لم تنحصر مشاعر الغضب على ما يجري من إجراءات أمنية مشددة وتركيب بوابات إلكترونية لفحص المتوجهين للمسجد الأقصى على المقدسيين وأهل فلسطين، بل أصبح صدى هذه الإجراءات يسكن في نفوس الفلسطينيين في الخارج الذين تحدثوا للقدس عن مشاعرهم وهم يشاهدون أهل القدس يصلون على أعتاب أبواب المسجد الأقصى، وقطعان المستوطنين يجوبون ساحات المسجد الأقصى وهي فارغة تماماً من المصلين والحراس وطاقم الموظفين.
زرت الأقصى سابقاً
يقول د. باسم نزال (45 عاماً)، المواطن الفلسطيني القاطن في الأردن وهو من مواليد الكويت وبعد حرب الخليج الثانية استقرت عائلته مدينة إربد في اتصال مع “المجتمع”: خلال جلوسنا مع بعضنا بعضاً كفلسطينيين يعيشون في الأردن، سيطرت أحداث المسجد الأقصى في الآونة الأخيرة على جل اهتمامنا، حتى إن بعضنا بكى عندما شاهد منع الأذان والصلاة في المسجد الأقصى، وانهار أمامنا، من شدة وجع الموقف، وتأثرنا جميعاً من هذا الموقف التراجيدي، فأنا زرت المسجد الأقصى في زيارة سياحة وعشت عدة أيام فيه في رمضان عام 2014م؛ حيث كانت الإجراءات الأمنية مشددة فيه عقب قتل مستوطنين في الخليل، وأعرف كيف يتعامل الاحتلال مع الفلسطينيين.
وأضاف: عندما أشاهد المسؤول المقدسي والمواطن العادي وهو يتحدث بحرقة عما جرى في المسجد الأقصى، أعيش معهم هذا الوجع المؤلم لنا جميعاً، وحديثنا عن المسجد الأقصى لا ينقطع، ونحاول من خلال مشاركتنا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجامعة وفي كل مكان نصرة الأقصى والقدس.
أحمد.. وتراب المسجد الأقصى
أما المواطن الفلسطيني أحمد الكتوت في عمَّان قال لمراسل “المجتمع”: لي أقارب في مدينة نابلس، وعندما كانوا يأتون إلينا يتحدثون عن مدينة القدس وما يجري في المسجد الأقصى، وطلبت من أحدهم في إحدى الزيارات إحضار زجاجة من تراب المسجد الأقصى، وبالفعل أحضر هذه الزجاجة الصغيرة وفيها تراب من المسجد الأقصى وهي أثمن هدية في حياتي، وعندما شاهدت ما يجري هناك لم أستطع النوم، حتى إنني لم أذهب إلى عملي بسبب التوتر الشديد والقلق على المسجد الأقصى.
الحاجة آمنة.. وذكريات مع الأقصى
في دبي تعيش الحاجة آمنة عيسى (71 عاماً) التي هاجرت من مدينتها قلقيلية إلى الأردن إبان النكسة عام 1967م، ومن هناك عاشت في دبي مع زوجها وأولادها تقول: لم أستطع مفارقة شاشة التلفاز وأنا أتنقل من فضائية إلى أخرى لمعرفة تفاصيل ما يجري، فقبل 15 عاماً زرت المسجد الأقصى، وأتذكر تفاصيل الزيارة والصلاة في قبة الصخرة، وعندما شاهدت المسجد فارغاً من المصلين، شعرت بأنني فقدت شيئاً مهماً في حياتي، فالأقصى يسكن في قلوبنا ونفوسنا، وكل شيء يهون في حياتنا إلا المسجد الأقصى والقدس، وعندما شاهدت جنود الاحتلال يجبرون من يدخل للمسجد الأقصى المرور من هذه البوابات الأمنية شعرت بالمهانة والانكسار.
حزن في بيتنا
أما الحاج عمر قواس من عمَّان (70 عاماً)، وهو من مواليد مدينة قلقيلية، استقر بعد حرب عام 1967م في الأردن يقول: أستطيع أن أصف وضعنا أننا نعيش الحزن الكامل في بيتنا مع عائلتي، وكان أصعب هذه الأوقات ما جرى يوم الجمعة في المسجد الأقصى من اعتقال لخطيب المسجد الأقصى والصلاة على الأسفلت في شوارع القدس، وعدم إقامة الصلاة في أولى القبلتين، وبكاء الناس هناك الذي يكسر القلوب كسراً، وإنني من خلال مجلة “المجتمع” أقول لأهلي في فلسطين: نحن كفلسطينيين في الخارج نعيش مع المسجد الأقصى لحظة بلحظة، وهو وجعنا الأول والأخير.
عزل الأقصى
د. ناجح بكيرات، رئيس أكاديمية القرآن في المسجد الأقصى ومديره سابقاً، يقول لـ”المجتمع”: نحن أمام مخطط مرعب مهول يطلق عليه “زنزنة المسجد الأقصى”؛ أي وضع المسجد الأقصى في زنزانة، فهو أسير منذ احتلاله عام 1967م، واليوم يقوم الاحتلال بإدخاله في زنزانة العزل الجغرافي والبشري، فالاحتلال عزله عمرانياً من خلال الحدائق التوراتية والكنس التي أحيطت به من جميع الجهات، وبعد أحداث الجمعة الماضي دخل المخطط الثاني بالعزل البشري؛ بحيث يصبح المسجد الأقصى بلاً بشر حتى يحتضر ويموت، حسب اعتقادهم، وهذا ما يجري الآن فلا أحد يستطيع الوصول بحرية كما كان في السابق.
وأضاف بكيرات: الفترة الزمنية المتوقعة لتطبيق المخطط الثاني بعد مخطط العزل في الزنزانة مخطط التقسيم المكاني في أقل من عام، وكل المخططات تم وضعها على الطاولة حيث المناطق المستهدفة للتقسيم المكاني المصلى المرواني المنطقة الشرقية الفارغة ومنطقة باب الرحمة ومنطقة باب الغوانمة في المنطقة الممتدة من باب الغوانمة إلى باب الأسباط، وهناك تفاصيل لهذا التقسيم تم نشرها في مواقع جماعات الهيكل المزعوم، والاحتلال سيطبق هذه المخططات بعد ما جرى من إغلاق للمسجد لمدة ثلاثة أيام بدون أن تكون هناك ردود فعل تتلاءم مع هذا الحدث الجسيم.
وقال بكيرات: نحن الآن نتوقع الأسوأ من قبل سلطات الاحتلال، وتم جس النبض لكل العرب والمسلمين في عملية الإغلاق والعزل البشري للمسجد الأقصى، وسيتبع عملية جس النبض المضي في تطبيق ما تم تخطيطه من تقسيم مكاني بعد أن تم تجسيد التقسيم الزماني من خلال الاقتحامات اليومية.