خصائص دعوة الإخوان المسلمين ومميزاتها.. من ثمار حركة الإخوان وآثارها

استطاعت حركة الإخوان المسلمين من خلال جهادها في هذا القرن أن تحقق عدة مكاسب في ميدان الفكر، وفي ميدان الشعور، وفي ميدان العمل.

في الميدان الفكري: استطاعت الحركة أن تقاوم الغزو الثقافي الوافد، وتهزمه هزيمة ساحقة في عدة معارك، وتعيد إلى جماهير غفيرة من المسلمين الثقة بالإسلام ورسالته وحضارته.

واليوم يتجاوز الفكر الإسلامي موقف الدفاع وينتقل إلى الهجوم، وأصبح الذين كانوا يدعون من قبل إلى تقليد الحضارة الغربية؛ بخيرها وشرها وحلوها ومرها، في حاجة إلى الدفاع عن أنفسهم، بل البراءة من دعواهم، وعدد منهم انتقل إلى الخط المخالف، وانضم إلى قافلة الدعاة إلى الإسلام.

تأكيد الهوية الإسلامية

لقد أصبحت “الهوية الإسلامية” حقيقة واقعة بعد أن كانت مثار جدل، وموضع خصام من التيارات المخالفة، وأضحى “الانتماء إلى الإسلام” محل اعتزاز ومباهاة بعد أن وجد من أراد أن ينتسب إلى البحر المتوسط، أو ينتسب إلى الغرب، أو يربط نسبه للجاهليات القديمة، التي حرر الله المسلمين منها ومن ضلالاتها بنعمة العقيدة، ونور الإسلام، لم تعد مشكلة الهوية والانتماء قائمة، كما كانت أمام سطوة الاستعمار الثقافي، والغزو الفكري، وغدونا نقول: نحن عرب مسلمون، وهنود مسلمون، وإندونيسيون مسلمون، وماليزيون مسلمون، وفرس مسلمون، وأفريقيون مسلمون، بل أمسى الكثيرون يقولون: نحن مسلمون قبل كل شيء، وكسبت الهوية الإسلامية عقولاً وأقلاماً كانت في الصف المناوئ للإسلام فترة من الزمن، فغدت في كتيبته المدافعة عنه، الذائدة عن حياضه، وطاردت الحركة الإسلامية الفكرة العلمانية المستوردة التي تعزل الدين عن المجتمع، وعن الدولة وسياستها، وتحصره في نطاق العبادة والشعائر، والتدين الفردي السلبي، وخاضت معركة طويلة لإثبات شمول الإسلام، وربطه بالحياة والمجتمع، وأصبحت القاعدة العريضة من المسلمين –بفضل جهود الحركة الإسلامية وأنصارها ومؤيديها– تؤمن بأن الإسلام دعوة ودولة وقيادة، صلاة وجهاد، روحانية وعمل، مصحف وسيف، وتستدل لذلك بالنصوص المحكمة من القرآن والسُّنة، وبالمواقف العملية الثابتة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وصحابته الأكرمين، وبالتاريخ المديد للأمة الإسلامية، التي لم تعرف قط هذا الفصام النكد.

واستطاع الفكر الإسلامي في مجال القانون والاقتصاد أن يثبت جدارة التشريع الإسلامي وتفوقه على القوانين الوضعية، وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان، وسبْقه كثيراً من المبادئ والنظريات التي لم يصل إليها القانون الغربي إلا منذ وقت قريب، ولم يبلغ فيها شأو التشريع الإسلامي، ولم يثبت هذا عند حد القانون المدني فقط، بل تعداه إلى القانون الجنائي والدولي والدستوري والمالي.. وغيرها.

وكسب الفكر الإسلامي كثيراً من رجال القانون الوضعي نفسه، مثل كثير من رجال الاقتصاد الوضعي، فغدوا من أكبر الدعاة إلى تشريع الإسلام، وبيان مزاياه.

