قصيدة “سراب السلام” للشيخ د. يوسف القرضاوي [1]


على العينين والرأس

سلام الحبر والطرس!

سلام الضحية الكبرى

كأن القوم في عرس!

علام؟ ولا عرس هنا

ولم نشهد سوى البؤس

ولم نسمع زغاريد السرو

ر وفرحة الأنس

سوى صرخات كل الشعــ

ـــب من رفح لنابلس

وأنات ثكالى الظلــ

              ــــم من أم ومن عرس

وزمجرة احتجاج الشم

أسرى السجن والحبس

***

وقالوا: صفقة للسلم

نطرحها بلا بخس

مقايضة عجبت لها

بسوق الغبن والمكس

سلام يشتري بالأرض

لا بالسنت والبئس

يبيع الأرض غاصبها

لأهل الأرض، من تعس

ولا حق له في الأرض

من خمس ولا سدس

ويقبض سلمه ثمناً

ليحيا سالم الرأس

***

سلام من بني صهيون؟!

عفواً يا بني جنسي!

أيرجى السلم من ذئب؟

أيرجى الدر من تيس؟

لقاءات على دخن

لشرب الشاي والبيبسي!

وأخبار تجوز الأرض

بالتيلكس والفاكس

فوفد بعد وفد

إلى مدريد أو جرسي

تنازل وفدنا وبدا

حريراً لين اللمس

ووفد الخصم كالجلمود

في الشدة اليبس

حوار غير ذي جدوى

حوار الصم والخرس!

***

وقالوا: أبشروا بالسلم

يا عرب امرئ القيس

بدت في الأفق طلعة شمسه

صفراء كالورس

تولى عهد شامير

شبيه الأسود العنسي

وأقبل بعد رابين

أخو عنترة العبسي

ورابين كشامير

فمن نحسن، إلى نحس

فلا أسوأ من هذا

سوى هذا، وبالعكس

أفاع كلها سم

وإن نعمت لدى اللمس

***

فيا عجبا لمن يجري

وراء سرابه النفسي

يظن له به ربا

ويرجع فارغ الكأس

يفرط في دم الشهداء

بالعار والبؤس

يبيع الأرض والتاريخ

بالأرخص من فلس

بحكم في حمى صهيون

يا للثمن البخس

فلا دولته قامت

ولا أبقى على النفس

وضاع جهاد أجيال

فقد دفنوه في الرمس

جهود كلها ذهبت

“كان لم تغن بالأمس”

فما معنى فلسطين

بلا أقصى ولا قدس؟

فلسطين بلا قدس

كجثمان بلا رأس

***

فيا أرض النبوات اصبري

للكيد والدس

ويا أهل الجهاد امضوا

حداد العزم والبأس

أعدوا الجيل للجلي

ليوم ليس بالمنسي

به ينتصر الحق

على البهتان والرجس

وتنطق باسمنا الأحجار

دون عمى ولا لبس

يقين ما به ريب

يكاد يحس باللمس

وجيل النصر لا يبنى

بغير الدين والدرس

جهاد دون إيمان

كبنيان بلا رأس

هو الجيل الذي يعرق

للزرع وللغرس

***

يعيش ليرضى الرحمن

لا للبطن والجنس

ويلزم منهج الإسلام

إذ يضحى وإذ يمسي

وينصره ببذل الروح

كالخزرج والأوس

يفكر كابن خلدون

وفي اليد سيف بيبرس

يرى المصحف والرشاش

خدني دربه القدسي

فيرسل ناره حمماً

ويقرأ آية الكرسي

يرد الرمح بالرمح

ويرمي القوس بالقوس

ويدعو الله في سحر

وفي صلواته الخمس

ويتلو ورده اليومي

بالجهر وبالهمس

ولا يرتاح من جن

ولا يؤجل من إنس

يريد شهادة تدنيه

من رب وفردوس

ولا ييأس إن طال

الدجى من مشرق الشمسي

فلا يأس مع الدين

ولا دين مع اليأس

***

ومن عاش بلا دين

يعش مضطرب النفس

كلفظ ماله معنى

كتمثال من الجبس

كمصروع لشيطان

نخبطه من المس

فيمسى غير ما يضحى

ويصح غير ما يمسي

يسير لغير ما هدف

على الرجل أو الرأس

ولا تدري سفينته

علام ولا متى ترسي؟

***

إذا اعتزت يهود بدينها

معلية الجرس

وقالوا: عندنا التوراة

ذات الصحف الخمس

أو استندوا إلى التلمود

في تزكية الجنس

فقولوا: عندنا القرآن

نور العقل والحس

كتاب الله محفوظ

من التحريف والطمس

***

هو المعجزة الكبرى

يقيناً ليس بالحدس

هو الإسلام موئلنا

بدا البرهان كالشمس

وهادينا إلى الوسطى

بلا شطط ولا وكس

إليه ننتمي ونلوذ

لا لتميم ولا قيس

ونحن بغيره عزل

بلا سيف ولا ترس

هدينا باسمه الدنيا

وقدنا عالم الأمس

لنا الرومان قد خضعوا

ودانت دولة الفرس


([1]) العدد (1068)، ص 34-35 – بتاريخ: 12 ربيع الآخر 1414هـ – 28 ديسمبر 1993م.  

Exit mobile version