– لتهيئة الظروف لقبول الصفقة عمدت أمريكا إلى إبراز الشق الاقتصادي لها تمهيداً لظهور الشق السياسي
– نتاج الصفقة هو ميلاد دولة فلسطينية منزوعة صفات الدولة تسمى «فلسطين الجديدة» بالضفة وغزة
– المغريات بتحويل غزة إلى سنغافورة وتقديم رشى مالية لبيع فلسطين تُدفع من جيوب العرب أنفسهم خيانة كبرى
– الصفقة لن يكتب لها الحياة وستنكسر بصمود الفلسطينيين ومن ورائهم الشعوب الإسلامية والعربية الحية
نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» -المقربة من رئيس الوزراء الصهيوني «بنيامين نتنياهو»- منذ أسابيع ما قالت: إنها نص وثيقة متداولة في وزارة «الخارجية الإسرائيلية»، حول عناصر خطة «صفقة القرن» الأمريكية للتسوية بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين»، التي خصّها الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» بأكثر من مقابلة صحفية، وقد تناولت هذه الوثيقة عشرة بنود ممثلة في: الاتفاق، وإخلاء الأرض، والقدس، وغزة، والدول الداعمة، والجيش، والجداول الزمنية، ومراحل التنفيذ، وغور الأردن، والمسؤولية.
أوكل الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» مهمة التخطيط والإشراف على تنفيذ «صفقة القرن» لصهره المستشار في البيت الأبيض «جاريد كوشنر»، والمبعوث الخاص «جيسون غرينبلات»، والسفير الأمريكي في دولة الاحتلال «ديفيد فريدمان»، وقد صرح «جاريد كوشنر»، مهندس الصفقة أن «التنمية الاقتصادية تتحقّق فقط من خلال رؤية اقتصادية صلبة، وفي حال تمّت تسوية القضايا السياسية نتطلع قدماً إلى عرض رؤيتنا بشأن سبل تسوية المشكلات السياسية في القريب العاجل».
وبناء على ذلك، ولتهيئة الظروف لقبول تلك الصفقة التي جاءت استكمالاً لـ»وعد بلفور»، والتضحية بفلسطين لصالح الكيان الصهيوني، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إبراز الشق الاقتصادي لـ»صفقة القرن»، تمهيداً لظهور الشق السياسي لها ببيع ما تبقى من فلسطين وتصفية قضيتها بمال وضيع، لا يساوي شبراً واحداً من أرض فلسطين، بل ولا قطرة دم لشهيد.
وقد برز الشق الاقتصادي للصفقة من خلال إعلان البيت الأبيض، عن انطلاق المؤتمر أو الورشة الاقتصادية الدولية في العاصمة البحرينية، المنامة، في 25 و26 يونيو، كجزء أول من خطة سلام الشرق الأوسط، التي حدد هدفها في تشجيع الاستثمار بالأراضي الفلسطينية، ومنح قادة الحكومات والأعمال والمجتمع المدني فرصة لحشد الدعم لمبادرات اقتصادية، ستصبح ممكنة في ظل وجود اتفاق سلام.
ويشارك في الورشة عدد من رجال الأعمال والمستثمرين من الدول العربية ومختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى عدد من وزراء المالية، وفي مقدمة المشاركين الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن، بينما قاطعت الورشة السلطة الفلسطينية وجميع الحركات والفصائل السياسية الفلسطينية والشخصيات الوطنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وقد تركزت مناقشات الورشة في إمكانات النمو الاقتصادي الكامنة، وتنمية رأس المال البشري، وإيجاد بيئة الاستثمار المحفزة في المنطقة بشكل عام، وفي فلسطين بشكل خاص، حيث تعتقد الإدارة الأمريكية أنّ الفلسطينيين سيشعرون بالرضا عن استثمارات وحوافز اقتصادية تنتشلهم من الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي كبديل لميلاد دولة فلسطينية على حدود عام 1967م، ونسيان حق العودة وتفكيك المستوطنات.
دولة منزوعة الصفات
ومن خلال تتبع ما نشر عن «صفقة القرن» وأبعادها الاقتصادية، نجد أن نتاج تلك الصفقة هو ميلاد دولة فلسطينية منزوعة صفات الدولة، تسمى «فلسطين الجديدة»، في الضفة الغربية وغزة، باستثناء المستوطنات «الإسرائيلية» المقامة بالضفة، وستكون بلدية القدس (التابعة للاحتلال) مسؤولة عن جميع مناطق القدس باستثناء التعليم، الذي ستتعامل معه الحكومة الفلسطينية الجديدة، وستدفع السلطة الفلسطينية الجديدة لبلدية القدس الضرائب والمياه.