وحسبنا أن نذكر منهم أمثال حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان، والشهيد عبدالقادر عودة، ومحمد عبدالله العربي، وعيسى عبده، ومحمود أبو السعود، وأحمد النجار.. وغيرهم، رحمهم الله، وأجيالاً أخرى من بعدهم، قد لا تقل عنهم فضلاً، وقدمت عشرات ومئات الأطروحات للماجستير والدكتوراة في الجامعات العربية والإسلامية حول موضوعات شتى من جوانب الدراسات الإسلامية، في القانون والاقتصاد والتربية والسياسة والاجتماع والفلسفة والتاريخ.. وغيرها.

وأصبحت المكتبة الإسلامية حافلة بآلاف الكتب في شتى ميادين الثقافة الإسلامية بعضها يعتبر موسوعات، وبعضها متوسط، وبعضها قصير، وغدا الكتاب الإسلامي الكتاب الأول في سوق التوزيع، وخصوصاً بين الشباب المثقف، كما شهدت بذلك الأرقام التي لا تكذب، في معارض الكتب التي تقام في مختلف بلاد العرب والإسلام.

المجال الشعوري

وفي مجال الشعور والعاطفة، استطاعت الحركة الإسلامية أن تعبئ مشاعر الجماهير الإسلامية، على امتداد أرض الإسلام –شرقاً وغرباً– اهتماماً بأمر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن توقد شعلة الحماس في صدر الإنسان المسلم لمعاضدة أخيه المسلم، ونصرة قضايا تحرير الأرض الإسلامية –من إندونيسيا شرقاً إلى مراكش غرباً– وعلى رأسها جميعاً أرض النبوات والمقدسات فلسطين والمسجد الأقصى، وقضايا الأقليات الإسلامية المضطهدة هنا وهناك، وقضايا الدعوة والجهاد في سبيل الإسلام.

واستطاعت الحركة الإسلامية في كثير من القضايا أن تنتقل بالمسلمين من مرحلة الوطنية الضيقة والقومية المحدودة إلى الآفاق الإسلامية الواسعة، فينظروا إلى أنفسهم –على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وتباعد أوطانهم– باعتبارهم “أمة واحدة” كما أمرهم الله لا أمماً متفرقة، كما أراد لهم الاستعمار.

ولقد سمعت الأستاذ حسن البنا يتحدث في مؤتمر “المطالب الوطنية المصرية” في مدينة طنطا، وكان يتحدث حول محاور ثلاثة حددها، رحمه الله، بهذه الكلمات: قضيتنا.. وسيلتنا.. دعوتنا.

وكان من حديثه عن المحور الأول “قضيتنا”: أن تشمل قضية الوطن الصغير، وقضية الوطن الكبير، وقضية الوطن الأكبر.

أما الوطن الصغير فهو “وادي النيل” شماله وجنوبه، لا بد أن يجلو الإنجليز عن كل شبر فيه، وتتحرر أرضه، ويتوحد الوادي كله تحت راية واحدة.

وكان يقول: إن مصر هي السودان الشمالي، وإن السودان هو مصر الجنوبية.

أما الوطن الكبير فهو “الوطن العربي” من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي، وهذه كانت التسمية المتوارثة له، وهو –في الحقيقة– فارسي من جهة، وعربي من جهة أخرى، ولذا أطلق عليه بعد ذلك “الخليج العربي”، وكان المركز العام للإخوان ملاذاً للمطرودين من أوطانهم والمجاهدين في سبيل تحريرها من الشرق العربي ومغربه.

وتحدث هنا عن قضية فلسطين ومحوريتها وأهميتها، وضرورة التركيز عليها، والتنبه لما يجري في أرضها، وفرضية التصدي لمكر الصهيونية، وتوعية الأمة بأهدافها وأطماعها في الأرض المقدسة، والقدس الشريف والمسجد الأقصى، وكان حسن البنا من أوائل من وعوا خطر الصهيونية على فلسطين، وعلى العرب والمسلمين، وله في ذلك مواقف وجهود تذكر فتشكر، وله هنا اتصال وثيق وقديم بمفتي فلسطين ومجاهدها الأكبر الحاج أمين الحسيني.

