اختتم العراق والولايات المتحدة الأمريكية، أمس الأربعاء، جولة الحوار الإستراتيجي الثالثة، التي عقدت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، ترأسها كل من وزيري الخارجية العراقي فؤاد حسين، ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، وتمخضت المحادثات عن دعم أمريكي لبغداد في ملفات الأمن، والصحة، والتعليم، والانتخابات؛ فيما تم تكرار ذات العبارات السابقة بخصوص وجود القوات الأمريكية، التي تتحدث عن اقتصار دور “التحالف” على التدريب والدعم.
تصعيد ورسائل إيرانية
وفيما كان الاجتماع منعقداً، صعدت الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران هجماتها على أرتال التحالف الدولي، حيث تعرض رتل لانفجار عبوة ناسفة على الطريق السريع بمحافظة الأنبار غربي العراق، فيما انفجرت عبوة ناسفة على رتل للتحالف قرب محافظة بابل، كما انفجرت عبوة ثالثة على رتل قرب مدينة عفك بمحافظة الديوانية، ولم تسجل التفجيرات أي إصابات أو أضرار.
وبالتزامن، حل زعيم “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني ضيفاً حضورياً على بغداد، بخلاف وزير الخارجية والوفد الأمريكي الذي يعقد اجتماعه عن بُعد، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على أن حضور طهران في المشهد العراقي أكبر وأرسخ أثراً، خصوصاً أن الفصائل الشيعية المسلحة التي تصف نفسها بـ”المقاومة” أصدرت في هذه الأثناء بياناً مشتركاً بعد ساعات قليلة من زيارة قاآني، التي عقد خلالها سلسلة اجتماعات مع زعماء الفصائل المسلّحة وشخصيات سياسية، هددت فيه بالتصعيد إذا لم تطرح حكومة الكاظمي مطلب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، خلال جلسة الحوار مع واشنطن، مؤكدة أنها “سترد بكل قوة وصلابة، وستوجه ضربات كبيرة ودقيقة إذا لم يتضمن هذا الحوار إعلاناً واضحاً وصريحاً، عن موعد الانسحاب النهائي لقوات الاحتلال”.
من العمليات القتالية إلى التدريب
ووفقاً لبيان مشترك صدر عن الجانبين العراقي والأمريكي في ختام الاجتماع، فإن جلسة الحوار التي دامت 3 ساعات، أكدت أهمية العلاقات الثنائية، وبحثت “قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية”.
وبخصوص مطلب سحب القوات الأمريكية من العراق، ذكر البيان أن الجانبين ناقشا المستجدات المتعلقة بالأمن ومكافحة الإرهاب، وأعاد الطرفان تأكيد رغبتهما المشتركة بمواصلة التنسيق والتعاون الثنائي، كما أكد البلدان أن وجود القوات الأمريكية في العراق جاء بناءً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية العراقية في حربها ضد “داعش”.
وفي ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية، توصل الطرفان إلى أن دور القوات الأمريكية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على أن يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة.
وأضاف البيان: يعكس هذا الأمر التحول في طبيعة مهمات القوات الأمريكية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية إلى التدريب والتجهيز والمساندة نجاح شراكتنا الإستراتيجية، ويضمن دعم الجهود المتواصلة للقوات العراقية لضمان أن “داعش” لن يهدد استقرار العراق مجدداً.
وشدد البلدان على أن القواعد التي يوجد بها أفراد التحالف هي قواعد عراقية وهم موجودون فيها حصراً لدعم جهود العراق في الحرب ضد “داعش”، وينوي البلدان مواصلة المحادثات عبر لجنة عسكرية مشتركة لضمان انسجام عمليات التحالف الدولي مع احتياجات القوات الأمنية العراقية، ومن ضمنها قوات البيشمركة.
الحكومة العراقية جددت من جانبها التزامها حماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية التابعة لدوله.
دعم اقتصادي وفني
وكما كان متوقعاً؛ فقد ركزت المحادثات على تقديم الدعم الاقتصادي والصحي خصوصاً في الجانب الفني المتعلق بمواجهة جائحة كورونا (كوفيد – 19)، ووفقاً للبيان المشترك؛ فإن العراق والولايات المتحدة يدركان الصعوبات التي سبّبها فيروس كورونا وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وأعادا تأكيد شراكتهما الاقتصادية القوية، وأن كلا البلدين يعتزم العمل بشكل وثيق مع بعضهما بعضاً، فيما يلتزم العراق بتنفيذ الإصلاحات من أجل تنويع اقتصاده، وتحسين مناخ العمل، وتقديم المساعدة لإنشاء قطاع خاص أكثر حيوية.
وجددت الولايات المتحدة، وفقاً للبيان، تأكيدها احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وحرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي، وناقش الوفدان السبل التي يمكن الولايات المتحدة أن تدعم من خلالها الحكومة العراقية فيما يخص توفير الحماية للمتظاهرين السلميين ونشطاء المجتمع المدني وتحقيق المساءلة القانونية.
وأضاف البيان: وأكد البلدان دعمهما لقرار العراق الخاص بتنويع مصادر طاقته من خلال بناء وتقوية أواصر العلاقات مع دول الجوار كالأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، والمضي قدماً في مشاريع ربط الشبكة الكهربائية.
وأشار البيان إلى أنه يعتزم البلدان تحديد سبل إضافية لدعم خطط العراق الرامية لإصلاح التعليم العالي وتعزيز الشراكات الجامعية بين العراق والولايات المتحدة.
جدير بالذكر أن جولة الحوار الأولى بين بغداد وواشنطن انطلقت منتصف يونيو 2020، وجرت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، شارك فيها مسؤولون من وزارة الخارجية والدفاع في كلا البلدين.
أما الجلسة الثانية، فعقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن، خلال زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أغسطس العام الماضي، وترأس الكاظمي يومها جلسة المفاوضات، التي ركزت حينها على ملف الأمن والاستقرار في العراق، والدعم الصحي لبغداد، إضافة إلى بحث مسألة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وهو ما نتج عنه لاحقاً تخفيض عديد القوات الأمريكية من 5500 عسكري إلى قرابة 2500.
وجاءت الجلسة الثالثة بناء على طلب العراق عقد جولة جديدة من المحادثات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة حول مستقبل علاقتهما، في ظل أزمات مستحكمة تعصف بالبلد وعلى رأسها الأزمة السياسية، حيث لا تزال التحضيرات جارية للانتخابات المبكرة، التي تقودها حكومة رئيس الحكومة المؤقتة مصطفى الكاظمي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وعجز في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى تداعيات أزمة جائحة كورونا، التي تهدد بانهيار النظام الصحي.