بالتزامن مع إحياء أسر ضحايا مجزرة “سربرنيتسا” يوم 11 يوليو 2021م، ذكرى فقدان أكثر من 8 آلاف مسلم بوسني من أبنائهم وأقربائهم، قتلتهم القوات الصربية عام 1995م، بتواطؤ من القوات الهولندية، نشرت صحف ومواقع شهادات لجنود هولنديين تشير إلى أن ما جري كان أبشع من قائمة شندلر اليهودية.
فقد نشر موقع Balkan Transitional Justice (العدالة الانتقالية في البلقان) شهادات لبعض المحاربين الهولنديين القدامى الذين حضروا مجزرة سربرنتسيا، وصف بعضهم ما شاهده بأنه كان على غرار “قائمة شندلر” اليهودية، ولكن في نسختها الإسلامية حيث سعي مجرمي الحرب الصرب لتوقيف المسلمين وتصنيفهم ثم حمل كل فريق علي عربات سواء للقتل في مقابر جماعية أو معسكرات اغتصاب واعتقال.
حيث روي الجندي الهولندي “آن مولدر” في شهادته أن الجنود الصرب كانوا يقومون بتصنيف المسلمين ويفصلون النساء والأطفال عن الرجال على طريقة “قائمة شندلر”، وأن الجنود والضباط الهولنديين كانوا يقفون يتفرجون على ما يجري بدعوي عدم قدرتهم علي صد القوات الصربية أو منعهم من أخذ المسلمين أمامهم وقتلهم.
قال: كان ما يجري مثل قائمة شندلر، حيث تم فصل الأمهات والأطفال وكبار السن أمامي عن حوالي 240 رجلاً، حاول بعض زملائي حمايتهم بالذهاب مع الحافلات ولكن بمجرد أن يكونوا بعيدًا عن الأنظار، نسمع طلقات رصاص.
وزعم أنه لم يكن يعلم أنه تم القبض على الرجال لقتلهم قائلاً: “لم أستطع حتى تخيل هذا، كيف قتلوا 8000 رجل؟ لماذا لم يأخذوهم أسرى حرب بدل القتل المنظم بهذا الحجم؟”.
وتحدث عن “فوضى خلقتها وزارة الدفاع الهولندية”، و”أخطاء ارتكبت في مثل هذا الوقت القصير”، وأكد التقاط بعض زملائه صورا “للأعمال الوحشية”، لكنها اختفت، مؤكداً: “يبدو أنه كان لدينا شيء نخفيه”.
وخلال الحرب العالمية الثانية تحدث يهود عما أسموه “قائمة شندلر”، التي تحولت لفيلم بهذا الاسم، في إشارة لسعي رجل الأعمال الألماني أوسكار شندلر لحماية بعض اليهود والبولنديون من قتل النازيين لهم وانقاذه ألف يهودي جري تصنيفهم في قائمة تابعة له نجت بينما تم قتل باقي اليهود.
كذلك روي الجندي الهولندي “ريمكو دي بروين” تفاصيل أيضاً عن قائمة شندلر الإسلامية قائلاً: “يقول الجميع إننا ساعدنا في الإبادة الجماعية لأننا ساعدنا المجرمين الصرب على فصل الرجال عن عائلاتهم، لكنني شخصياًً لم اختار القيام بذلك”.
وأكد أن قائده الهولندي الكولونيل توماس كاريمان اتفق مع قائد جيش الصرب ملاديتش على إخراج اللاجئين المسلمين الذين احتموا بالقوات الهولندية التابعة للأمم المتحدة من قاعدتنا، و”ساعدنا في ركوبهم الحافلات (التي ذهبت بهم لقتلهم)، وفي تلك المرحلة كان الصرب يفصلون الرجال عن النساء والأولاد”.
أضاف: “أخذوا الجميع من سن العاشرة فصاعدًا لاستجوابهم، هذا ما قالوه لنا، لم أصدقهم ولكن لم يكن هناك شيء يمكننا القيام به لأننا كنا أقل عددًا”، وأشار لقتل الكثير منهم لاحقاً.
تبادل كؤوس الخمر
ووجهت اتهامات محلية ودولية للقوات الهولندية في البوسنة بالمشاركة في جريمة قتل مسلمي البوسنة سواء بتسليمهم للصرب أو المشاركة في قتلهم، وظهر قائد القوات الهولندية مع جزار الصرب “راتكو مبلاديتش) الذي تم سجنه مدي الحياة، وهما يتبادلان كؤوس الخمر بعدما ساعد الهولنديين الصرب على اعتقال المسلمين وقتلهم.
فحين بدأت المذبحة، كانت سربرنيتسيا تحت حماية قوة هولندية تابعة للأمم المتحدة، لكنه تركت الصرب يدخلون المدينة ويقتلون المسلمين، وحين هرب مئات اللاجئين لمقر الكتيبة الهولندية هربا من الذبح، سلموهم للصرب.
ونشرت مجلة فورين بوليسي 28 مارس 2012م تقريراً فضح تواطؤ قائد القوات الهولندية مع مجرمي الصرب وصورة قائد القوات الهولندية في سربرنيتسا “توم كاريمانز” وهو يقول لجزار الصرب راتكو ملاديتش “أنا مجرد عازف بيانو متواضع يؤدي دوراً ابتكره له الأخرون” قبل أن يتركه يُحمل المسلمين علي عربات نقلتهم للقتل في المقابر الجماعية!!.
وقالت: بعد ذلك قدم كاريمنز السجائر وكؤوس الخمر لملاديتش والتقطا معاً صوراً وهم يرفعان كؤوس الخمر على جثث المسلمين، وتبادلت عائلتا ملاديتش وكاريمنز الهدايا، قبل رحيل القوات الهولندية من سربرنيتسا!!
