نعم أيها القارئ الكريم؛ لا بد من أن نخاطب أنفسنا بنفس الخطاب قبل أن نرسله للآخرين.
أحياناً ننظر إلى الآخرين بشيء من الريبة والشك استباقاً، والانتقاص منهم حينما يكون المقابل له عدة مواقف من قضية واحدة، ومن ثم تكون الصورة الذهنية سلباً وإيجاباً أو حتى تذبذباً، وعلى أساسها نحكم على المقابل، وهذا غير مقبول عقلاً ومنطقاً وعلماً وحتى شرعاً.
حينما نجد المعني بالنقد أخذ موقفاً من هذا الأمر أو ذاك، ومع مرور الأيام طالت أم قصرت؛ نجده غيّر موقفه من هذه المسألة أو القضية، ولعله أخذ موقفاً مخالفاً تماماً لما سبق، حينها نفاجأ من هذا الموقف ونطلق العنان للألسن والأقلام حديثاً وخطاباً وخطاً، وحينها نكون أقرب إلى التسرع؛ بل الرعونة حقيقة والهوى ومن حيث لا نشعر بذلك.
نطلق الخطب والقيل والقال دون أن نتابع هذا الإنسان أصلاً؛ لماذا أخذ هذا الموقف بعد ذاك الموقف، ولماذا غيّر موقفه وما أثر هذا التغيير عليه إيجاباً دون خدش للثوابت المنطقية والأخلاقية والشرعية.
وهل كانت قراراته تؤخذ ارتجالاً أم عن دراسة ورؤية وتقييم ومقارنات النواظر والشواهد والمقابلات ومن ثم النتائج؟
هل بالتغيير ذهب إلى الأفضل أم غير ذلك؟
التغيير من سُنة الحياة لا شك ما دام لا يخدش ثوابت.
نعم أيها القارئ الكريم.. إن المسألة في هذه المواقف تحتاج إلى التريث، ونخاطب أنفسنا أولاً وبداية بالخطاب الذي سنخاطب فيه المقابل ما دمنا عقلاء، وهل نقبله على أنفسنا، ومن ثم نجعله حكماً على المقابل، ولا بد من ذلك قبل أن نصدر الحكم النهائي على المقابل لنجني الثمار الإيجابية.
نعم.. قد لا نكون بحاجة إلى جرأة كبيرة لنكون أبطالاً! لطرح الرأي المقابل؛ فالعقلانية دائماً هي التي تنتصر.. ولا يمكن أن يأتي التغيير الجذري بين عشية وضحاها، فهذا التغيير الجذري غير المدروس لا يأتي إلا بما هو أكبر ضرراً، ولا يأتي التغيير بكثرة الأفكار وتعدد الطرح حتى يشار إليك بالبنان “مثقف!”، بل يأتي بالتركيز على فكرة واحدة وأسلوب يقودنا إلى النجاح، والابتعاد عن تصيد الأخطاء للغير.
يتحدث أحدنا أحياناً وكأنه يعلم مكنون المقابل وسريرته! وهذا لا يأتي إلا بسبب تقديم سوء الظن على حسن الظن، وهذا لا شك ولا ريب لا يأتي بخير.
إذاً.. لنخاطب أنفسنا قبل أن نخاطب الآخرين بما نريد، ونضع أنفسنا في مكان المخاطب، وهذه من صفات الأذكياء العاملين بالمتاح المتواضعين لله تعالى.
وأحياناً يتمادى البعض حينما يرى المقابل يترفع عن الرد على الخطاب أو ما قيل عنه وفيه فيتمادى ظناً منه أنه فارس الساحة، وما علم أن المقابل يترفع عن الرد لفهمه النقص الذي يحمله هذا الإنسان أو ذاك في أقواله وكتاباته.
الشيء بالشيء يذكر كما يقولون؛ أذكر أحد رجالات الكويت كان يتعالى على كل ما يقال عنه وفيه صواباً وخطأً، سلباً وإيجاباً، ومع ذلك ما سمعناه يوماً يرد على أحد لأمور شخصانية أو شخصية تخصه، أما وإن كان له رد؛ فلا يكون إلا في حال التطرق إلى الأمور العامة بصفته مسؤولاً في الدولة مسؤولية كبيرة، إنه السيد الفاضل أحمد عبدالعزيز السعدون، رئيس مجلس الأمة السابق، حفظه الله تعالى.