رسالة إلى المسؤولين الكبار[1]


فطر الله الناس على حب الأرض التي نشؤوا عليها، وعاشوا بين أهلها، مع الحنين إليها والانعطاف نحوها، وأقر الإسلام تلك العاطفة الوطنية، وحين سمع الرسول | بلالاً الحبشي رضي الله عنه ينشد شعراً يصف فيه مكة المكرمة، بعد أن شدّه الحنين إليها، جرى دمعه | وقال لبلال: «دع القلوب تقر»، ولا نبالغ إذا قلنا: إن الإسلاميين هم أحرص الناس على أوطانهم وصلاحها وحفظها وتقدمها وتطورها، وهذا أمر لا يتم في مجتمع مسلم إلا بالتمسك بالشريعة الإسلامية الغراء، ومن هذا المنطلق نتقدم بهذه النصيحة.

إن بلدنا الكويت بلد مسلم، دستوره ينص على ذلك، وقبل الدستور، فإن بين أيدينا كتاب الله وسُنة رسوله |، يتمسك الشعب الكويتي بهما، ولا يرضى عنهما بديلاً.

وقد تكفَّل الله بحفظ الأوطان، بإخلاصها لدينها وعقيدتها: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا) “الجن:16″، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) “نوح: 10-12″، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) “الأعراف:96”

وفي المقابل، فقد توعّد الله بالهلاك من يبعد عن طريق الرحمن: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا) “الطلاق:8”.

وفي التاريخ أمثلة وعِبر كثيرة للنموذجين السابقين.

ومن موقع المحب للكويت وأهلها المشفق عليها من سوء العاقبة -لا قدر الله- فإنني أدعوكم لأن نتعاون سوياً من أجل أن تكون الكويت بلداً إسلامياً بحق.. أدعوكم ونفسي، لأن نعمل من أجل سعادة الدنيا وحُسن العاقبة في الآخرة، لنكون من أصحاب الجنة -إن شاء الله- والطريق الوحيد الموصل إلى تلك الغاية هو التمسك بكتاب الله وسُنة نبيه |، والبعد عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى، ويستوجب سخطه.

إننا نشاهد في الآونة الأخيرة كثيراً من الأمور الخارجة على الشرع، بل وعلى القانون، ونرى المسؤولين لا يتحركون لإنفاذ القانون، ولو تعلق الأمر بأمن أحد من المسؤولين أو سلامته لرأيناهم يهبّون لتطبيقه على الفور، فكيف والأمر يتعلق بسلامة المجتمع كله، حاضره في الدنيا، ومستقبله في الآخرة وأنتم جزء منه؟!

فكيف يرضى المسؤولون بأن يُفتح الباب على مصراعيه لجلب الراقصات والمغنيات، سواء ما نشاهد اليوم ونسمع، أو ما كان في «هلا فبراير»؟! إن على وزارة الداخلية إيقاف تراخيص الراقصات والمغنيات، فذلك يصطدم من قيم الإسلام وأخلاق المسلمين.

وماذا عن الاستثمار البشري؟ إننا نلمس حرصاً على الاستثمارات المادية وحدها دون تفكير في الاستثمار والتنمية البشرية بتربية الأجيال تربية إسلامية صحيحة تؤهلها لمواجهة التحديات وبناء الوطن.

وماذا عن المخدرات وما يخطط لأن يقضي بواسطتها على الشباب وعلى التمسك بالدين والأخلاق والقيم؟!

وماذا عن الاختلاط المسفّ في الجامعة التي أصبحت كرنفالاً لعروض الأزياء دون حسيب أو رقيب؟! ولماذا لا يفعَّل قانون منع الاختلاط الذي أقره مجلس الأمة وإقرار لباس محتشم للطالبات، وللحافظ على المرأة وتكريمها، فإننا ندعو لوقف التوجهات التي تسعى للزج بالمرأة في مؤسسات لا يجوز عملها فيها شرعاً، ولا يتفق العمل فيها على طبيعة المرأة، ولا مع الأخلاقيات والقيم، تسلك الجيش والشرطة، حيث يقع الاختلاط بالشباب والأحداث، والتواجد ساعات طويلة خارج المنزل، وفي أماكن نائية، والتعرض لمخاطر لا ينبغي الزج بالمرأة الكويتية فيها؟

وماذا عن معظم وسائل الإعلام وما يُبثُّ فيها من مواد لا تراعي ظروف المجتمع الكويتي المسلم لا دينه ولا عقيدته، مع إمكان تقديم البديل السليم؟

وماذا عن التحديات الجديدة المتمثلة في الفضائيات والإنترنت…؟ كيف نحصِّن شبابنا من المفاسد الكثيرة التي تعجُّ بها، وندفعه لأن يأخذ منها المفيد النافع، ويدع الضار المرذول بدافع ذاتي من نفسه، دون حاجة إلى رقيب؟ وذلك بترسيخ العقيدة والتمسك بالدين، وماذا عن مناهج التربية والتعليم التي ينبغي تنقيتها وربما إحداث تغيير جذري في بعض مواردها؟ وماذا عن أوجه الفساد المالي مثل الرشى والاختلاسات، وأشد وأنكى منها انتشار الربا حتى أصبحت صروحه أعلى من منائر المساجد في الكويت؟

إن الواجب كبير، وعليكم أيها المسؤولون تقع المسؤولية، وستحاسبون عليها أمام الله عز وجل؛ (إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ) “الإسراء:7”.

إن الغالبية العظمى من أهل الكويت ترغب في أن تسير أمورها وفق شرع الله، ولذا فإننا نطالب بأن تتوافق قرارات المسؤولين مع ما يرضي الله ثم رغبات أهل الكويت، ليكون الجميع عوناً لبعضهم بعضاً على الفوز برضا الله سبحانه وتعالى، وقيام مجتمع قوي متماسك على أساس متين من مبادئ الإسلام الحنيف.

نسأل الله تعالى أن يحفظ الكويت وأهلها، وأن يعين مسؤوليها على سلوك كل طريق يؤدي إلى خيري الدنيا والآخرة، وإننا نأمل أن نلمس تغييراً جذرياً يحفظ على أهل الكويت دينهم وعقيدتهم قبل فوات الأوان ووقوع الندم حيث لا ينفع الندم.


[1] العدد (1450)، عام 2001م، ص12.

Exit mobile version