في يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2017، تمكنت وحدات إقليم الحرس الوطني بزغوان، من إحباط محاولة 5 طلبة بالمدرسة الإعدادية بالفحص من ولاية زغوان، لا تتعدى أعمارهم 17 سنة من اجتياز الحدود البحرية خلسة أو ما يعرف في تونس بـ”الحرقة”، عبر ميناء رادس، وفق مصدر أمني وأفادت المعطيات الأولية بأن هؤلاء التلاميذ قرروا القيام بعملية “الحرقة”، عبر ميناء رادس بالتواري بإحدى البواخر المتجهة إلى أحد البلدان الأوروبية.
وعلى إثر ورود معلومات حول هذه الحادثة، وبالتنسيق الفوري بين وحدات الحرس الوطني بالجهة ومصالح الميناء، تم إلقاء القبض على التلاميذ الخمسة، قبل تنفيذ محاولة الإبحار خلسة وإيقافهم على ذمة البحث الذي تعهدت به فرقة الأبحاث العدلية بزغوان.
هذه الحادثة جرت بعد أيام فقط من كارثة غرق زورق يحمل مهاجرين تونسيين كانوا في اتجاه إيطاليا وعدد الضحايا بالعشرات وهو ما سبب صدمة كبيرة لأهالي الضحايا والشعب التونسي قاطبة، ولم يمض على الحادثة المذكورة التي مثلت تطوراً نوعياً حيث كان العاطلون عن العمل وعددهم يقارب المليون (بين 700 و800 ألف عاطل عن العمل وفق الإحصاءات الرسمية وغيرها) هم ضحايا قوارب الموت، أما الآن فقد أثبتت التطورات أن النساء والأطفال وهاهم التلاميذ من بين يركبون الأخطار للخروج من تونس والوصول إلى الضفة الشمالية من المتوسط.
استمرار المحاولات
بعد حادثة الثلاثاء وتحديداً الأربعاء 18 أكتوبر، تمكنت وحدة تابعة لجيش البحر، في حدود الساعة السادسة من صباح الأربعاء، من إنقاذ 12 مهاجراً غير شرعي تونسيين على متن قارب على بعد 70 كلم من جزيرة قرقنة، وأشار بلاغ صادر عن وزارة الدفاع الوطني أن هذا المركب توقف عن الإبحار بسبب نفاذ الوقود، وقد تزامن الخبر مع ظهور معطيات جديدة حول الزورق الغارق الذي اصطدم بخافرة للجيش إلى 45 شخصاً، بعد أن تم بعد ظهر الثلاثاء انتشال جثة عالقة في المركب، وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني العقيد بلحسن الوسلاتي، وأكد الوسلاتي أن عمليات البحث مازالت متواصلة بموقع الحادث الذي جد مساء يوم 8 أكتوبر 2017 على بعد 54 كلم من شاطئ العطايا بجزيرة قرقنة من ولاية صفاقس، وكما ذكرنا سابقاً فإن الفاجعة لم تحد من الهجرة السرية، بل استمرت دون توقف.
أسباب وتداعيات ومحفزات
عرفت الثلاثية الثالثة لسنة 2017 تحولات مهمة عمقت مشاعر الإحباط لدى فئات عديدة من الشعب، وقد أثبتت دراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع الرغبة في الهجرة ولو بطريقة غير نظامية لدى فئات واسعة من الشباب التونسي، وتأتي موجات الرغبة في الهجرة تحت الضغط الاجتماعي المتزايد في البلاد ومن ذلك
1- تطوّر منسوب الاحتجاجات الاجتماعية كل المناطق وتطوّرت من 4960 سنة 2015 إلى 9532 احتجاجاً سنة 2016 لتبلغ خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2017 أكثر من 8000.
2- التدهور الكبير للمؤشرات الاقتصادية الرسمية مع ارتفاع نسب الفقر والفقر المدقع والبطالة وتضخم حجم الديون مقارنة بالناتج الداخلي الخام.
3- الارتباك في المشهد السياسي والاختلاف حول كيفية التعاطي مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة وغياب الحرفية والخطاب المطمئن حول مستقبل البلاد سواء في وسائل الإعلام أو المنابر السياسية والاجتماعية ولا سيما في جانب المعارضة.
4- العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية والمدنية وظهر ذلك واضحاً في عمليات سبر الآراء المختلفة حول منسوب الثقة في السياسيين والمشاركة في الانتخابات المحلية ونوايا التصويت وغيرها.
5- إطلاق رئيس الحكومة لحملة لمقاومة الفساد أثارت العديد من ردود الأفعال حول مدى جديتها وديمومتها والآليات القانونية المستعملة وبروز العديد من الشكوك حول جدية التمشي وخلفياته قد برزت من هنا وهناك .
6- إفراج صندوق النقد الدولي عن القسط الثاني من القرض مقابل تعهد الحكومة بإصلاحات تشمل المنظومة الجبائية والمالية ومنظومة الدعم و الوظيفة العمومية و الصناديق الاجتماعية والمنشئان و الدواوين العمومية
7- المصادقة على مشروع قانون “المصالحة الإدارية” وما أثاره من احتجاجات وردود فعل مختلفة.
8- ظهور وثيقة بعنوان “البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة في أفق 2020” والتي تحمل داخلها تناقضات مختلفة ولا تبشّر بحلول في مستوى تطلعات الفئات الهشة والمحرومة.
