– الإدارة الاقتصادية تعمل على تحديد الأوجه اللازمة للإنفاق من حيث أهميتها وأولويتها
– إذا زادت النفقات المتوقعة عن الإيرادات فيعني ذلك وجود عجز وهو ما تعاني منه غالبية الأسر
– الوقت والجهد المبذولان في التخطيط أهون بكثير من أزمة مالية تعصف بالأسرة
– ميزانية الأسرة تعتبر من أهم الاختبارات التي تواجه الزوجين مع أول كل شهر
تمثل الأسرة المسلمة رغم صغرها أهم المؤسسات في المجتمع، فهي في حقيقتها شركة تقوم على المودة والرحمة، وهذا الكيان المؤسسي للأسرة المسلمة يفرض وجود كيان إداري لها، ذات أهداف وخطط لإدارة ذلك الصرح الصغير.
ومن أهم الإدارات الداخلية في تلك المؤسسة هي الإدارة المالية، والإدارة المالية للأسرة المسلمة مهمة جداً؛ إذ إن المال هو عصب الحياة، وبه تكون النفقة واستمرارية الحياة.
وينظر للإدارة المالية للأسرة المسلمة على أنها مجموعة الأنشطة الإدارية التي تتعلق بالبحث عن الأموال اللازمة وتوفيرها، والتأكد من حسن استخدامها وفقاً لأوجه الإنفاق المحددة.
فوظيفة الإدارة المالية للأسرة المسلمة يترتب عليها التخطيط لمصادر الإيرادات المتوقعة خلال فترة زمنية قادمة، كما أنها تتناول من ناحية أخرى تحديد أوجه الإنفاق لهذه الإيرادات وفقاً لما هو محدد لها، فهي لا تقوم فقط بدور البحث عن المال وإنفاقه، وإنما تعمل أيضاً على تحديد الأوجه اللازمة للإنفاق من حيث أهميتها والأولوية التي يجب أن تحتلها بين مصادر الإنفاق الأخرى.
ونظراً للظروف التي تمر بها غالبية الأسر المسلمة من كون الدخل لا يفي بتمويل ذلك الصرح لتحقيق أهدافه وطموحاته، فإن الأمر يتطلب وضع تصور لإدارة المال في الأسرة المسلمة من خلال الاعتماد على التخطيط المالي، فالوقت المبذول في التخطيط وكذلك الجهد أهون بكثير من أزمة مالية طاحنة تعصف بالأسرة، وتخيم جو من الكآبة والحزن على جميع أفراد الأسرة، كان يمكن تلافيها ببذل بعض الوقت في التخطيط.
من أجل هذا يضع خبراء المشكلات الزوجية ميزانية الأسرة المسلمة في مقدمة الموضوعات الزوجية، لأنه إذا كانت الميزانية سليمة فسوف تسير حياة الزوجين في مسار سليم، أما إذا اضطربت الميزانية؛ فإن حياتهما سوف تضطرب، ومن المهم أن يتفاهما على كل البنود، وأن يشجع كل منهما الآخر على حسن تصرفه، وحسن تدبيره، فهذا التفاهم لصالح الأسرة في النهاية واستمراريتها، فعادة ما تبدأ المشكلات في الحياة الزوجية من نقطة الميزانية، وبعدها يمكن أن تنفجر بقية المشكلات، وربما فقدان الحب والود شيئاً فشيئاً، حتى يمكن القول: إن مشكلات الميزانية إذا دخلت من الباب؛ هرب الحب من الشباك.
إن الواقع –للأسف الشديد- يكشف عن أن معظم الأسر المسلمة لا تهتم بالتخطيط لميزانيتها، سواء بشكل يومي أو شهري أو حتى سنوي، عكس الأسر الأوروبية التي تحرص على وضع ميزانية لنفقاتها الأسبوعية والشهرية لا تتجاوزها مهما كانت الظروف، هذا في الوقت الذي يحث ديننا على التخطيط، ويأمرنا بتطبيقه على أرض الواقع، ففي الحديث: «اعقلها وتوكل».
إن ميزانية الأسرة المسلمة تعتبر بحق من أهم الاختبارات التي تواجه الزوج والزوجة مع أول كل شهر، حيث تحتاج إلى مجهودات كبيرة ليتم ضبطها بما يغطي كافة احتياجات الأسرة سواء أكانت دائمة أو غير دائمة، وبما يضمن توفير فائض شهري يساعد الأسرة على تأمين حياتها.