وأما الوطن الأكبر فهو “الوطن الإسلامي” من جاكرتا إلى مراكش (المغرب حالياً)، فكل أرض دنسها الاستعمار في هذا الوطن يجب أن تتحرر، ويجب على أهلها أن يجاهدوا العدو الغاصب حتى يجلو عنها مذؤوما مدحوراً، ويجب على المسلمين في أنحاء العالم أن يأخذوا بأيديهم ويساعدوهم بالمال وبالرجال، حتى يخلصوا بلدهم من نير الاستعمار، وذكر هنا ما قررته كتب الفقه: لو أن امرأة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها، وعبر عن ذلك أدب الحركة وشعرها ومن ذلك قول القائل:

ولست أرضي سوى الإسلام لي وطناً

الشام فيه ووادي النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله في بلد

عددت أرجاءه من لب أوطاني

وكان من ثمرات ذلك وقوف شعوب الإسلام مع قضية فلسطين من موريتانيا إلى جاكرتا، بغض النظر عن مواقف حكوماتهم، حتى الأقليات الإسلامية –رغم سوء ظروفها وحرج مواقفها– لم تنس أنها من أمة الإسلام الكبرى، ومما يذكر هنا أن من الأسباب المباشرة التي أدت إلى محنة المسلمين في الفلبين موقفهم ضد سفارة “إسرائيل” في مانيلا، فقد ثاروا عليها وتظاهروا ضدها، رغم بُعد الشُّقة بين فلسطين والفلبين.

المجال العملي والتربوي

وفي مجال العمل، كان أهم وأعظم ما نجحت فيه الحركة تربية أجيال مسلمة، كانت ضائعة –أو على وشك الضياع– بين تيارات الجاهلية الغربية الوافدة، ومكر الصليبية الحاقدة، وتضليل الشيوعية الجاحدة، ورواسب عصور التخلف الجامدة، جعلت الحركة أكبر همها تكوين جيل مسلم يحسن الفهم للإسلام بشموله وتوازنه، ويحسن الإيمان به، بحيث يجسد إيمانه في العمل به، والغيرة عليه، والدعوة إليه، وبذل النفس والنفيس في سبيله.

حرصت الحركة على أن تقوم بتربية هذا الجيل على أساس من الشمول والتكامل، فتشمل الجسم بالرياضة، والعقل بالثقافة، والروح بالعبادة، والخلق بالفضيلة، وتعد الفرد للدين والدنيا، حتى يكون نافعاً لنفسه ولأمته، صالحاً في نفسه، مصلحاً لغيره، لا يقتصر على التدين الشخصي بالصلاة والصيام والذكر، بل يضم إلى ذلك تديناً إيجابياً بالدعوة إلى الخير، والغيرة على الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل الجماعي لنصرة الإسلام، والعودة به إلى قيادة الحياة من جديد، كان حسن البنا يقول: نريد جيلاً يحمل الإسلام، وليس يحمله الإسلام!

وهذا هو الجيل الذي عاش حسن البنا ليكونه في ظل الإسلام، وتحت راية القرآن، وقد مثل هذا الجيل كل الشرائح الاجتماعية، على اختلاف منازلها وتفاوت ثقافاتها ومداركها، من مثقفين (أطباء ومهندسين ومحاسبين وعلميين ومعلمين.. إلخ) وطلبة وعلماء دين وتجار وموظفين وعمال وفلاحين ووجهاء وضباط وجنود ورجال ونساء من مختلف الأعمار.

وقد كان أول ما لفت المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي –جزاه الله عن الإسلام خيراً– إلى دعوة الإخوان أنه لاحظ عند بعض أقاربه من القرويين والفلاحين وعياً غير معتاد لأمثالهم في أمر الدين والحياة والمسائل العامة، فسأل عن مصدر هذا الوعي، وعرف أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان.

