الإخوان والتصوف (1)

الذين يعادون التصوف يتهمون الإخوان بأنهم جماعة صوفية، ويستدلون لذلك بأن حسن البنا نشأ في طريقة صوفية، كما حدثنا بقلمه عن نفسه في مذكراته، وهي “الطريقة الحصافية”، وبأن البنا رحمه الله قال عن دعوة الإخوان: إنها حقيقة صوفية، وبأن للتربية الصوفية أثرها لدى الإخوان في كثير من المظاهر، ومنها المبالغة في حب بعضهم بعضاً، والغلو في احترام شيخهم البنا.

أما جماعات الطرق الصوفية فهم على العكس من ذلك تماماً، فهم يرون الإخوان جماعية سلفية وهابية تنكر على المتصوفة كثيراً من أفكارهم وأذكارهم وسلوكياتهم، وتصف ذلك بأنه بدع وضلالات، مثل طوافهم حول أضرحة الأولياء، واستغاثتهم بهم، وعمل الموالد لهم، إلى آخر هذه السلوكيات المعهودة عند الطرق الصوفية في شتى البلاد الإسلامية.

والحقيقة أن دعوة الإخوان مزيج رائع من “السلفية المتصوفة”، و”الصوفية المتسلفة”، وهي كما شرحها مؤسسها رحمه الله دعوة سلفية، وحقيقة صوفية.

هي دعوة سلفية: لأن الإخوان يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينة الصافي من كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهي حقيقة صوفية: لأنهم يعملون على أساس التزكية وطهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

فهذا هو التصوف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا، إنها ليست الموالد والعوائد، وليست الشركيات في العقيدة، ولا البدعيات في العبادة، ولا السلبيات في التربية التي تجعل المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل!

التصوف الحق عند حسن البنا يتمثل أول ما يتمثل في طهارة النفس ونقاء القلب، فتزكية النفس هي أول سبيل الفلاح؛ (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس).

والقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح الإنسان كله، وإذا فسدت فسد الإنسان كله، وسلامته أساس النجاة يوم القيامة؛ (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء)، فلا بد من المجاهدة لنقاء هذا القلب وصفائه وطهارته من معاصي القلوب وأخطارها.

والحب في الله دعامة من الدعائم التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، فكما تربط بينها المفاهيم المشتركة والفكرة الواحدة تربط بين أبنائها العواطف المشتركة، وأعظم هذه العواطف وأخلدها وأعمقها هو الحب في الله، فهو حب لا يقوم على عرض من الدنيا، أو مال أو جاه، أو متعة، أو نحو ذلك، بل يقوم على الإيمان بالله تعالى، والتقرب إليه والرغبة في نصرة الإسلام، وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

لقد استفاد الأستاذ البنا من تجربته الصوفية، أخذ منها ما صفا، وترك ما كدر، وهو موقف كل الرجال الربانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضد التصوف بإطلاق، كما يتصور أو يصور بعض من يقول بالانتساب إلى مدرستهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحب له، ومن رجال التربية الإيمانية والسلوك الرباني، كما بدأ ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها “مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات إياك نعبد وإياك نستعين”.

وكثير من دعاة الإخوان نجد عندهم ما ليس عند غيرهم من الذوق الوجداني، والشوق الإيماني، والتألق النوراني، والتوجه الرباني، الذي يجعل كلامهم يمس شغاف القلوب، ويلمس أوتار الأرواح، فيؤثر فيها رغبة ورهبة، وجدنا ذلك عند شيخنا البهي الخولي في كتابه “تذكرة الدعاة” وحديثه الفياض فيه عن “الروحانية الاجتماعية”، وكتابه “آدم عليه السلام”، ومقالاته في مجلة “المسلمون” عن “العارفين”، وحديثه معنا في طنطا قديماً ونحن طلاب في كتيبة الذبيح يعني إسماعيل عليه السلام.

ووجدنا ذلك عند الداعية المحبوب الذي كان في شيابه شعلة متقدة سعيد رمضان، ووجدنا ذلك عند شيخنا محمد الغزالي، كما بيَّنت ذلك في كتابي عنه “الغزالي كما عرفته”، ووجدنا ذلك في كتابات عبدالعزيز كامل قديماً، وعمر التلمساني، ومصطفى مشهور، وعباس السيسي.. وغيرهم.

وقد بدأنا منذ سنوات كتابة سلسلة “في الطريق إلى الله”، أصدرنا فيها أربعة كتب عن “الحياة الربانية والعلم”، وعن “النية والإخلاص”، و”التوكل”، و”التوبة إلى الله”، ونسأل الله أن يعيننا على إكمالها، ونحن نسير فيها إلى “تصويف السلفية”، و”تسليف الصوفية”، كما قال الأستاذ محمد المبارك رحمه الله.

ومن أبرز ما يتميز به الصوفية الصادقون ثلاثة أشياء: الاستقامة، والمحبة، وطاعة الشيخ، وهذه مقومات أساسية في التربية الإخوانية.

وللأستاذ البنا رأي في التصوف والصوفية سجله في مذكراته، يحسن بنا أن ننقله هنا، لما يعرفنا بموقف الرجل النظري والعملي من التصوف والطرق الصوفية وأهلها، والرغبة في إصلاحها.

قال رحمه الله: حين اتسع عمران الدولة الإسلامية صدر القرون الأول وكثرت فتوحها، وأقبلت الدنيا على المسلمين من كل مكان، وجبيت إليهم ثمرات كل شيء، وكان خليفتهم بعد ذلك يقول للسحابة في كبد السماء: شرّقي أو غرّبي فحيثما وقع مطرك جاءني خراجه، كان طبيعياً أن يُقبلوا على هذه الدنيا يتمتعون بنعيمها ويتذوقون حلاوتها وخيراتها في اقتصاد أحياناً وفي إسراف أحياناً أخرى، وكان طبيعياً أمام هذا التحول الاجتماعي من تقشف عصر النبوة الزاهرة إلى لين الحياة ونضارتها فيما بعد ذلك أن يقوم من الصالحين الأتقياء العلماء الفضلاء دعاة مؤثرون يزهدون الناس في متاع هذه الحياة الزائل، ويذكرونهم بما قد ينسونه من متع الآخرة الباقي؛ (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 64)، ومن أول هؤلاء الذين عرفت عنهم هذه الدعوة الإمام الواعظ الجليل الحسن البصري، وتبعه على ذلك كثير من أضرابه الدعاة الصالحين، فكانت طائفة في الناس معروفة بهذه الدعوة إلى ذكر الله واليوم الآخر والزهادة في الدنيا وتربية النفوس على طاعة الله وتقواه.

وطرأ على هذه الحقائق ما طرأ على غيرها من حقائق المعارف الإسلامية، فأخذت صورة العلم الذي ينظم سلوك الإنسان، ويرسم له طريقاً من الحياة خاصاً؛ مراحل الذكر والعبادة ومعرفة الله، ونهايته الوصول إلى الجنة ومرضاة الله.

وهذا القسم من علوم التصوف وأسميه “علوم التربية والسلوك” لا شك أنه من لب الإسلام وصميمه، ولا شك أن الصوفية قد بلغوا به مرتبة من علاج النفوس ودوائها، والطب لها والرقي بها، لم يبلغ إليها غيرهم من المربين، ولا شك أنهم حملوا الناس بهذا الأسلوب على خطة عملية من حيث أداء فرائض الله واجتناب نواهيه، وصدق التوجه إليه، وإن كان ذلك لم يخل من المبالغة في كثير من الأحيان تأثراً بروح العصور التي عاشت فيها هذه الدعوات؛ كالمبالغة في الصمت والجوع والسهر والعزلة، ولذلك كله أصل في الدين يرد إليه، فالصمت أصله الإعراض عن اللغو، والجوع أصله التطوع بالصوم، والسهر أصله قيام الليل، والعزلة أصلها كف الأذى عن النفس ووجوب العناية بها، ولو وقف التطبيق العملي عند هذه الحدود التي رسمها الشارع لكان في ذلك كل الخير.

ولكن فكرة الدعوة الصوفية لم تقف عند حد علم السلوك والتربية، ولو وقفت عند هذا الحد لكان خيراً لها وللناس، ولكنها جاوزت ذلك بعد العصور الأولى إلى تحليل الأذواق والمواجد، ومزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة إلى الزهد والتقشف والرغبة في الحصول على هذه النتائج الروحية الباهرة.

وأصبح كل ما يكتب أو يقال في هذه الناحية يجب أن يكون محل نظر دقيق من الناظرين في دين الله والحريصين على صفائه ونقائه.

وجاء بعد ذلك دور التشكيل العملي للفكرة، فنشأت فرق الصوفية وطوائفهم، كل على حسب أسلوبه في التربية، وتدخلت السياسة بعد ذلك لتتخذ من هذه التشكيلات تكأة عند اللزوم، ونظمت الطوائف أحياناً على هيئة النظم العسكرية، وأخرى على هيئة الجمعيات الخاصة، حتى انتهت إلى ما انتهت إليه اليوم من هذه الصورة الأثرية التي جمعت بقية ألوان هذا التاريخ الطويل، التي يمثلها الآن في مصر “مشيخة الطرق الصوفية” ورجالها وأتباعها.