وستقوم مصر بتأجير أراض جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار، وتيسير إقامة مصانع وتيسير العمل التجاري والزراعي، وستكون الحدود بين فلسطين الجديدة ودولة الاحتلال مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع، وستكون حدود قطاع غزة مفتوحة لمرور البضائع والعمال إلى دولة الاحتلال ومصر، وعن طريق البحر، وسيتم إقامة «أوتستراد» بارتفاع 30 متراً يربط الضفة الغربية وقطاع غزة تساهم فيه: الصين 50%، اليابان 10%، كوريا الجنوبية 10%، أستراليا 10%، كندا 10%، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 10%.
ويقع على عاتق الدولة الفلسطينية دفع أموال لدولة الاحتلال مقابل حماية الدولة الوليدة من كل عدوان خارجي، وفي غضون خمس سنوات، سيتم إنشاء ميناء بحري ومطار في فلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين سيتم استخدام المطار في دولة الاحتلال والموانئ البحرية فيها.
تمويل الصفقة
أما تمويل الصفقة بصفة عامة فسوف يتم من خلال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، وستوفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة، ويتم تقسيم الأموال التي ستدفعها الدول الداعمة: الولايات المتحدة الأمريكية 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، وسيتم تقسيم 70% على دول الخليج المنتجة للنفط، حسب إنتاجها.
وبذلك يكون الجزء الأكبر من تمويل «صفقة القرن» من جيوب دول الخليج؛ وهو ما يعني أن استقرار الكيان الصهيوني وتمدده، وبيع فلسطين سيكون بأموال خليجية، وأن نتاج هذا المؤتمر هو في حقيقته رشوة مالية مقابل التنازل عن فلسطين، وهذا نتاج طبيعي للتخاذل العربي الذي حوّل فلسطين من قضية إسلامية إلى قضية عربية، ثم إلى قضية فلسطينية، ثم إلى قضية «إسرائيلية» يتحكم فيها اللوبي الصهيوأمريكي بما يشاء.
وهذا ما دفع وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» إلى توجيه سهام النقد لمؤتمر البحرين بقوله: «على الولايات المتحدة و»إسرائيل» أن تدركا أنه لا يمكن شراء كل شيء بالمال، ونعتقد أنّ المؤتمر الذي في البحرين يصب في هذا الاتجاه».
خيانة كبرى
إن المغريات بتحويل غزة إلى سنغافورة، وتقديم رشى مالية لبيع فلسطين، وقيام دولة فلسطينية ممزقة الأجزاء منزوعة السيادة، وضياع القدس الشريف مسرى النبي الأمين، وحق الفلسطينيين في الرجوع لديارهم، والتفريط في أرض وقف إسلامي بحفنة من المال تُدفع من جيوب العرب أنفسهم؛ كل هذا لهو خيانة كبرى، ومهزلة عظمى.
ورحم الله السلطان عبدالحميد الثاني الذي عرض عليه زعيم الحركة الصهيونية «ثيودور هرتزل» من المال ما يحل مشكلة الدولة العثمانية الاقتصادية من جذورها، ويحقق لها الرخاء مقابل التنازل عن فلسطين، فقال له قولته المشهورة: «لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليست ملكاً لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة، ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة، والله لئن قطعتم جسدي قطعة قطعة فلن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين».
إن «صفقة القرن» لن يكتب لها الحياة، وسوف تنكسر على سندان صمود الفلسطينيين ومن ورائهم الشعوب الحية في العالمين العربي والإسلامي، ولن يكون لتلك الصفقة المخزية مكان سوى مزبلة التاريخ.. وإن غداً لناظره قريب.
خواطر اقتصادية من الهدي النبوي
عن زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا» (متفق عليه).
مصطلحات الحديث:
«جهز غازياً» أي أعطاه حاجاته من الدابة السلاح وغير ذلك، وما في حكم ذلك في وقتنا الحالي.
«خلف غازياً» أي قام مقامه في الإنفاق على أهله والعناية بهم.
«فقد غزا» أي له أجر الغازي.
الدروس الاقتصادية في الحديث:
1- الجهاد المالي شقيق الجهاد بالنفس وقرينه.
2- الجهاد المالي يجعل صاحبه لا يقل أجراً عن المجاهد بنفسه، فله مثله في الأجر وإن لم يغزُ حقيقة.
3-الجهاد المالي لتوفير ما يحتاجه المجاهدون في أرض فلسطين من مقومات الجهاد بالنفس، من أعلى الطاعات، وأعظم القربات، وأجلّ الصدقات، وقد كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «لأن أجهز سوطاً في سبيل الله أحب إليَّ من حجة بعد حجة الإسلام».
4- يكفي المسلم كرامة ومنزلة وعزاً إن لم يستطع أن يبيع نفسه لله على أرض الإسراء فلسطين أن يبيع ماله لله لنصرة إخوانه فيها مقابل ثمن محدد معلوم هو الجنة، فاللهَ تعالى يقول: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) (التوبة: 111).
______________________________________
(*) أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم.