د. عبدالله الكريوني، أمين عام مساعد نقابة أطباء مصر سابقاً، وعضو اللجنة النقابية الوزارية في الفترة من عام 2012 إلى 2013م، وأحد الناشطين النقابيين البارزين في المشهد الطبي، الذين هاجروا ضمن هجرة أطباء كثيرين من مصر إلى الخارج للبحث عن حياة أفضل.
وضعت «المجتمع» على طاولة حوار تميَّز بالصراحة والمكاشفة معه كافة المؤشرات التي توضح الملف الطبي والصحي في مصر وما آل إليه هذا القطاع الحيوي والمهم.
تتحدث تقارير كثيرة عن تردي الوضع الصحي في مصر، فما السبب؟
– أرى أن السبب الرئيس يعود إلى صعدم الاهتمام الكافي بهذا الملف؛ حيث إن الإنفاق الصحي في مصر لا يتعدى 3%، رغم أن الحد الأدنى المقبول عالمياً هو النسب التي تتراوح من 10 إلى 15%، وهو ما ظهر بشكل فج وقاس في الموازنة المالية، فضلاً عن أنه لا توجد سياسات صحية في مصر بالشكل الاحترافي الذي يسمح بخدمة صحية معقولة، تمثل الحد الأدنى لحاجة أكبر قطاع من المواطنين في مصر؛ وبالتالي سيستمر الوضع من سيئ إلى أسوأ ما دامت نسبة الإنفاق ضئيلة، ولم توضع سياسات مناسبة جديرة بآمال المواطنين وحقوقهم.
في هذا الإطار، كيف ترى الوضع بالنسبة للمريض الفقير، ومستوى وصول الخدمة الصحية له؟
– الوضع صعب بلا شك؛ فهناك ما يزيد على 50% من الشعب، وفق أقل التقديرات غير الرسمية، لا يأخذ حقه في العلاج والرعاية الصحية، وهو ما يعتبر من أبرز المشكلات -من وجهة نظري- التي تهدد الأمن القومي المصري، فعلى الدول أن تنظر للصحة كأمن قومي، وتعتبر أن الحفاظ عليها من درجات الحفاظ على الأمن الوطني، لكنه لا يحدث للأسف، ونتيجة لذلك يحدث تردّ في مستوى الخدمة الصحية، ويضيع حق المصريين في العلاج، وحق الفقير منهم على الأخص ينحصر في الاختيار بين الموت أو الموت؛ فالعلاج بات حلماً والقبر بات أقرب له!
ما تقييمك للمستشفيات والخدمات الإنسانية والصحية التي تقدمها للمصريين؟
– المستشفيات في مصر باتت غير قادرة على تلبية حاجات المواطنين، وبالتالي تقل الخدمة في الكم والكيف؛ فالمستشفى الذي يستطيع تقديم خدمة إلى 200 مواطن تفاجأ بقدوم 400، فضلاً عن أن الخدمة في الأماكن النائية لا تصل لأسباب كثيرة، منها هجرة الأطباء بعدما ضاقوا ذرعاً بما يحدث من تربص وإهمال ممنهج ضدهم.
ويضاف إلى ذلك، تردي الأجهزة، وعدم وجود صيانة أو مستلزمات كافية، وعدم وجود أسرّة عناية مركزة أو أقسام حروق كافية أو حضانات تكفي، وهذه مشكلات كبيرة وجوهرية تهدد حياة المواطنين، وفاتورة باهظة يدفعها المواطن الفقير من حياته وحياة أبنائه.
لكن البعض يتحدث عن الإهمال الطبي، ويتهمكم أنتم كأطباء، من برأيكم يتحمل فاتورة هذا الإهمال؟
– أختلف تماماً مع هذا الاتهام، الأطباء ضحية في مصر كالمرضى، حيث لا يوجد أي اهتمام حقيقي بالمنظومة الصحية، ولا تعطى أي نسبة معقولة من الدخل القومي لهذا الملف الخطير، وتهدر أموال الدولة في أشياء ليست ذات أولوية، بجانب عدم التوازن في الإنفاق، والتركيز على ضخ الإنفاق على القطاعات الخاصة أكثر من القطاعات الخدمية، كل ذلك وغيره أدى إلى قتل بطيء للمرضى وتهجير ممنهج للأطباء الذين لن يرضوا بهذا الوضع المشين للأبد.
إذن، أين دور نقابة الأطباء؟ وكيف تراه في ظل تجاهل الحكومة لها، بل بدء حملة تشويه للأطباء كما أعلنت النقابة العامة؟
– للأسف، النقابة ككل مؤسسات المجتمع المدني ليس لديها أي قدرة على المواجهة أو التصحيح في ظل الوضع الحالي، ولكن هذا لا يعفيها من المسؤولية في ظل أداء باهت جداً.
نقابة الأطباء باتت عاجزة عن الدفاع عن حقوق أعضائها، وبالتالي فانتظار دفاعها عن وجود خدمة صحية جيدة أو موازنة معقولة أو مستشفيات لائقة طبياً أو كافية عددياً أمر بعيد نوعاً ما، بسبب الشلل النقابي الذي لا يمكن نزعه من السياق العام.
ولكن المرصود أن الحكومة التي تتجاهل حقوق الأطباء والمرضى معاً لم تعجب بذلك أو تكتفِ به، فقد دشنت عبر أجهزة رسمية حملة غير مبررة ضد الأطباء، وصلت إلى إنتاج بعض الإعلانات التي تنشر على قنوات الدولة للتشويه والإساءة للأطباء.
الحكومة تتحدث عن إقرارها مشروعاً للتأمين الصحي لكل المصريين سيأخذ 15 سنة للتطبيق على كل الجمهورية، أليس هذا كافياً؟!
– ذلك من المضحكات المبكيات! فهو مشروع لذر الرماد في العيون، ولا يحقق أي مطالب شعبية، وغير معقول أن ينتظر الشعب 15 سنة حتى يستحق خدمة صحية هي حق أصيل له في ظل الضرائب المدفوعة للدولة، وغير معقول أن تعلن حكومة ما خطة تستوعب تغيير السلطة السياسية 4 مرات في حال وجود تداول للسلطة وانتخابات حقيقية، وبالتالي فالفشل مصير المشروع في ظل وجود هكذا إرادة سياسية غير مهتمة بالمرضى.
وعدم وجود قدرة مالية في الموازنة تستوعب أي تطوير للملف الصحي، يعني استمرار موت الفقراء الذين عليهم الانتظار 15 سنة حتى يصل لهم المشروع أو يصل لهم ملك الموت قبله في ظل الحملة غير المسبوقة على العمل الطبي الأهلي ضمن حملات الحكومة ضد المجتمع المدني!
هل تقصد تأميم العمل الطبي الإسلامي بعد الأزمة السياسية؟ كيف ترى ما حدث في هذ المجال من مصادرة وتأميم؟
– بالطبع، هناك جريمة تمت بعد عام 2013م، استهدفت العمل الطبي الأهلي، وهو ما كان سبباً رئيساً في زيادة معاناة المرضى خاصة الفقراء منهم حيث كانت مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية تتحمل جزءاً كبيراً من عبء تقديم الخدمة الصحية عبر إدارات ذات كفاءات عالية ومدربة، وهو ما كان في السابق يساهم في حل كثير من مشكلات الصحة بما كانت تقدمه من خدمات مميزة بأسعار مخفضة، ولكن للأسف أصبح المواطن -والفقير خاصة- هو الذي يدفع فاتورة ذلك، خاصة أن مستشفيات الحكومة لا تتحمل نتيجة هذا الفراغ، ولا تستطيع تقديم مزيد من الخدمات الصحية، وأكرر أن الضحية هو المواطن المريض الفقير وليس أي طرف آخر.
ولكنْ، زملاؤكم وأعضاء جمعيتكم العمومية موجودون في وزارة الصحة، كيف تقيّم دور الوزارة في الوقت الحالي؟
– أداء وزارة الصحة مهترئ جداً، يحكمها عدم رغبة في مواجهة الأزمة، لأنها تتحرك في فلك سلطة سياسية لا تعرف إلا تقليل موازنة الصحة في الميزانية العامة، وبالتالي فهي مجبرة على البقاء في هذا المسار والدوران في الفراغ، والذي زاد الطين بلة استهداف الأطباء وعدم حماية المستشفيات؛ وهو ما يؤدي إلى سفر الأطباء وهجرتهم من مصر وضياع حقوق المرضى في العلاج.
ولكن الاتهام ما زال موجهاً لكم كأطباء في المشاركة بالإهمال الطبي في موضوع سرقة الأعضاء، كيف ترد على ذلك؟
– أنا لا أقر جريمة، ولكن دعونا نتحدث بصراحة؛ فسرقة الأعضاء، هذا الأمر يحتاج إلى ضبط وتقنين؛ فالإعلام يضخم الأمر، وهناك حالة تشويه ضد الأطباء تقودها بعض أجهزة الدولة للأسف الشديد، وليس معنى مشاركة طبيب في جريمة ما أن الأطباء كلهم مدانون، وإلا بالتالي فالمعاملة بالمثل مع وظائف أخرى.