لا يا وزير الإعلام[1]


كنا ننتقد موظفي التلفزيون، ونلومهم بسبب التدهور المتلاحق الذي يعانيه تلفزيون الكويت في سياسته البرامجية، ومستواه الخلقي والاجتماعي الذي وصل حداً من الفساد، يعتبر السكوت عليه موقفاً محرماً، واشتراكاً في نفس الجريمة.

واليوم نتوجه بهذه الكلمة الصريحة المباشرة إلى وزير الإعلام، وذلك لسببين:

– أن الوزير يملك كل الصلاحيات في إصلاح أوضاع التلفزيون، وفي الوقت نفسه هو المرجع النهائي في هذا الجهاز ذي التأثير الخطير والوسع.

– والسبب الثاني: أن موظفي التلفزيون يستصحبون توجيه وزير الإعلام في عملهم وأدائهم.

وإن لم يفعلوا يمسي الأمر أشد هولاً؛ بمعنى أن جهاز التلفزيون في واد، والوزير في واد آخر.

وينبغي التنبيه إلى شيء مهم جداً، وهو أن الكلام لا يقلل –مقدار ذرة– من مسؤولية موظفي التلفزيون عن الفساد والإفساد لأنهم بين خيارين؛ إما أن يكونوا مكلفين ببث الفساد وليس هناك قوة في الأرض تستطيع أن ترغم الإنسان على مثل هذا السلوك، أي أننا لا نقبل أبداً مقولة: إنهم مجبورون على ذلك.

وإما أنهم هم أنفسهم يريدون إشاعة الانحراف في المجتمع، وفي الحالين هم مسؤولون أيضاً.

على أن المسؤولية الكبرى والمباشرة تقع على عاتق الوزير نفسه.

إن التلفزيون بوضعه الحالي إدارة تخريب خلقي واجتماعي ونفسي.

ولو ذهبنا نحصي «مفاسد» التلفزيون لطال بنا الحديث.

نكتفي اليوم بمثال واحد (كعينة) من الإرسال الذي يغرق به التلفزيون بيوت الكويت وشبابها.

دعوة إلى الفاحشة وتحريض على الجريمة

مساء الأربعاء الماضي، عرض التلفزيون فيلماً أمريكياً بعنوان «المخادع».

والفيلم من بدايته إلى نهايته دعوة إلى الفاحشة وتحريض على الجريمة.

معظم أحداث الفيلم تدور في مدرسة بنات بناظرتها ومدرساتها.

وفجأة تعثر طالبة صغيرة على جندي جريح في الحرب الدائرة بين الأمريكيين؛ شماليين وجنوبيين، ويحمل الجندي إلى المدرسة، وتقدم له الإسعافات والخدمات، ويركز الفيلم على «تنافس» الطالبات والمدرسات والناظرة أيضاً على ذلك الجندي بهدف إقامة علاقات جنسية محرمة معه.

ويقع ذلك فعلاً.

ويظهر الفيلم فتاة (17 سنة) في صورة الخلاعة والجرأة على الفاحشة والاستهتار بكل القيم والأخلاق.

ويؤدي التنافس بينهن إلى قطع رجل الجندي، ثم إلى قتله بالسم.

أليس هذا الفيلم دعاية مكشوفة للزنى؟

أليس تحريضاً للأجيال على الاستهتار بالقيم والأخلاق؟

أليس ضربة موجهة إلى رسالة التربية بمدارسها ومناهجها؟

أليس إساءة متعمدة إلى الناظرات والمدرسات والطالبات؟

أليس تحريضاً سافراً على الجريمة.. جريمة قطع رجل الجندي.. ثم قتله بالسم في سبيل غيرة نسائية فاسدة؟

بلى.. إنه كذلك.

إن وزير الإعلام مسؤول بين يدي الله عن هذا الفيلم وعن أمثاله.

مسؤول عن كل تأثير سيئ يتركه هذا الفيلم وأشباهه في نفوس الناس وسلوكهم.

مسؤول عن التدهور الاجتماعي والأخلاقي الذي يصيب المجتمع الكويتي من جراء استخدام الإرسال التلفزيوني استخداماً سيئاً ليبث هذه المفاسد، وهو اليوم مسؤول أمام المواطنين عما يجري في التلفزيون وعما يبثه من انحراف وفسوق وعصيان.

وكما قلنا سابقاً: إن الوزير يستطيع أن يغيِّر أوضاع التلفزيون ويصلحها.

وحقيقة لا ندري؛ ما السبب الذي يمنعه من القيام بهذا الإجراء الضروري والملحّ؟

أين التنسيق؟

إن دعوة قوية تنبعث من أوساط شتى تنادي بضرورة التنسيق بين أجهزة الدولة خاصة بعد تشكيل لجنة عرفت باسم «لجنة تنسيق البحوث الاجتماعية والجنائية»، وهي لجنة رسمية –شكلها مجلس الوزراء– من طبيعتها التنسيق بين «أعمال» و»توجيهات» كافة المرافق في الدولة.

هذا التنسيق الذي يعبر عن حاجة ملحة لا اختلاف عليها، تنسفه وزارة الإعلام من الجذور حين لا تأخذ به في سياستها الإعلامية.

ولنضرب مثلاً:

وزارة الإعلام عضو في لجنة التنسيق هذه.

ووزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية عضو في اللجنة ذاتها.

ومع ذلك، فإننا نرى التناقض –لا التنسيق– بين الوزارتين.

وعلة ذلك: جنوح وزارة الإعلام، خاصة تلفزيونها، إلى الانحراف.

إن قانون الجزاء المعدل تضمَّن عقوبات مشددة ضد جريمتين خطيرتين؛ جريمة هتك العرض، وجريمة القتل.

ثم يجيء تلفزيون الكويت فيحرض تحريضاً سافراً على ارتكاب هاتين الجريمتين.

ما هذه الفوضى المركبة؟

ومن المعروف أن الإرسال التلفزيوني هو أهم عمل تمارسه وزارة الإعلام، فإذا أهمل وزير الإعلام هذا العمل المهم، فماذا بقي له؟ وعلى أي شيء يشرف؟ وماذا يوجه؟

وكنا وما زلنا نلوم موظفي تلفزيون الكويت، وفي الوقت نفسه، فإن الحق يقضي بأن نوجه اللوم إلى الوزير ذاته ونحمّله المسؤولية كاملة.. مسؤولية التدهور في الأخلاق الذي يصيب الأجيال بواسطة البث التلفزيوني المنحرف.

إن الإخلاص لله تعالى والحرص على مصلحة الأمة والأمانة في توجيه الأجيال، كل ذلك يوجب علينا أن نصدع بالحق ولا تأخذنا في الله لومة لائم، إن أمماً قد هلكت، وأمماً مزقت شر ممزق حين ضعفت فيها أو انعدمت مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولا نريد أن يرد مجتمعنا هذا نفس المصير البائس المظلم.

وإننا إذ نقول: لا.. يا وزير الإعلام، ندعوه إلى أن يتقي الله فيما أوكل إليه من مهام، وأن يبادر إلى إصلاح جذري في التلفزيون وكافة أجهزة الإعلام الأخرى، إصلاح يعتمد على قيم الإسلام ومعاييره وهداه، ويعهد بتطبيقه إلى رجال صالحين أكفاء أمناء؛ (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) “الحشر: 18-21”.


[1] العدد (302)، عام 1976م، ص5.

Exit mobile version