سفينة البلاد بين أمواج الفساد العاتية – دعوة أهل المروءة والعقل لـ “خطة إنقاذ وإصلاح”[1]

سفينة البلاد بين أمواج الفساد العاتية – دعوة أهل المروءة والعقل لـ “خطة إنقاذ وإصلاح”[1]

لم نسمع أو نقرأ عن أمة من الأمم أنها اجتمعت في مؤتمر عام ثم قررت –بالإجماع– ارتكاب الخطايا والانحرافات والمفاسد بواسطة خطة خمسية أو عشرية.

ولكن على الرغم من أن أمة من الأمم لم تفعل ذلك، فإن التاريخ قد أكد أن أمماً طواها الفساد، وأتلفها الانحراف، وأهلكتها خطيئتها.

فكيف حدث ذلك؟

لقد ظهر الفساد كظاهرة شاذة، تمثلت في انحراف فرد، قوبل بالتغاضي، أو التساهل وعدم الاكتراث.

ثم امتد الانحراف ليشمل مجموعة من الناس، وقوبل كذلك بالتغافل أو عدم الاكتراث.

وأخذت ظاهرة الانحراف تتسع حتى طال الأمد فقست القلوب فطوى الفساد مجتمعات بأسرها.

والقرآن العظيم قد حذّر المؤمنين من السير في هذا الطريق الخطر؛ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) “الحديد: 16”

إن مجتمعنا هذا يتعرض لموجات طاغية من الفساد العاتي والانحراف المتزايد يوماً بعد يوم.

وأسوأ من الفساد السكوت عنه، وأسوأ من السكوت عنه مسايرته برضا، أو مجاراة التيار.

وأسوأ من كل ذلك وأخطر الظن بأن هذا الفساد نتيجة طبيعية لتطور المجتمع الكويتي، وأسوأ من السوء أن السلطات الحاكمة في بعض البلاد تلهي الناس بالفساد لتشغلهم عن أخطاء السلطة، ظانّة أن ذلك يطيل عمر كراسيهم في الحكم، فالسكوت عن الفساد مشاركة فيه، ومسايرته تشجيع له، والزعم بأنه شيء طبيعي هدم خطير لمقاييس الدين والقيم والأخلاق.

إن سفينة بلادنا تتنازعها أمواج الفساد وعواصف الانحلال والانحراف.

والمواطنون يضجون بالشكوى.

والكل يتألم ويتململ.

وزبانية الفساد ماضون في نشر الفسوق والعصيان بين الناس.

والغريب حقاً أن الحكومة ساكتة!


ولا ندري ماذا تنتظر؟!

ولنقل بصراحة: إن الاستقرار المنشود لن يتحقق إلا بموقف جريء وشجاع تتخذه الحكومة في عزم وتصميم وطول نفس ضد الفساد والمفسدين والفسق والفاسقين.

وسيدعم الحكومة في ذلك كل وطني مخلص، وكل مسلم غيور على دينه وأمته.

الاستقرار ليس بكثرة المال، ولا بتمليك البيوت وتعبيد الطرق ولا بتوفير كافة الأشياء المادية.

فهذا كله لا ينفع، إذا استبد الفساد بالمجتمع جلب الانحراف الشقاء والتعاسة والخوف والقلق على المواطنين.

ونحن نسأل مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس..

ماذا تنتظر الحكومة؟

ولا نقول: إنها لا تعلم.

لأنها –حقيقة– تعلم ما يجري ويحدث.

تعلم أن ملفات الجريمة تحمل في طياتها جرائم مروعة وخطيرة وقعت في الكويت، وهذا غير الجرائم التي تنشر وتعلن.

جرائم السرقة والاختلاس وهتك العرض والاغتصاب.. وغير ذلك.

وظاهرة الجريمة وحدها كانت كفيلة بتشكيل لجنة وزارية عليا مزودة بخبراء في علم الجريمة والاجتماع، والتشريع الجنائي الإسلامي.

لجنة وزارية تعكف على حماية البلاد من خطر الجريمة عبر ثلاثة حلول جوهرية.

– الإسراع بصياغة قانون إسلامي ينظم العقاب المناسب لهذه الجرائم كما تنص عليه شريعة الله.

– توجيه أجهزة الأمن إلى موقف حازم، وفي الوقت نفسه، تزويد هذه الأجهزة برجال صالحين أكفاء لكي تستطيع أن تؤدي مهمتها بحماس ووعي واستقامة وحزم.

– كف أجهزة الإعلام عن الترويج للجريمة عبر بثها المغري بالعنف وجرائم هتك العرض.. إلخ.

ولا يمكن محاربة الجريمة بطريقة فعالة إلا إذا تساوى الجميع أمام العدالة، فإن تجاوز بعض الناس لمعايير العدالة إلغاء لها، وإغراء للآخرين بتخطيها.

ومن هذا الذي يزعم أنه فوق العدالة؟

إن فاطمة بنت محمد رضي الله عنها، كان أبوها | سيخضعها للمعيار الإسلامي في المحاسبة والعقاب لو أنها فعلت –حاشاها أن تفعل– ما يوجب العقاب.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

والحكومة تعلم أن تلفزيون الكويت بوضعه الحالي ليس سوى أداة تخريب أخلاقي ونفسي واجتماعي.

إنه يتعمد –ولا تفسير آخر غير هذا– بث البرامج التافهة والأفلام الساقطة.

في كل فيلم، تحريض إما على الخمر، أو الخيانة الزوجية، أو الانحلال الجنسي، أو العنف، أو تحريض على هذا كله في فيلم واحد.

