رسالة مفتوحة إلى كبار المسؤولين الكرام في الكويت[1]


بقلم: عبد الله علي المطوع

رئيس مجلس إدارة مجلة «المجتمع»

كم يتمنى المرء أن يرى بلده الكويت -البلد الإسلامي الذي منّ الله عليه بنعمة التحرير والاستقرار– شاكراً لأنعم الله، عاملاً لما يرضيه، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مسترشداً في ذلك بما سار عليه الآباء والأجداد، عاملاً على أن يقتدي بذلك الأبناء والأحفاد في التمسك بكتاب الله وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى الله وعمل الخير.

ولكن الملاحظ في الحقبة الأخيرة التساهل في أمور الدين، وغض الطرف عن المخالفات والتجاوزات، وتلك من أخطر المزالق التي تؤدي بالأمم إلى أكبر المهالك.

ولذا، أجد من واجبي أن أتوجه إليكم، وأنتم كبار المسؤولين في الكويت بهذه الرسالة المفتوحة، وكلي يقين إن شاء الله أن رسالتي ستجد خير قبول عند كل مسؤول.

يقول الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) “الحج:41”.

هذه الآية أمر من الله سبحانه وتعالى لمن مُكّنوا في الأرض أن يقيموا شعائر الله ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فإذا التزم أولو الأمر بذلك يكونون قد أبرؤوا ذمتهم، وتقربوا إلى الله، وأخذوا بأسباب العزة والنصر والتمكين.

أتوجه إليكم بمناسبة ما يقع هذه الأيام من مخالفات وتجاوزات ما يسمى بـ«مهرجان هلا فبراير» الذي استقدمت اللجنة المنظمة له الفرق الغنائية والراقصات، فكان ما تحدثت به الصحف الكويتية من مباذل ومساخر في المهرجانات والمسيرات والسهرات في المسارح والمطاعم التي تعج بالمنكر البيّن والاختلاط الشائن، والتبذل المهين، وهذه الأفعال ترسم صورة في الخارج، وعند الزائرين لا تليق بالكويت، ولا تعبّر عن الوجه الحقيقي الطيب لها، فضلاً عن أنها تجلب سخط الله عز وجل.

وقد صدرت فتاوى عدة من «الأوقاف» الكويتية وغيرها تحرّم مثل هذه الأفعال، فلماذا يصر القائمون على المهرجان على استمرارها؟ ولماذا السكوت عنهم؟ إن ارتكاب مثل هذه المخالفات بمناسبة «هلا فبراير» أو غيره مدخل للخطأ، وباب للخطر، ومنفذ للشيطان ينبغي أن يسارع المسؤولون إلى سد ذرائعه قبل أن تستفحل بوائقه.

أما المزاعم التي تقول: إن «هلا فبراير» ينشّط الاقتصاد، فهي أكذوبة كبيرة، فما أنفقته أجهزة الدولة وما أهدر من أموال على المغنين والمغنيات والراقصات، والتخفيضات التي تمت؛ ذلك كله ينعكس على الاقتصاد سلباً لا إيجاباً، ونحن نتحدى اللجنة القائمة على المشروع أن تقدم كشف حساب حقيقياً عن عوائد المهرجان المزعومة، وعما أنفق عليه.

ولو افترضنا جدلاً أن المهرجانات تزيد حركة الاقتصاد، فإن تنمية الاقتصاد لا تكون أبداً في معصية الله، وعلى حساب القيم والأخلاق والفضيلة، ولكانت الغاية تبرر الوسيلة، وهذا مبدأ لا أخلاقي ينبغي محاربته، ونحن لا نقصد مهرجان «هلا فبراير» وحده، ولكن مقصدنا أن نتعاون جميعاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة كل ما من شأنه استجلاب سخط الله تعالى.

ثم كيف يليق بنا أن يُحتفل في بلدنا بالرقص والغناء والسهر والمعاصي، في الوقت الذي يقبع فيه أسرانا مكبلين بالأغلال في سجون الطاغية، ويعيش إخوة لنا تحت الأنقاض في أكثر من بلد إسلامي، وأجزاء من عالمنا الإسلامي تدكها المدافع وترجمها الصواريخ ليل نهار، وأجزاء أخرى ترزح تحت الاحتلال الغاصب؟!

إننا نأمل من المسؤولين –تقرباً إلى الله عز وجل ونجاة من سخطه– أن يوقفوا أي ممارسات خارجة فيما بقي من أيام المهرجان، وليكن الاحتفال وليكن تنشيط الاقتصاد بما يتفق وعقيدتنا ومنهجنا وقيمنا وأخلاقنا.

نحن لا نعارض تنشيط الاقتصاد، بل نشجع عليه، ولكننا لا نرضى كما أنكم لا ترضون بما يقع من مخالفات وتجاوزات تستجلب سخط الله.

إننا نريد أن نجنّب أنفسنا وإياكم مصير الأمم السابقة التي تعرضت لعذاب الله وسخطه بسبب تخليها عن أمر الله وجحود نعمه عليها، وعدم أداء واجب الشكر لله، وقد قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) “النحل: 112”.

إن حماية الكويت تتطلب منكم ومن الجميع وقفة صادقة مع النفس ورجعة صادقة إلى الله في كل شؤون الحياة، لنهتم بتربية الأجيال، ونضع لهم منهجية تربوية عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام، بما يتفق مع دينه وتعاليمه، وأن نطهر مجتمعنا مما يُخطط له من أناس لا يرعون الله في مجتمعنا وأجيالنا، وإننا لنرجو ونأمل أن تصدر القوانين والتشريعات بما يمنع تلك الممارسات والتجاوزات في المستقبل.

إن الأغلبية العظمى من شعب الكويت ترغب أن تسير وفق منهج الله لا تحيد عنه قيد أنملة، وإننا نأمل أن تتوافق رغبات الشعب مع قرارات المسؤولين لتحقيق تلك الغاية العظمى، فالمسؤولون لا يسوسون أمور الدنيا فحسب، ولكن يقع ضمن مسؤولياتهم أن يقودوا الناس إلى الجنة، حيث الفوز العظيم لا أن يقودهم إلى النار حيث الخسران المبين؛ (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) “الأنفال: 25-26”

نسأل الله لنا ولكم ولشعب الكويت وسائر المسلمين الفوز العظيم، وأن يُجنّبنا جميعاً برحمته الخسران المبين، وأن يوفقكم الله لكل خير ويسدد خطاكم فيما يرضيه، ويجنبنا وإياكم سخطه، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول، وهو نعم المولى ونعم الوكيل.


[1] العدد (1388)، عام 2000م، ص9.

Exit mobile version