واجبات الصحوة الإسلامية في القرن الحادي العشرين (1)

– إن الصحوة الإسلامية هي أمل الغد لأمتنا، وتستطيع أن تقود سفينة الإنقاذ بقوة وجدارة إذا ما ساعدناها على أداء رسالتها، وساعدت هي نفسها أيضاً، وذلك بما يلي:

أ‌- أن تكون صحوة لنا جميعاً، لا أن يقف فريق منا معها، وفريق يقاومها، ونقضي العمر في جذب وشد، دون أن ننجز شيئاً كبيراً.

يجب أن نقف كلنا وراء الصحوة، وأن يزول هذا التفريق بين “مسلمين” أو “إسلاميين”، مسلمين بوراثة العقيدة، وإسلاميين بالتوجه والولاء، يجب أن نكون كلنا إسلاميين، حتى غير المسلمين، يمكن أن يكونوا كذلك فيؤمنوا بحتمية الحل الإسلامي، وإن لم يؤمنوا بحقيقة الاعتقاد الإسلامي.

وأحب أن أنبه هنا على تمييز مهم، هو الفرق بين الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية.

فالحركة الإسلامية لها مدلول معين يعني ارتباطاً وتنظيماً وقيادة وجندية، أما الصحوة فهي تيار عام يشمل كل العاملين للإسلام؛ جماعات وأفراداً، ويضم معهم كل المهتمين والغيورين على الإسلام، وأمته وأوطانه، وإن لم يضمهم عنوان أو لافتة، أو لم يدخلوا في إطار أو جمعية.

الصحوة تيار تلقائي لا ينسب إلى جماعة بعينها، ولا إلى مدرسة فكرية بعينها، ولا إلى اتجاه سياسي بعينه، بل يضم الجميع في رحابه وفيحائه.

إنه التيار الذي لا يربط بين آحاده وفئاته إلا حب الإسلام، والاعتزاز به، والحرص على خير أمته، وإعلاء كلمته، والتمكين له في الأرض؛ عقيدة وفكراً وسلوكاً وتشريعاً ونظاماً للحياة.

ب- أن نوفر لها مناخ الحرية والأمان لتعمل بلا خوف ولا تربص، وبغير قيود، ودون حواجز وأسوار.

ففي مناخ الحرية تنطلق كلمة الإيمان الهادية، لتخاطب العقول فتعي، والقلوب فتهتدي، تستحث العزائم فتنهض، والقوى فتعمل وتنتج.

جـ- يجب ألا نتعامل مع الصحوة من عقدة الخوف، أو تنحرف كما انحرف “رجال الدين” في الغرب النصراني، أو كما انحرف رجال الملك في الشرق الإسلامي، وكأننا نحملها أوزار انحراف التاريخ كله في العالم كله.

علينا أن نعطيها الفرصة لقيادة الأمة في معركة التحرير، ومعركة البناء وسائر معاركها السبع، كما أعطيت للاتجاهات والحلول المستوردة الأخرى؛ يمينية ويسارية، ليبرالية وثورية.

فالحل الوحيد الذي لم يأخذ فرصته بعد النهضة هو الحل الإسلامي الذي تنادي به الصحوة، مع أنه الحل الذي يمثل القاعدة الجماهيرية العريضة في شعوبنا باعتراف جميع المراقبين والدارسين.

أما واجبات الصحوة، فهي:

أ- أن تنزل إلى الشعب، إلى الشارع العربي المسلم، وتتفاعل معه، تعلِّم الجاهل، وتقوّي الضعيف، وتعالج السقيم، وتقوِّم المنحرف، وتربِّي الجيل، وتأخذ بيد الضال إلى الهداية، والعاصي إلى التوبة، ولا تتعالى على المجتمع وهي جزء منه، ولا تنظر إليه على أنه هالك، وهي وحدها الناجية، ففي الحديث الصحيح: “إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم”، أي أقربهم إلى الهلاك لغروره وعجبه، واحتقاره لغيره.

ب- أن تصحح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام لدى الخاصة والعامة، سواء مفاهيم “الجمود” الموروثة من عهود التخلف، أم مفاهيم “الجحود” التي أدخلها الاستعمار الثقافي، وأن تقوم بدورها في “التوعية” تمهيداً لدورها في “التربية” وهما متكاملان.

جـ- أن تجعل أكبر همها أن تتسامح ولا تتعصب، وأن تجمع ولا تفرّق، وتدرك أن العالم من حولها شرقاً وغرباً ينسى خلافاته ويتقارب على كل مستوى؛ على المستوى الديني، تتقارب المذاهب النصرانية وتتقارب اليهودية والنصرانية، وقد رأينا وثيقة الفاتيكان في “تبرئة اليهود من دم المسيح”، وعلى المستوى السياسي نرى سياسة الوفاق بين العملاقين، برغم خلافهما العقائدي.

فلا يجوز أن تشتغل فصائل الصحوة بالمعارك الجانبية والمسائل الهامشية التي يتعذر أن يتفق الناس فيها على رأي واحد، ويهتموا بالقضايا المصيرية والمسائل الكبرى، ويتبنوا قاعدة المنار الذهبية “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.

ولا مانع من تعدد مدارس الصحوة وفصائلها، على أن يكون تعدد تخصص وتنوع، لا تعدد تناقض وتضاد.

د- أن تكون صحوة بناء لا هدم، وأن يكون همها إضاءة الشموع لا سب الظلام، وإماطة الأذى عن الطريق، لا لعن من وضعه فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث لعاناً، ولكن بعث رحمة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن سب الشيطان: “لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إن قلت ذلك انتفخ حتى يصير كالجبل، ويقول: صرعته بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنه يتصاغر حتى يصبح كالذباب”.

هـ- أن تفتح باب الحوار مع كل التيارات الوطنية المخالفة، مؤكدة لمواضع الاتفاق، متفاهمة في نقاط الاختلاف، داعية –كما أمر الله تعالى– بالحكمة لا بالسفاهة، وبالموعظة الحسنة، لا بالحملة العنيفة، وبالجدال بالتي هي أحسن، لا بالتي هي أخشن.

و- ألا تشتغل بالفروع عن الأصول، ولا بالجزئيات عن الكليات، ولا بالشكل عن الجوهر، ولا بالنوافل عن الفرائض، وأن تتعمق في “فقه مراتب الأعمال”، حتى لا تختل النسب الشرعية بين التكاليف، فتقدم ما حقه التأخير، وتؤخر ما حقه التقديم، وتعظم الهين من الأمور، وتهون العظيم، وقد قال الإمام الغزالي بحق: “فقد الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور”، كما قرر علماؤنا: إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدَّى الفريضة، ولا يقبل الفروع ممن ضيَّع الأصول.

ز- أن تراعي سُنن الله في خلقه، وهي سنن ثابتة لا تتبدل، صارمة لا تجامل، فلا تلتمس حصاداً بغير زرع، ولا تستعجل ثمرة قبل أوان نضجها، وتعلم أن لكل شيء في الكون قانونه المطرد، فمن صادم قوانين الكون صدمته، ومن غالبها غلبته، ومن عمل من خلالها مهتدياً بهدي الله كان نصيبه الفلاح في الأولى والآخرة.


([1]) العدد (1416)، ص59 – 7 جمادى الآخرة 1421ه – 5/9/2000م.  

Exit mobile version