هل السياسة أمر مُنكر (3-3)

في هذا العدد يتابع د. يوسف القرضاوي الرد على الذين يقولون: إن الإسلام ينبغي أن يبتعد عن السياسة، قائلاً: السياسة –من الناحية النظرية– علم له أهمية ومنزلته، وهي –من الناحية العملية– مهنة، وهي –من الناحية العملية– مهنة لها شرفها ونفعها؛ لأنها تتعلق بتدبير أمر الخلق على أحسن وجه ممكن.

نقل الإمام ابن القيم عن الإمام أبي الوفاء ابن عقل الحنبلي: أن السياسة هي الفعل الذي يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، ما دامت لا تخالف الشرع.

وذكر ابن القيم: أن السياسة العادلة لا تكون مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعاً لمصطلحكم، وإنما هي عدل الله ورسوله. (انظر: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص 13-15، ط السنة المحمدة).

وقد نبه علماؤنا السابقون إلى قيمة السياسة وفضلها، حتى قال الإمام الغزالي: “إن الدنيا مزرعة الآخرة، ولا يتم الدين إلا بالدنيا، والملك والدين توأمان، فالدين أصل، والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع” (إحياء علوم الدين 1/17، باب العلم الذي هو فرض كفاية، ط دار المعرفة بيروت).

وقد عرفوا الإمامة أو الخلافة بأنها: نيابة عامة عن صاحب الشرع –وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم– في “حراسة” الدين و”سياسة” الدنيا به. (انظر: النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس، ص 125، ط السادسة)، فالخلافة حراسة وسياسة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سياسياً، بجوار كونه مبلِّغاً وقاضياً، وكان خلفاؤه الراشدون المهديون من بعده سياسيين على نهجه وطريقته، حيث ساسوا الأمة بالعدل والإحسان، وقادوها بالعلم والإيمان.

لكن الناس في عصرنا وفي أقطارنا خاصة من كثرة ما عانوا من السياسة وأهلها، سواء كانت سياسة الاستعمار أم سياسة الحكام الخونة، أو الحكام الظلمة، كرهوا السياسة، وكل ما يتعلق بها، وخصوصاً بعدما أصبحت فلسفة “مكيافيلي” هي المسيطرة على السياسة والموجِّهة لها.

ومن ثم استغل خصوم الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية بُغض الناس للسياسة، وضيقهم بها، ونفورهم منها، ليصفوا الإسلام الشامل المتكامل الذي يدعو إليه الإسلاميون اليوم بأنه “الإسلام السياسي”.

ولقد أصبح من المألوف الآن وصف كل ما يتميز به المسلم الملتزم بأنه “سياسي” ويكفي هذا ذماً له وتنفيراً منه!

مظاهر سياسية

ذهبت بعض الفتيات المسلمات المحجبات في بلد من بلاد المغرب العربي إلى شخصية لها منصب ديني وسياسي، يشتكين إليه أن بعض الكليات تشترط عليهن –لكي يقبلن فيها– أن يخلعن الحجاب، وهن يستشفعن به في إعفائهن من هذا الشرط الذي يفرض عليهن كشف الرأس ولبس القصير، وهو ما حرَّم الله ورسوله، وما كان أشد دهشة هؤلاء الطالبات الملتزمات حين قال لهن هذا الرجل المشفّع: إن هذا الذي ترتدينه ليس مجرد حجاب، إنه زي سياسي!

وقبله قال العلماني الأكبر في تونس: إنه زي طائفي!

وقال آخر عن صلاة العيد في الخلاء: إنها ليست سُنة، إنما هي صلاة سياسية!

والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان قالوا: إنه اعتكاف سياسي!

ولا نستبعد أن يأتي وقت تكون فيه صلاة الجماعة في المسجد صلاة سياسية!

وقراءة الغزوات في كتاب مثل “سيرة ابن هشام”، أو “إمتاع الأسماع”، أو “المغازي من صحيح البخاري” قراءة سياسية.

وقد تصبح قراءة القرآن الكريم نفسه –وخصوصاً سوراً معينة منه– تلاوة سياسية!

ولم ننسَ عهداً كان من الأدلة التي تقدَّم ضد المتهمين فيه حفظ سورة “الأنفال”؛ لأنها سورة جهاد، الله أعلم.


العدد (1497)، ص58-59 – 7 صفر 1423ه – 20/4/2002م.    

Exit mobile version