ويتعمد التلفزيون باستمرار تقديم «المشوهين نفسياً وأخلاقياً» كنماذج ليقتدي بها الناس عموماً والشباب خصوصاً.

ونعني بالمشوهين نفسياً وأخلاقياً من يسمون أهل الوسط الفني الذين جعلوا الفسق والفجور والانحلال جزءاً من فنهم وتعبيراً عن نجاحهم.

برنامج «اثنين على الهوا» الذي عرضه تلفزيون الكويت تمجيداً لهذه النماذج الآدمية المهترئة.

وما أن انتهى هذا البرنامج حتى استورد تلفزيون الكويت برنامجاً آخر –دفع ثمنه من أموال المسلمين– وهو برنامج «مشوار» وموضوعه حياة إحدى الفنانات!

وما أن انتهت هذه التفاهة حتى فرض تلفزيون الكويت على الناس برنامجاً آخر من نفس النوع اسمه «زائر النساء»، وهو تعبير عن الاستمرار المتعمد في تقديم أسوأ النماذج الإنسانية إلى أجيالنا التي رزئت بهذا التلفزيون المخرب.

ولسنا الآن بصدد استعراض شامل لما يبثه التلفزيون من فساد وفسوق.

ولكننا نسأل:

هل هذا مخطط من الحكومة، وإذا كان كذلك فمن أمر بهذا، وهل يراد سحق البلاد اجتماعياً وأخلاقياً؟

أم أن ما يحدث في تلفزيون الكويت إنما هو تنفيذ لـ “أهواء” بعض موظفيه الكبار.

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تترك الحكومة موظفاً أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة يتعمدون إفساد المواطنين ويستغلون جهازاً خطيراً مؤثراً في التعبير عن نزعاتهم الخاصة وسلوكهم الخاص؟

وما يقال عن التلفزيون يقال عن السينما.

والحكومة تعلم أن بعض الأشخاص كإلياس ميرزا الصليبي الماسوني يستغل بعض المرافق كمبنى برج الكويتية لينشر الفساد ويشيع المجون.

الحكومة تعلم؛ لأن هذا مبنى حكومي تملكه مؤسسة رسمية هي الخطوط الجوية الكويتية، أن هذا الرجل يدمر مجتمع المسلمين بأموال المسلمين.

فأي جهة تحمي هذا الرجل؟ خاصة بعد أن تحدث أعضاء في مجلس الأمة عن صلته بحزب الكتائب اللبناني الذي يريد اقتلاع الإسلام والمسلمين من لبنان.

والحكومة تعلم.. لا بل تخطط لإنشاء مدينة ضخمة للملاهي تزيد رقعة الفساد وتعمق مفهوماته المنحرفة في المجتمع.

والحكومة تعلم أن فلول الكتائبيين يفدون إلى البلاد لجمع التبرعات لحزبهم؛ أي لجمع التبرعات من الكويت لضرب الإسلام وأمة الإسلام.

والحكومة تعلم أن معظم الفنادق في الكويت تعج بالرقص والأجواء الانحلالية التي تحيط بالرقص وخلاعته.

وتعلم أن محلات كثيرة انتشرت في الكويت تستخدم النساء كبائعات، وفي أجواء تحف بها الريب.

الحكومة تعلم كل ذلك، وتعلم أكثر من ذلك، ولكنها تلتزم الصمت؟

لماذا؟

إننا نطالب:

بتشكيل لجنة وطنية تمنح صلاحيات واسعة وتضم وزارات معينة ونخبة من أهل الغيرة والاستقامة والرأي في البلاد.

من بينهم أعضاء من مجلس الأمة تسمى هذه اللجنة باسم «لجنة حماية الكويت من التلوث الأخلاقي والاجتماعي».

وتكون مهام هذه اللجنة:

1– الإشراف على كل ما يبث في أجهزة الإعلام، ووضع سياسة طويلة الأمد تعمل تلك الأجهزة في ضوئها.

2– الإسراع بصياغة قانون إسلامي يوفر الأمن الاجتماعي الحقيقي للناس.

3– تعزيز مكانة الإسلام في مناهج التربية تدريساً وتطبيقاً؛ عبر القدوة الصالحة من المسؤولين والمعلمين والأجهزة الإدارية، وفي مناخ المساجد وعلى مختلف مراحل التربية.

4– تعديل قانون الموظفين، واشتراط «الخُلُق» كمؤهل لازم في التوظيف، فليس من الحق ولا من المصلحة ولا من الإسلام توسيد الأمر لغير أهله.

وبعد.. فهذه كلمات نقدمها للمسؤولين في الدولة كمطلب إسلامي ملحّ.

نقدمها مقرونة بتحذير من سخط الله عز وجل الذي حلَّ بأقوام عصاة ومجتمعات مترفة بعدت عن تعاليم الله سبحانه، ولم تقم بحقه تعالى من العبادة والاستقامة والشكر.

إن ما حل بلبنان من تمزق ودمار إنما كان بسبب الفساد الاجتماعي الطاغي، وأن الزلازل التي ضربت أجزاء من إيطاليا وموجات البلاء والقلق والشقاء التي تكتسح العالم.. كل ذلك بسبب الفسوق والعصيان.

والكويت ستتعرض لهذه المصائب –لا قدر الله- ما لم يسارع المسؤولون إلى إصلاح الأوضاع وتطهير البلاد من أسباب الفساد ومظاهره ومغرياته.

وإنني أردد مع الرجل المؤمن النصوح في سورة «غافر»: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) “غافر:44”

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.


[1] العدد (299)، عام 1976م، ص12.

Exit mobile version