وحسبنا هنا أن المعارك الحربية التي خاضها الإخوان اختياراً، والمحن المتلاحقة التي ألقوا في أتونها اضطراراً، قد أثبتت كلتاهما أصالة هذه التربية وتفوقها، وأنها أثمرت حقاً جيلاً ربانياً فريداً، مسلم الفكر والعاطفة والروح والسلوك.

كما أثبتت هذه التربية صدق الأخوة، وقوة الترابط –القائم على الحب في الله– بين أبناء الجماعة، وقد ظهر أثر ذلك أيام المحن، فلم يخذل بعضهم بعضاً، ولم يتخلَّ بعضهم عن بعض.

في الجهاد

عملت الحركة الإسلامية على إحياء معنى الجهاد الإسلامي، ولم تقف به عند جهاد النفس والشيطان، وإن كان ذلك جزءاً أصيلاً من مناهجها التربوية، ولكنها ارتفعت به ليشمل جهاد قوى الاستعمار في الخارج وقوى الطغيان في الداخل، وجعلت الحركة جهادها حول محورين؛ تحقيق الفكرة الإسلامية؛ يعني تحقيق حياة إسلامية متكاملة، حياة توجهها العقيدة، وتحرسها العبادة، وتحكمها الشريعة، وتضبطها الأخلاق، وتجملها الآداب والتقاليد، وتحرير الأرض الإسلامية؛ يعني أن كل أرض دخلها الإسلام، وقام بها حكمه، وارتفعت فيها مآذنه يجب أن تحرر من كل سلطان أجنبي كافر، وكل حكم طاغوتي فاجر، وهذا فرض عين على أهلها، ثم من حولهم، الأقرب فالأقرب، حسب حاجة الجهاد وأعبائه ومطالبه، حتى يشمل المسلمين كافة، وعلى المسلمين في أنحاء الأرض أن يساعدوهم بما يستطيعون من مال ورجال وعتاد حتى ينتصروا، فالمسلمون –حيثما كانوا– أمة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، أي: لا يتركه لعدوه يتحكم فيه وهو يتفرج، ولهذا وقف أبناء الحركة –ومسقط رأسها مصر– وراء كل القضايا الإسلامية، بدءاً بقضية الوطن الخاص وادي النيل؛ شماله وجنوبه، ومروراً بقضايا الوطن العربي في مشرقه وعلى رأسها قضية فلسطين أرض المقدسات والنبوات، وسورية ولبنان، وفي مغربه مثل قضايا تونس والجزائر ومراكش، وانتهاء بقضايا الوطن الإسلامي الأكبر، مثل قضايا إندونيسيا وباكستان وكشمير وغيرها من قضايا المسلمين في آسيا وأفريقيا، وقضايا الأقليات الإسلامية المهضومة المضطهدة في أنحاء كثيرة من العالم، بل قضايا الأكثريات الإسلامية المضيعة والمسحوقة، كما في إريتريا والحبشة والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي، وكان في المركز العام للإخوان قسم أساسي يسمى “قسم الاتصال بالعالم الإسلامي”، مهمته الاهتمام بالمسلمين في أنحاء العالم، وجمع المعلومات منهم، واستقبالهم إذا وفدوا، والاتصال بهم، ونصرة قضاياهم.

ولقد طبقت الحركة عملاً ما نادت به هتافاً وشعاراً، وخاضت معارك جهادية فعلية، ضد الصهيونيين في فلسطين، وضد الإنجليز في مصر، وقدمت الحركة من خيرة أبنائها للفداء، ممن (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23)، واحتفظ سجل الشهداء بقائمة مشرفة من أبناء الدعوة الأبرار، عبروا عن إيمانهم بدمائهم الزكية.

