته، فرفع الغطاء عن وجهه، فرآه كأنه نائم ولم يتغير وجهه ولا لونه، اللهم إلا بعض أثر من الدم جهة الرأس.
ولما أخذوه للدفن مس الكفن جهة الرأس، حيث يقسم سعد العجمي بأنه عندما مسح الدم بـالمناديل شم فيه رائحة الطيب، فذهل لما رأى من هذه الكرامة، وقد حضر عدد كبير من المواطنين لتشييع جنازته، رحمه الله رحمة واسعة.
مشعل إبراهيم يوسف الخليفي.. الأسير الشهيد
ولد مشعل إبراهيم في 29 رمضان 1385هـ/ 1 فبراير 1965م، بمنطقة الشعب في عائلة محافظة.
درس في روضة أسامة بن زيد، والابتدائية في مدرسة علي بن أبي طالب، والمتوسطة في مدرسة الشعب، والثانوية في أحمد بشر الرومي، ثم التحق بكلية التربية الأساسية تخصص علوم.
كان من الشباب الأذكياء المتميزين بالهمة العالية؛ فكان من أوائل المحافظين على الدروس العلمية، كما كان حريصاً منذ صغره على صلاة الجماعة في بيوت الله، وكان يحث أصدقاءه وأشقاءه على الصلاة في المسجد.
بعد تخرجه في كلية التربية الأساسية عمل مدرساً في إحدى مدارس منطقة الجهراء التعليمية.
نشاطه الدعوي:
كان يعمل على تربية أشقائه الصغار، بحثهم على الصلاة، وترغيبهم بالصحبة الصالحة، وقد كسب ثقة الكثير من الطلبة سواء أيام الدراسة الثانوية أو الجامعية، والكثير من شباب المنطقة وكذلك شباب المسجد الذي كان يصلي فيه.
القدوة الحسنة:
كتب عنه خالد الشطي: “عرِف مشعل إبراهيم الخليفي منذ صغره بالتزامه الديني وأخلاقه العالية وحسن تعامله مع الآخرين، وحرصه على صلاة الجماعة في المسجد، ودعوة أبناء منطقة الشعب وزملاء الدراسة لحضور الدروس الدينية وحلقات القرآن الكريم في المساجد وفي مسجد المدرسة، والأنشطة الثقافية والرياضية التي يقيمها شباب مساجد المنطقة، وكان نشيطاً في دعوة أصدقائه للالتزام الديني وحضور الأنشطة، فلم يعرف رحمه الله ما يسمى بفترة المراهقة عند الشباب، حيث نشأ منذ نعومة أظفاره على طاعة الله وريادة المساجد.
وكان نموذجاً للشاب المثالي والقدوة الحسنة لدى أقرانه في الدراسة والعلاقات الاجتماعية المتميزة والأخلاق العالية وتدينه وبعده عن أصدقاء السوء”.
استشهاده:
في 9 أغسطس 1990م، خرج بكامرته لتوثيق جرائم الجيش العراقي، فتم أسره، ورغم سفر والدته إلى بغداد للبحث عنه لم تستطع الوصول إليه، ومنذ ذلك الوقت اعتبر أسيراً، وسجل في مكتب الشهيد في قائمة الأسرى، حتى عام 2015م حكم القضاء حكماً بوفاته، وأعلن رسمياً وفاته، وما يترتب عليه من أحكام حتى وصل رفاته بتاريخ 22/11/2020م، وتم دفنه بتاريخ 25/11/2020م، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
طارق محمد أحمد عبدالله الياقوت
ولد طارق محمد الياقوت في 23 رجب 1384هـ/ 27 نوفمبر 1964م، بمنطقة الدعية، وله 5 إخوة، كان هو أصغرهم.
درس الابتدائية في مدرسة ابن سينا، والمتوسطة في مدرسة الشعب، والثانوية في ثانوية أحمد بشر الرومي، ثم دخل كلية الشريعة بجامعة الكويت، وبعد تخرجه عمل مدرساً للتربية الإسلامية بالمعهد الديني، ثم انتقل إلى ثانوية صالح الرويح في العارضية.
عرف في حياته بالجدية منذ صغره؛ فكان متميزاً، وجاداً في دراسته وعمله وأخلاقه وعلاقاته، ودائماً يسعى إلى معالي الأمور، ولا يعرف الكسل والتواني؛ فعندما كان يُكلَّف ببعض الواجبات العلمية أو الدعوية كان أسبق أقرانه، بل ويبادر ببعض الأمور قبل أن يُكلَّف بها.