ولا شك أن التصوف والطرق كانت من أكبر العوامل في نشر الإسلام في كثير من البلدان وإيصاله إلى جهات نائية ما كان إلا على يد هؤلاء الدعاة، كما حدث ويحدث في بلدان أفريقيا وصحاريها ووسطها، وفي كثير من جهات آسيا كذلك.

ولا شك أن الأخذ بقواعد التصوف من ناحية التربية والسلوك له الأثر القوي في النفوس والقلوب، ولكلام الصوفية في هذا الباب صولة ليست لكلام غيرهم من الناس، ولكن هذا الخلط أفسد كثيراً من هذه الفوائد وقضى عليها.

من واجب المصلحين أن يطيلوا التفكير في إصلاح هذه الطوائف من الناس، وإصلاحهم سهل ميسور وعندهم الاستعداد الكامل له، ولعلهم أقرب الناس إليه لو وُجهوا نحوه توجيهاً صحيحاً، وذلك لا يستلزم أكثر من أن يتفرغ نفر من العلماء الصالحين العاملين، والوعَّاظ الصادقين المخلصين، لدراسة هذه المجتمعات والإفادة من هذه الثروة العلمية، وتخليصها مما علق بها، وقيادة هذه الجماهير بعد ذلك قيادة صالحة.

أثر التصوف على الإخوان

أما قول المعترضين على الإخوان بأنهم يبالغون في حب بعضهم بعضاً، وإن هذا من أثر التصوف عليهم، فهذه مزية تحسب للإخوان، وليس عيباً يؤخذ عليهم، وهذا الحب هو الذي نفع الإخوان في المحن الشداد، التي خاضوا لججها، واكتووا بنارها، فلم ينس بعضهم بعضاً، ولم يقل أحدهم: نفسي نفسي، بل كانوا يتقاسمون القليل في معتقلاتهم، وكان الإخوان في الخارج يعولون أسر إخوانهم المسجونين والمعتقلين، مضحين مغامرين، وكثيراً ما ضُبطوا وقُيِّدوا إلى المحاكمة، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله.

لقد قيل عن ترابط الإخوان وتوادهم وتعاطفهم في مصر: هذه الجماعة التي إذا عطس أحدهم في الإسكندرية قال من في أسوان يرحمك الله!

وأذكر أن الداعية الفقيه الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله ذكر لي: أنه سافر في سنواته الأخيرة للعلاج في أوروبا، وكان يعاني من آلام مضنية، فوجد إخوة ينتظرونه في كل مطار ينزل به، ويرتبون له الأمور، يقول الشيخ: وأنا والله لا أعرفهم، ولا هم من وطني، ولكنه “الحب في الله”، الذي تميزت به هذه الدعوة، قال ذلك وعيناه مغرورتان بالدموع.

حب حسن البنا

وأما قولهم: إن الإخوان غلوا في حب حسن البنا إلى درجة التقديس، فهذه مبالغة غير مقبولة، ولا يرضاها أي أخ مسلم يعرف دعوته، ولكنها المحبة الفطرية للقائد، والتوقير له شرعاً، لأنه من الحب في الله، ومن توقير الكبير، والمعرفة بقدر العالم، وفي الحديث: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا”، وفي لفظ: “ويعرف شرف كبيرنا”، وإذا كان في الإخوان من يخرج عن هذا الحد فهو شذوذ مرفوض، لا يُسأل عنه حسن البنا رحمه الله، وقديماً قال فقهاؤنا: النادر لا حكم له، فكيف بالشاذ؟!

وأنا واحد من الإخوان وتلميذ حسن البنا، ولم أجد حرجاً في أن أخالفه في بعض ما اجتهد، فليت شعري أين التقديس الذي يزعمونه من الإخوان لمرشدهم؟

الحق أن لا تقديس ولا اعتقاد بعصمة، ولكنه الحب والتقدير للقائد، وهو أدب من آداب الإسلام.

وأختتم هذه المباحث بالجواب عن سؤال كبير هو: لماذا تعادي فئات مختلفة في الداخل والخارج حركة الإخوان المسلمين؟ ومن المسؤول عن هذه العداوة؛ أهم الإخوان أم الذين يعادونهم؟ ويهمني أن أبين هنا حقيقتين ناصعتين:

الأولى: أن أحداً لا يستطيع أن يرضي جميع الناس، وقديماً قالوا في الأمثال: رضا الناس غاية لا تُدرك.