ولم تتم محاكمة “كاريمانز” في أي وقت بخصوص ما حدث، إلا أن محكمة هولندية اعتبرت حكومة بلادها آنذاك مسؤولة “جزئياً” عما حدث.
وسعي أهالي ضحايا الأسر البوسنية لمقاضاة هولندا وجيشها أمام محاكم لاهاي، متهمين الجيش الهولندي بالمسئولية عن قتل المسلمين مثل الصرب.
وصدر أول حكم في يوم 16 يوليو 2014م، حين قضت محكمة هولندية بمسؤولة أمستردام عن قتل قرابة 350 شخصاً فقط من المسلمين البوسنيين في بلدة سربرينيتسا وبرأت المحكمة، هولندا – كدولة-من قتل ما يزيد على 7 آلاف رجل آخرين في سربرينيتسا وحولها.
وقد استأنفت الحكومة الهولندية الحكم، فأيدت محكمة في لاهاي الحكم للمرة الثانية 27 يونيو 2017م، وأعادت إلقاء اللوم على هولندا في مقتل أكثر من 300 مسلم على يد قوات صرب البوسنة.
على الرغم من الحكم القضائي بمسؤولية أمستردام وتأكيده في الاستئناف، فإن المحكمة العليا الهولندية خفّضت في يوليو 2019م، نسبة مسؤولية الجنود الهولنديين في مجزرة سربرنيتسا من 30% إلى 10% بغرض تخفيض مقدار التعويضات التي أُلزِمت هولندا بدفعها لأسر الضحايا.
شاركوا في القتل
وقد تم كشفت معلومات عن دور جنود وضباط هولنديين في المشاركة بقتل المسلمين أثناء المذبحة وأضطر وزير الدفاع الهولندي لإجراء تحقيقين منفصلين بشأن تورط جنود وضباط الوحدة العسكرية الهولندية (المعروفة باسم الخوذات الزرقاء) في المذبحة، بعد الضغوط الدولية.
وذكرت تقارير نشرتها الصحف البوسنية ورصدتها وكالة الأنباء المصرية حينئذ ان هؤلاء الجنود الذين كانوا يعملون في إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البوسنة قاموا بمساعدة القوات الصربية على تنفيذ هذه المذابح”.
وأكدت أن ضابطاً هولندياً من الذين كانوا يعملون في الوحدة اعترف في حديث للتليفزيون الهولندي بقيام زملائه بمساعدة القوات الصربية.
وكان الضابط الهولندي “رون ريتن” الذي شارك ضمن قوات بلاده في العمل في منطقة سربرينتسا قد قام بتسليم الفيلم الوثائقي الى التليفزيون الهولندي الذي أذاعه بعدما تدخلت وزارة الدفاع وحذفت مشاهد تورط الضباط الهولنديين في المجزرة ثم قامت بعد ذلك بتدمير هذه المشاهد!
لا يزال ذوو الضحايا رغم مرور 26 عاماً يواصلون استخراج وإعادة دفن رفات أقربائهم من الضحايا، الذين توصلوا إلى هوياتهم، في مقبرة “بوتوتشاري” التابعة لبلدة سربرنيتسا وبحسب السلطات البوسنية وصل عدد المدفونين في المقبرة حتى 11 يوليو 2021م إلى 6 آلاف و671.
ويوم 13 يوليو 1995م سلمت قوات حفظ السلام الهولندية نحو 5 الآف مسلم يحتمون في إحدى قواعدها للصرب مقابل الإفراج عن 14 جندياً من قوات حفظ السلام الهولندية المحتجزين لدى صرب البوسنة، تبين قتلهم لاحقاً.
ثم سمحت القوات الهولندية للجنود الصرب بدخول القاعدة والتحقق من هويات المدنيين ثم احتجزوا الرجال منهم وقاموا بقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية.
فيلم قائمة شندلر الإسلامية
وقد نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية 27 فبراير 2021م تقريرًا عن فيلم «كوو فاديس.. عايدة» البوسني لجائزة الأوسكار معتبره أنه يُخلِّد في الذاكرة مذبحة سربرنيتسا كما فعل الفيلم الأمريكي قائمة شندلر (Schindler’s List) مع ما حدث في المعسكرات النازية.
وقد صورت “وحدة العقارب” الصربية التي قامت بقتل المسلمين أفلام وثائقية عن القتل للفخر بها نجح الفيلم البوسني في الحصول عليها وإرسالها إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي.
وهو “مُثِيرٌ لِلاشْمِئْزاز إذ يُظهر رجالًا بوسنيين مُستضعفين يُقتادون من شاحنة وهم يتعرضون للضرب المبرح ويتسولون الماء ويستجْدُون الجنود الصرب لإنقاذ حياتهم وقد أُجبر الرجال من كبار السن والمراهقين على حد سواء على حفر قبورهم بأيديهم قبل إطلاق النار عليهم”، بحسب كاتبة الفيلم البوسني.
ويُركِّز الفيلم على ثلاثة أيام من عمليات القتل في سربرنيتسا من خلال عيون امرأة محلية تعمل مترجمة فورية للأمم المتحدة، وتُدعى عايدة وبينما تُترجِم للرجال الذين سيَذْبحون شعبها في نهاية المطاف، تحاول عايدة أيضًا يائسة إنقاذ زوجها وابنَيْها.
ويظهر الفيلم دور قائد القوات الهولندية توم كاريمان في قتل المسلمين حين يرفض فتح باب معسكر القوات الهولندية لمسلمين يجري قتلهم خارج المعسكر ولم يُحرك ساكنًا، ما جعله متواطئًا في جريمة القتل الجماعي.