تأثير الأغنية الهابطة على الأسرة والمجتمع *

د. يوسف القرضاوي: انتشار هذا اللون دليل على فراغ القلب والعقل من الواجبات العظيمة

يؤصل د. يوسف القرضاوي رؤية الإسلام للغناء، مشيراً إلى أن الإسلام عندما أباح سماع الغناء وضع شروطاً لا بد من مراعاتها؛ حتى لا تخرج عن دائرة الحلال والحرام، وهي:

أولاً: لا بد أن يكون موضوع الأغنية متفقاً مع روح الإسلام وتعاليمه، فلا تدعو لفاحشة أو معصية، ولا تمجد الظَّلمة والطغاة والظالمين من الحكَّام، ولا تنهى عن خُلق دعا له الإسلام وحبَّب فيه.

ثانياً: طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهائجة، وإغراء القلوب المريضة، بنقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحُرمة أو الشُّبهة أو الكراهة، من مثل ما يُذاع على الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلحّ على جانب واحد، وهو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام!

إن القرآن الكريم يخاطب نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (الأحزاب: 32)، فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير؟!

ثالثاً: يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم؛ كشرب الخمر، أو التبرج، أو الاختلاط الماجن بين النساء والرجال بلا قيود ولا حدود.

رابعاً: يجب الانتباه إلى أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حباً فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسداً وشهوة فقط؛ لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية، وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل بين الدنيا والدين؛ في الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره، وغيرة وحماسة، وأُبوُّة وأمومة، وبنوّة وأخوّة وصداقة، فلكل عاطفة حقها.

أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة، فذلك على حساب العواطف الأخرى، وعلى حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلى حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته.

إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتى العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحاً؟

إن في هذا دليلاً على فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليلاً على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود وعمره القصير.

خامساً: تبقى أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غرائزه، ويغريه بالفتنة، ويطغى فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحي؛ فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.


* العدد (1211)، ص41-43 – 21 ربيع الأول 1417هـ – 6/8/1996م.  

Exit mobile version