وقال الشاعر:

ومن في الناس يرضي كل نفس

وبين هوى النفوس مدى بعيد؟

والحقيقة الثانية: أن الكون كله قائم على التباين والتقابل؛ فالنهار يقابله الليل، والنور يقابله الظلام، والخصب يقابله الجدب، والبصر يقابله العمى، والحياة يقابلها الموت، وكذلك الحق يقابله الباطل، والهدى يقابله الضلال، والتوحيد يقابله الشرك، والتقوى يقابلها الفجور، والمؤمنون يقابلهم الكفار، والمتقون يقابلهم الفجار، وهذه سُنة الله في خلقه.

وإذا كان في الناس من عادى الله تعالى؛ خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء) (الممتحنة: 1) فبيَّن أن هناك أعداء لله، فكيف يطمع المخلوق ألا يكون له أعداء، مهما تكن صفحته بيضاء؟

فكيف بجماعة جاءت بدعوة لها أهداف ومبادئ لا يمكن أن يرضى عنها كل الناس؟

إن هناك أناساً وجدوا في هذه الدعوة قيوداً على سرقاتهم وأطماعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، فلا غرو أن يعادوا دعوة الإخوان؛ دفاعاً عن مصالحهم التي كسبوها بالباطل، ولكنهم لا يعلنون ذلك بصراحة، بل يغفلّون ذلك بأغلفة شتى، حتى لا تظهر لصوصيتهم ولا فجورهم للناس، وهناك آخرون رأوا في دعوة الإخوان قيوداً على ملذاتهم، وشهواتهم المحرمة؛ من الخمر والميسر والنساء وغيرها مما تتيحه لهم الأنظمة الوضعية؛ فهم لذلك يقاومون هذه الدعوة التي تضيّق عليهم ما كان موسعاً لهم، على طريقة قوم لوط الذين دعاهم إلى الإيمان والطهارة من القذارة، فقالوا: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون!

وهناك من يعادون الإخوان لأنهم يجهلون حقيقة دعوتهم، ولا يعرفون أهدافها ولا مناهجها ووسائلها، ولا القائمين عليها، وقد قال العرب: من جهل شيئاً عاداه.

وقد ساعد الإعلام المعادي للإخوان –في الغرب والشرق ومن الداخل والخارج– على تشويه صورتهم وتجهيل الناس بحقيقة أمرهم، وإظهارهم في شكل منفّر، كأنهم يعوّقون التقدم، ويرجعون بالناس القهقري، ويقفون ضد الحريات ويجمدون الحياة.

وهناك من يعادون الإخوان، لأنهم يعادون الإسلام؛ رسالته وحضارته وأمته، ويتوجسون خيفة من انبعاثه وصحوته، أو يتميزون غيظاً كلما نهض من عثرته أو قرب من جمع كلمته، ونرى هذا يتجسد في القوى الصهيونية والصليبية والشيوعية ومن دار في فلكها، فلا يتصور من هؤلاء أن يفتحوا قلوبهم للإخوان، وأن يرحبوا بدعوتهم، بل هي مصنفة في قائمة الأعداء أبداً، وهو ما لا نزال نشاهده إلى اليوم مهما حاول الإخوان أن يبيِّنوا وجه المرونة في دعوتهم، والانفتاح في وجهتهم، ويفتحوا صفحة للحوار مع الآخر، ويتبنوا فكرة الوسطية والاعتدال في مواقفهم، حتى اتهمهم المتشددون بتمييع الإسلام، وتقديم التنازلات دون مقابل.

ومع هذا رأينا الغرب المعادي والمتأثر باللوبي الصهيوني يزداد بُعداً كلما ازددنا منه قرباً، ويخوف من الصحوة الإسلامية ومما سماه “الخطر الإسلامي” الذي أطلق عليه “الخطر الأخضر”، بل غدا يحذر من “الإسلام المعتدل” بعد أن كان يحذر من “الإسلام المتطرف”، ويقول: إن الإسلام المعتدل أشد خطراً لأنه أبقى أثراً وأطول عمراً، وفي مثل هؤلاء جاء قوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)؛ أي لا يرضيهم شيء إلا ترك الإسلام تماماً، والدخول في دينهم، وهو مستحيل.

ولقد بيَّن القرآن نية أعداء الإسلام الكارهين له فقال عز من قائل: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة: 217).

فانظر إلى هذه الصيغة “لا يزالون” التي تشعر بالاستمرار وإلى الهدف، “حتى يردوكم عن دينكم” والمعركة دائرة الرحى ومستمرة، ما دام في الدنيا حق وباطل وإيمان وكفر.

ومن فضل الله تعالى أن قال: “إن استطاعوا” فقيدها بـ “إن” الشرطية التي تفيد التشكيك، ولن يستطيعوا إن شاء الله.


([1]) العدد (1371)، ص44–46 – 3 رجب 1420ه – 12/10/1999م.

Exit mobile version