استشهاده:
في 17 المحرم 1411هـ/ 8 أغسطس 1990م، اتصلت والدته بأخيه عادل، وأخبرته بأن العراقيين قبضوا على طارق؛ لأنه ذهب مع صديقه مشعل الخليفي يصوران بالفيديو لتوثيق جرائم الاحتلال، ثم قبض عليهما، وانتظر أهله يومي الخميس والجمعة، حتى تأكد لهم أنه رحل إلى العراق، وسمعت والدته بأنه في الموصل فذهبت إلى الموصل، ولم تعثر عليه، حتى يوم التحرير، وكان قد التقاه أحـد الأسـرى الهاربين وأخـبـر بأنه رآه في أحد السجون، لكنه بعد كل هذه الفترة تأكد أنه استشهد رحمه الله.
يوسف خاطر حسن الصوري
ولد يوسف خاطر بمنطقة الشرق في 7 ربيع الأول 1378هـ/ 21 سبتمبر 1958م، وقد ترعرع في طفولته بين منطقة حولي، وفي بداية شبابه بمنطقة الصليبيخات والدوحة.
بدأ دراسته في روضة بغداد بحولي، ثم درس المرحلة الابتدائية في مدرسة عبدالعزيز الرشيد بالنقرة، والمرحلة المتوسطة في مدرسة الفرزدق بالفحيحيل، ثم الثانوية في مدرسة ثانوية الدوحة، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين بقسم اللغة العربية والتربية الإسلامية، حتى حصل على دبلوم تربية وآداب من كلية التربية الأساسية عام 1980م.
بعد تخرجه عمل مدرساً للتربية الإسلامية واللغة العربية ببعض المدارس، حتى استقر بمدرسة مرشد محمد سليمان الابتدائية للبنين في الدوحة.
دوره الدعوي:
كان من قدر الله العظيم به أن هيَّأ له الظروف للتعرف على الصحبة الصالحة من شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي، وهو في بداية مراهقته؛ فكان لذلك أثر كبير في صياغة شخصيته الإيمانية والتربوية والثقافية.
إنتاجه العلمي:
عرف بحبه للقراءة والتأليف؛ حيث قرأ “في ظلال القرآن” لسيد قطب كاملاً، وصنف له فهرساً دعوياً خاصاً، كما قرأ “سير أعلام النبلاء” للذهبي، وهو نحو 23 مجلداً، وصنف فيه كتاباً سماه “فوائد متنوعة من كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي”.
وقد ألف كتاب “أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتربية”، جمع فيه ما يقارب 57 موقفاً، وألَّف كذلك كتاب “الفوائد”، جمع فيه فوائد كثيرة متنوعة، وكتاب “مواقف نسائية”، جمع فيه الكثير من المواقف النسائية القديمة والحديثة، وكتاب “قصص واقعية”.
أبرز المواقف في فترة الغزو:
أثناء الغزو العراقي، ظهرت صفات المعدن الأصيل في شخصية يوسف رحمه الله؛ حيث رفض مغادرة الكويت، وفضل البقاء لخدمة الناس، وتقديم كل ما يستطيع لتثبيتهم لإزالة الظلم الذي وقع على بلده؛ فقد كان ممن يوزعون الخبز على أهل المنطقة بسيارة الجمعية رغم تطاير الرصاص من فوقه، لكنه كان مصراً على أداء هذا الواجب؛ فكان مشغولاً بخدمة الناس، والتخفيف من مصابهم الجلل؛ فتارة كان يبحث عن صيدلي يعمل في المستوصف، وتارة يسأل عن سرداب يؤوي أهل المنطقة وقت القصف، وكان بين هذا وذاك مستمراً في عمليات التموين، خاصة للأسر التي ليس لها عائل، واستمر كذلك حتى اعتقل في 9 سبتمبر 1990م.
استشهاده:
كانت وفاته تتلاءم مع ما كان يسعى إليه؛ فقد اعتقل من قبل الجيش العراقي بسبب نشرة “المرابطون”؛ حيث كان رحمه الله أحد الذين يقومون بتوزيعها، وعند التحقيق، اعترف بأنه كان يوزعها، فتم اعتقاله شهراً كاملاً رغم محاولات أهله للوصول إليه بكل الطرق والوسائل للإفراج عنه دون جدوى، وفي 7 أكتوبر 1990م، سُمع صوت إطلاق نار بالقرب من منزل أهل زوجته، وبعد فترة خرجت أخت زوجته فرأته شهيداً أمام المنزل.
ويروي من حضر جنازته أنه دفن وهو ينزف دماً رغم أنه كان قد مات منذ 5 أيام، وكان جسده طرياً، وله رائحة ذات عطر مثل المسك الأبيض، كما تروي زوجته وأختها.
عـبـدالـرزاق عبدالله مبارك الـفـوزان
ولد عبدالرزاق في 22 شعبان 1372هـ/ 6 مايو 1953م، بمنطقة القبلة، ثم استقرت عائلته في كـيـفـان، وكـان والـده رجلاً صالحاً، وحريصاً على المسجد، حتى إنه كان يطلق عليه “حمامة المسجد”.
