يظل للمسجد الأقصى مكانة كبرى في الإسلام؛ فهو ثالث الحرمين، وقبلة المسلمين الأولى، وهو منتهى إسراء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بداية المعراج إلى الملأ الأعلى. وهو فوق ذلك كلِّه المسجد الذي شرفه الله وبارك حوله، كما قال تعالى في أول سورة الإسراء: {سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء 1). وقد غرس الإسلام فينا حبه وفداءه وأمرنا أن نسلمه جيلا بعد جيل مدافعين عنه، عاشقين لترابه.
والقدس واحة تتجه إليها الأنظار، وقبلة يقصدها الجميع لمكانتها، ودار سلام لكل من دخلها، غير أن الصهاينة أرادوا أن يحولوها أطلالا ودار حرب لا دار سلام، فوضعوا الخطط والدراسات، وجمعوا الدعم حتى يتحقق لهم مرادهم حتى ولو بعد حين.
والمسجد الأَقصى المبارك هو اسم يطلق على كامل المساحة المسورة الحاوية للمسجد القبلي أو مسجد قبة الصخرة والأروقة والساحات وغيرها الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة -البلدة القديمة بمساحة تبلغ مائة وأربعة وأربعين دونما، أي ما يعادل نحو سدس مساحة البلدة القديمة.
حرص المسلمين على حمايته
أدرك المسلمون الأوائل أهمية القدس والمسجد الأقصى؛ فتطلعت أفئدتهم لفتحها والعناية بها، وما إن فتحها عمر بن الخطاب إلا وحرص ملوك وأمراء الدولة الإسلامية من بعده على مدار التاريخ على الدفاع عنها والاستماتة في الحفاظ عليها.
وقد ظلت القدس والمسجد الأقصى في حماية الخلافة الإسلامية حتى سقطت في أيدي الصليبيين عام 1099م، وظل القادة المسلمون خلال 100 عام يسعون ويعملون على تحريرها؛ فهذا القائد عماد الدين زنكي، ومن بعده نور الدين محمود حتى استطاع صلاح الدين الأيوبي تحريرها بعد توحيد المسلمين والأخذ بسبل القوة وذلك عام 1187م.
وقد ظلت جميع الممالك الإسلامية تدافع عنه ضد الحملات الصليبية المتعاقبة ولم ترضخ لعنصر التهديد أو القوة الذي مارسه العدو.
وفي فترة حكم سليمان (1520- 1566م)، نعمت القدس بأزهى أيامها؛ فكان سلاطين بني عثمان يكنون احتراماً خاصاً للقدس. وظلت كذلك حتى ضعفت الأمة الإسلامية وسقطت الخلافة الإسلامية عام 1924م فكانت إيذانا بسقوط الأقصى عام 1948م.
ولقد ضرب السلطان العثماني عبدالحميد الثاني أروع المثل في هذا الأمر، حينما رفض طلب صديقه نيوزلينسكي وقال له ردا على عرض هرتزل عام 1896م: “قل لصديقك هرتزل إنني لا أستطيع أن أبيع ولو قدمًا واحدة من البلاد لأنها ليست ملكًا لي بل لشعبي… لقد حصل أبناء شعبي على هذه الأرض بالقتال وبدمائهم وقد غذوها بدمائهم، ونحن سنغذيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا.. ليوفر اليهود ملياراتهم.. فإذا قسمت إمبراطوريتي ربما يحصلون على فلسطين بلا مقابل، إنما لن تقسم إلا على جثثنا. أنا لن أقبل تشريحنا ونحن أحياء”.
واجبنا نحو الأقصى
تعرض المسجد الأقصى للظلم والطغيان والانتهاكات من قبل الاحتلال الصهيوني -وما زال- في محاولة لطمس هويته وهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم، ولذا يقع علينا بعض الواجبات نحوه منها:
- إيقاظ الوعي التربوي والإيماني في نفوسنا ومعرفة أهميته في ديننا وحقوقه علينا.
- إنعاش الحركة العلمية التربوية الدعوية، وإعادة دور مجالس العلم والتربية والتعريف بقضيته وإيقاظ الوعي بها.
- تذكير المسلمين في أنحاء العالم بقضايا المسجد الأقصى ومشكلاته عبر المؤتمرات والندوات والشاشات الفضائية والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي.
- اتحاد المسلمين في الداخل والخارج على قلب رجل واحد في مواجهة ما يقوم به الصهاينة من محاولات لتميع وطمس حقيقة قضية القدس والأقصى.
- اهتمام الدعاة والخطباء والمربين بقضية الأقصى والتذكير بها والتعريف بحقيقتها، ورد الشبهات والتساؤلات التي تحاول أن تميع القضية.
قضيتنا من جيل لجيل
لربما نجح العدو الصهيوني وأعوانه في البلاد العربية والإسلامية في تمييع القضية وعزلها وطمسها في نفوس بعض الأجيال، إلا أنها سرعان ما تتجدد، ولذا فعلى الآباء والمربين دور في إحياء وغرس هذه القضية في قلوب ونفوس أبنائهم عن طريق:
- ربط محبة الأقصى بمحبة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لما لهذا المكان من وضع خاص عند النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليم الأجيال فضائل المسجد الأقصى، والبطولات الإسلامية التي جرت على أرضه، والظلم والاحتلال الذي يتعرض له اليوم، ومكانه على الخريطة.
- اقتناء ماكيت أو لوحات أو ملصقات عن المسجد الأقصى لتظل أمام الأطفال دائما ليتعرفوا عليه.
- اقتناء بعض الأناشيد الإسلامية التي تتكلم عن الأقصى بطريقة سلسة للأطفال.
- عمل حصالة في البيت تربي الطفل على الادخار والإنفاق من مصروفه دعما للمسجد الأقصى.
- تعريفهم بإسلامية قضية فلسطين، ورفض أي حلول يضيع بها المسجد الأقصى، أو إعطاء الوصاية لليهود على المسجد الأقصى بالمعاهدات والوثائق.
- عمل مسابقات منزلية عن المسجد الأقصى.
- عمل فقرة يومية في الإذاعة المدرسية عن المسجد الأقصى.
- حمل عبء قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء فيها من أخبار وآثار إسلامية؛ ليتحصن المسلم من شبهات اليهود، ويرد عليها.
- تعريفهم بحقيقة اليهود (أخبارهم في كتاب الله وسنة نبينا)، والإحاطة بمخططاتهم وعقائدهم وتاريخهم وأهدافهم.
- مع حب الأطفال للشخصيات الكرتونية نستعيض عنها بشخصيات إسلامية دافعت عن القدس؛ فبدلا من صور “سوبرمان” نضع صور صلاح الدين حتى يرتبطوا بها وهكذا.
فقضية القدس والمسجد الأقصى ليست قضية شعب بل هي قضية أمة كاملة لا بد أن تظل حية في نفوسها.
___________________________________________________
1- عبدالله معروف عمر: المدخل إلى دراسة المسجد الأقصى المبارك، دار العلم للملايين، 2009م.
2- محمد محمد حسن شراب: موسوعة بيت المقدس والمسجد الأقصى، الأهلية للنشر والتوزيع والطباعة – لبنان، 2003م، صـ485.
3- وسائل عملية لتربية الأبناء على حب المسجد الأقصى: المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، 21 يوليو 2017م، /