ومع ارتفاع أسقف الاستهلاك، وكذلك اشتعال الأسعار، أصبحت العديد من الأسر المسلمة تعاني عجزاً مزمناً في الميزانية، وتتحمل الزوجة عبء هذا العجز باعتبارها «وزير اقتصاد الأسرة»، كما أنها تحدد بالاشتراك مع الزوج أولويات الإنفاق ونسبة الادخار الممكنة من الدخل الشهري، وكلما كانت الزوجة مقتصدة ومدبرة ولديها قدرة للتغلب على الرغبات الاستهلاكية، وبصفة خاصة الرغبات غير الضرورية؛ وصلت بأسرتها إلى بر الأمان.
وإعداد ميزانية عملية للأسرة المسلمة يتطلب من الأسرة الاجتماع لمناقشة احتياجات الأسرة خلال الفترة المقبلة، والقيام بخطوات إعداد الميزانية، وأيضاً متابعة الميزانية التي تم إعدادها من خلال مقارنة الميزانية التقديرية للأسرة المسلمة بالميزانية الفعلية، ويمر إعداد ميزانية الأسرة بعدد من الخطوات العملية، تتمثل فيما يلي:
1- تحديد إيرادات الأسرة المسلمة:
وذلك بتحديد وتسجيل جميع الإيرادات المتوقع الحصول عليها في الفترة المحددة للميزانية -ولتكن سنوية– سواء أكانت إيرادات أساسية؛ كالمرتب الشهري، وإيجارات الأملاك (أراضٍ، مبانٍ، وخلافه)، والحوافز الدورية، وأجر العمل الإضافي، والعائد الدوري للاستثمار، أو كانت إيرادات مساعدة لا تتصف بصفة الثبات والديمومة، مثل الحوافز غير الدورية، والمكافآت، والإعانات، وما تقدمه الزوجة لزوجها من أموالها الخاصة.
ويلاحظ أنه إذا كان رب الأسرة ذات مهنة حرة؛ طبيباً، أو محامياً، أو حرفياً، أو تاجراً، يكون تقدير الإيرادات تقريبياً، أما في حالة الراتب الثابت المنتظم كالموظف، فيكون أقرب إلى الواقع، ويحسب المجموع الكلي لهذه الدخول مع مراعاة عدم المبالغة في تقدير أي منها.
2- تحديد نفقات الأسرة المسلمة:
وذلك برصد وتحديد وتسجيل جميع المصروفات المتوقع إنفاقها أثناء مدة الميزانية وفي مقدمتها النفقات الأساسية، مثل: الطعام والشراب وإيجار المسكن والملابس والتعليم وفواتير التليفون والكهرباء والمياه والغاز وغيرها، وأقساط المشتريات، والانتقالات والنظافة، وكذلك الطوارئ التي تنتج من ظروف طارئة كمرض وخلافه، وتعتبر مصاريف الطوارئ من المصاريف المهمة والضروري استقطاعها من الدخل، ويفضل أن تتراوح بين 5 – 10% من الدخل، وفي حالة عدم إنفاقها توجه للادخار.
وإلى جانب تلك النفقات، يتم تحديد النفقات الكمالية التي يمكن للأسرة الاستغناء عنها، مثل: الولائم، والمجاملات، واشتراكات النوادي، وغيرها من السلع والخدمات الترفيهية.
3- تحديد الفائض أو العجز:
وذلك من خلال مقابلة الإيرادات المتوقعة بالنفقات المتوقعة، فإذا زادت الإيرادات المتوقعة عن النفقات المتوقعة، فيعنى ذلك وجود فائض، وحينئذ يمكن للأسرة المسلمة توجيه ذلك الفائض للاستثمار فيما أحل الله.
أما إذا زادت النفقات المتوقعة عن الإيرادات المتوقعة، فيعنى ذلك وجود عجز، وهو ما تعاني منه غالبية الأسر المسلمة، وحينئذ يمكن للأسرة معالجة هذا العجز من خلال بديل أو أكثر من البدائل التالية:
1- محاولة زيادة بعض بنود الإيرادات إن أمكن.
2- سحب مبالغ من المدخرات إن وجدت.
3- تعجيل الحصول على بعض الإيرادات إن أمكن.
4- الحصول على قرض حسن من الغير.
5- إلغاء أو تأجيل بعض النفقات.
ويعتبر البند الأخير من أهم البنود، حيث يمكن للأسرة المسلمة الاستغناء عن الكماليات، فإن لم تف بعلاج العجز اتجهت لترشيد النفقات الأساسية.