9- أشرنا في بداية هذه الورقة إلى خبر إقدام تلاميذ على محاولة الهجرة في باخرة خلسة رغم وجودهم على مقاعد الدراسة وفي الموسم الدراسي الحالي، مما يضيف معطى آخر وتطوراً آخر في المسألة يضاف لضحايا الانقطاع المدرسي وهي ظاهرة تتزايد، وهناك دراسات تشير إلى وجود مائة ألف منقطع سنوياً أعرب 56% منهم عن رغبتهم في الهجرة أو الحرقة.
وقد أثبتت الدراسات رغبة 54.6% من الشباب في الهجرة منهم 31% على استعداد للقيام بهجرة غير نظامية.
هذه المؤشرات وغير ها تؤكد ارتفاع الضغط الجهري وجاهزيته لتوافر العوامل الموضوعية لموجهة هجرية قد لا تختلف كثيراً عن التي شهدتها بلادنا سنة 2011 في ظل انعدام الأفق “للخلاص الجماعي” بسبب مجمل التعثرات في السياسية الاقتصادية والاجتماعية بذلك يصبح “الخلاص الفردي” في نظر الشباب التونسي حلاً عاجلاً.
الهجرة بالأرقام
للأسباب المذكورة آنفاً وهي التي دفعت الشباب للثورة لم تنقطع أخبار قوارب الموت، وقد مثل عام 2011 السنة الأبرز في عدد المجتازين الذين تم إيقافهم في إطار موجة الهجرة غير النظامية التي عرفتها بلاد في أعقاب اندلاع الثورة التونسية، وقد أعلنت وزارة الخارجية أن عدد الوافدين المسجلين لدى السلطات الإيطالية تصل إلى 22 ألفاً في حين قدرت مصادر أخرى عددهم في تلك الفترة ب أكثر من 35 ألفاً دون اعتبار القتلى والمفقودين، ليتواصل الانخفاض التدريجي باستثناء ارتفاع طفيف مسجل سنة 2015.
ويمثل التونسيون عادة أغلبية المجتازين الذين يقع إيقافهم إذ بلغت نسبتهم 74.6% بين سنتي 2011 و 2016 باستثناء سنة 2015 حيث مثلت نسبة الأجانب المشاركين في محاولات الاجتياز 52.37%.
وبلغ عدد منظمي رحلات الهجرة (الحرقة) الذين وقع إيقافهم بين سنتي 2011 و2016 من طرف السلطات الأمنية 464 شخصاً، وقد تم تسجيل انضمام بعض من أصحاب الجنسيات الأفريقية لهذه الشبكات منذ عام 2014 للمشاركة في عمليات الاستقطاب وتجميع الضحايا وذلك بمقابل مالي.
طرق الهجرة
تمثل عمليات الهجرة عبر البحر 62% من جملة عمليات الاجتياز التي تم إحباطها، ويفضل بعض الشباب التونسي الهجرة عبر البر نحو ليبيا ومنها إلى إيطاليا لنقص كلفتها كما يحاول البعض من جنسيات إفريقيا جنوب الصحراء الانطلاق من تونس نحو ليبيا أيضاً في محاولتهم تحقيق حلمهم بالضفة الأخرى.
وتمثل قوارب عمليات الاجتياز المنطلقة من ليبيا والتي تم إحباطها 9.86% عام 2015 نتيجة مرورها عبر المياه الإقليمية التونسية وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الأجانب الذين وقع إحباط عمليات اجتيازهم خلال سنة 2015.
وتعتبر مراكب الصيد الوسيلة الأكثر استعمالاً في عمليات الهجرة غير النظامية، وقد تم استعمال بعض البواخر السياحية فقط سنة 2011، كما استعملت مراكب الصيد بكثافة نظراً لكلفتها المنخفضة وطاقة استيعابها المرتفعة مقارنة ببقية الوسائل الأخرى.
ومن الملاحظ أن عدد الإناث يزداد حيث مثل نسبة 5% من جملة عدد المجتازين الذين تم إيقافهم سنة 2016 و تمثل الفئة العمرية بين 20 و30 سنة نسبة 67 بالمائة من جملة المجتازين.
واستناداً إلى الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية تم إحباط 54 محاولة للهجرة غير النظامية خلال الثلاثي الأول من سنة 2017 وإيقاف 612 ضمنهم 197 أجنبياً (أي ما يمثل 32.2% من مجموع الموقوفين) من جنسيات مختلفة أغلبها نيجيريا بنسبة 36.45% ساحل العاج بنسبة 25.38% وغامبيا بنسبة 9.64%.
حسب الإحصائيات التي قامت بها المنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد الأشخاص الوافدين إلى أوروبا بطرق غير نظامية 2700 تونسي خلال الفترة الممتدة بين جانفي وسبتمبر 2017، وصل 1400 شخص منهم في شهر سبتمبر 2017 وهو ما يوضح ارتفاع نسق هذا النوع من الهجرة بشكل كبير مقارنة بالسنتين السابقتين.. وحتى اليوم، (شهر أكتوبر) لقي 2655 مهاجراً حتفهم أو اختفوا خلال رحلتهم البحرية عبر المتوسط مقابل 3543 شخصاً خلال كامل سنة 2016.