في ميدان الاقتصاد

وكان من ثمار الحركة الإسلامية تعبئة الشعور الشعبي ضد “الربا” الذي أذن الله مرتكبيه بحرب من الله ورسوله، واعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم من الموبقات السبع، ولعن آكله ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وظهرت عشرات بل مئات من الكتب للكشف عن مزايا “الاقتصاد الإسلامي” والتحرر من الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي، وعقدت المؤتمرات والندوات، واختفت تلك الأفكار “الانهزامية” التي كانت تحاول تسويغ الربا، وتفريخ الفتاوى لإباحته، واكتسحها تيار الصحوة الإسلامية الجارف، وقامت حملة بل حملات تنادي بضرورة إيجاد “بنوك إسلامية” خالية من الفوائد الربوية، وتحقق الحلم، وبطلت مقولة الذين كانوا يقولون: الاقتصاد عصب الحياة، والبنوك عصب الاقتصاد، والفوائد عصب البنوك، فلا تحلموا ببنوك بلا فائدة! وقامت عشرات البنوك الإسلامية، وهي تزداد وتتسع وتنمو يوماً بعد يوم، حتى أنشأ كثير من البنوك الربوية العريقة فروعاً للمعاملات الإسلامية، بل فعل ذلك بعض البنوك العالمية الشهيرة.

كما قامت شركات ومؤسسات إسلامية، تقوم على أساس التعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، مثل “شركات التأمين” الإسلامية، التي تقوم على أساس التعاون والتكافل، لا على أساس الاسترباح من التأمين، وقد أدى ذلك إلى صدور دراسات اقتصادية ومحاسبية وإدارية في ضوء الشريعة، يصعب حصرها، وأنشئت مراكز أبحاث للاقتصاد الإسلامي، وأقسام علمية في بعض الجامعات للاقتصاد الإسلامي.

وتخصص أساتذة مرموقون في الاقتصاد الإسلامي، وصلوا إلى مرتبة الأستاذية الجامعية.

وأسست مجلات، وأمسى “الاقتصاد الإسلامي” معترفاً به في مجال الدراسات الأكاديمية في داخل العالم الإسلامي وخارجه.

خدمة المجتمع

وكان للحركة الإسلامية دورها البارز في خدمة المجتمع، وقد أنشأ الأستاذ البنا رحمه الله في داخل جماعة الإخوان أقسام البر والخدمة الاجتماعية، وأراد بذلك أن تؤدي الجماعة واجبها في خدمة المجتمع من حولها، والنهوض به في شتى ميادينه، بحسب قدرة الجماعة وإمكاناتها المادية والبشرية، ولا سيما العناية بالمستضعفين في الأرض من الناس، من الفقراء واليتامى والأرامل والمرضى، وغيرهم من الفئات المسحوقة، التي تكدح ولا تجد من ثمرات كدحها ما يكفيها ومن تعول تمام الكفاية.

أنشأ الإخوان المستوصفات والعيادات لعلاج المرضى، والدور لرعاية اليتامى، ونظموا أمر الزكوات لمساعدة الفقراء، والمساكين والأرامل والعجزة.

وأسسوا لجاناً لإصلاح ذات البين؛ حتى لا تتفاقم الخلافات بين الناس، وتتحول شرارتها إلى نار تأكل الأخضر واليابس، وأسسوا المدارس لتعليم أبناء المسلمين، والحضانات لتعليم أطفالهم، وظهرت آثار ذلك في المجتمع المصري وفي كل مجتمع وجد فيه الإخوان.

وقد شبهت انشغال الحركة الإسلامية بالعمل الخيري وخدمة المجتمع بمن يزرع النخيل وأشجار الزيتون في حديقته، فإن هذه الأشجار لا تؤتي ثمرتها إلا بعد عدة سنوات، وهنا يشتغل المزارع الناجح هذه الفترة من الزمن في زراعة الأرض بمحصولات مفيدة سريعة الإنتاج مثل الخضراوات من الخيار والطماطم والفلفل ونحوها، وأحسب أن عمل هذا الفلاح أو البستاني عمل مقبول، لا يلومه عاقل عليه، لأنه انتفع بالأرض وبالوقت وبالطاقة فيما يفيد، ورحم الله امرءاً بذل ما يستطيع، وأجل ما لا يستطيع.


* العدد (1364)، ص44-46.

Exit mobile version