درس الابتدائية والمتوسطة في مدرسة الخليل بن أحمد، والثانوية في كيفان، ثم ابتعث إلى القاهرة لدراسة الهندسة المدنية، وحاول أن يكمل دراسته للماجستير في الولايات المتحدة لكنه لم يكمل.
بعد تخرجه عمل في البلدية مهندساً مدنياً ومشرفاً على الخرائط، واستمر في هذا العمل حتى بداية الغزو، حتى أُخذ أسيراً، وكان عضـواً في جمعية الإصلاح الاجتماعي، وأحـد المؤسسين للنشء، وقد رافـق د. عـبـدالـرحمن السميط في إحدى رحلاته إلى أفريقيا.
حبه للدعوة:
كانت الدعوة تمثل له كـل شيء؛ فمـلـكـت عليـه كـل حياته، حتى إنه اخـتـار زوجته لتـكـون داعيـة صـالحــة من بيت صـالـح، وكـان أثره في الـدعـوة واضحاً، وكـان مـن أكـبـر هـمـومـه أن يحبب الدعوة لأبنائه، ويربطهم بها، وكان من المؤسسين للناشئة، وحرص على توعيتهم، وكان إذا تحجبت إحدى الفتيات من العائلة يشجعها ويعطيها هدية تحفيزاً لها ولغيرها.
استشهاده:
كـان حريصاً على الشهادة في سبيل الله، ودائماً يحدّث زوجته بحبه للشهادة، ويتمناها، بل منذ أن تزوج في نهاية السبعينيات، وكـان دائماً يدعو “اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك”.
وفي أثناء الغزو الـعـراقـي، تـوفـيـت والـدة أحد أصدقائه، فأخبر زوجته بأنه ذاهب لعزائه، لكنه لم يرجع بعد ذلك، وانتظرت زوجته فلم يرجع، فاتصلت بالشيخ نادر النوري وأخبرته، فـقـام باتصالاته مع إخوانه، لكنهم لم يصلوا لشـيء، ومـضـى أسبوعان ولم يعلم عنه أحـد شيئاً، حتى اتـصـل أحـد الأشخاص من الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم، وأخبرهم بأن عبدالرزاق معتقل في السفارة العراقية، ثم انقطعت الأخبار.
وبعد شهر اتصـل أحد الضباط الـعـراقيين فقال: إنه بخير، ثم ذهبت زوجته وأمه إلى مخـفـر كـيـفـان وسـألـوا فأنكروا أنهم رأوه، ثم انقطعت أخباره حتى التحرير، وتم إطلاق بعض الأسرى مـن البصرة، وكثير منهم كـانـوا يـذكـرون أخـبـاراً طيبة عنه، وبأنه كان يؤم المصلين ويثبتهم، وانقطعت أخـبـاره بـعـد ذلك، وفي عام 2004م تم العثور على مقبرة جماعية، كان فيها بعض الرفات، وبعد الفحص تبين أنه كان أحد هؤلاء الذين استشهدوا، رحمه الله رحمة واسعة.
يعقوب يوسف الفيلكاوي.. شهيد الخدمات الإنسانية
كان الشهيد يعقوب يوسف أحمد علي الفليلكاوي يعمل قبل الاحتلال مساعد مهندس بوزارة الكهرباء والماء، واستمر في عمله في أثناء الاحتلال استشعاراً لمسؤوليته الوطنية خلال هذه الأزمة التي تمر بها البلاد؛ فحرص على القيام بواجبه بكل همة ونشاط وتفان وتضحية.
كان يرحمه الله محباً لعمل الخير، فتطوع قبل الاحتلال في لجنة الدعوة الإسلامية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي لدعم المجاهدين والمهاجرين الأفغان.
جهاده واستشهاده:
وفي أثناء الغزو العراقي للكويت، تطوع في العمل الإنساني، فعمل مع متطوعي لجان التكافل بجمعية الرقة، ثم عمل مع جمعية الهلال الأحمر الكويتي.
وأثناء عمله مع الهلال الأحمر كان يعمل صباحاً في الخدمات الكهربائية ومساء مع الهلال الأحمر.
وفي 16 سبتمبر 1990م، ذهب إلى قاعدة أحمد الجابر لإصلاح عطل كهربائي، وأثناء توصيل التيار الكهربائي للقاطع ذي الضغط العالي، انفجر القاطع انفجاراً قوياً، فالتهمت النيران 45% من جسده، ونقل إلى المستشفى لكنه فارق الحياة إثر هبوط في نبضات القلب وحروق داخلية وصلت لرئتيه.
وبعد استشهاده روت زوجة أخيه أنها بعد توديع زوجته له وعودتها للبيت شمت رائحة مسك تنبعث منها، وحينما سألت عن مصدرها عرفت أنه من دم الشهيد الذي علق بزوجته.