الانتخابات التركية المقبلة.. خريطة التحالفات

 

استخدم الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» صلاحياته بخصوص الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان مخططاً أن تجرى في يونيو المقبل، معلناً تبكيرها لـ14 مايو، ومعللاً ذلك بمراعاة ظروف المواطنين من إجازة صيفية وفريضة الحج والامتحانات الجامعية.

سيتوجه عشرات ملايين الناخبين الأتراك، في مايو المقبل، لاختيار الرئيس القادم، وكذلك نواب البرلمان الذين يبلغ عددهم 600 عضو، وهي انتخابات لطالما وصفت بالمصيرية؛ إذ تجرى في أجواء استثنائية من حيث الأوضاع الاقتصادية والتحالفات القائمة، فضلاً عن تزامنها مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، إضافة لأنها تُجرى في ظل حالة استقطاب غير مسبوقة وتحالفات مستجدة في الساحة السياسية الداخلية.

ذلك أن حزب العدالة والتنمية، الذي أسس في عام 2001م، وفاز في أول انتخابات خاضها (2002م)، مستلماً حكم البلاد من وقتها، وفائزاً بكل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها حتى الآن؛ يواجه لأول مرة تحالفاً يضم أحزاباً تشابهه في الأيديولوجيا والأفكار، بل ويقودها سياسيون كانوا ضمن القيادات البارزة في الحزب الحاكم والحكومة، وكانوا من صناع إنجازاتهما.

فمنذ فبراير 2022م، تجتمع 6 أحزاب تركية معارضة في إطار أسمته «الطاولة السداسية»؛ لتنسيق الجهود فيما بينها للعودة بالبلاد –في حال فازت بالانتخابات– للنظام البرلماني، 4 من هذه الأحزاب كانت شكلت منذ أعوام «تحالف الشعب» المعارض، وخاضت الانتخابات البرلمانية عام 2018م، والبلدية عام 2019 معاً، وهي أحزاب: الشعب الجمهوري (الكمالي، أكبر أحزاب المعارضة)، والجيد (القومي)، والسعادة (الإسلامي)، والديمقراطي (الليبرالي).

ومنذ بداية العام الماضي، انضم لها حزبا المستقبل برئاسة «أحمد داود أوغلو»، الرئيس الأسبق للحكومة وحزب العدالة والتنمية الذي استقال منه عام 2015م وخرج منه لاحقاً، والديمقراطية والتقدم برئاسة «علي باباجان» الذي قاد دفة الاقتصاد في حكومات العدالة والتنمية المتتالية قبل أن يخرج منه هو الآخر.

وعلى مدى أكثر من عام، توافقت «الطاولة السداسية» على مبادئ النظام البرلماني المعزز الذي تعِد بإقراره حال فوزها، وكذلك على خريطة طريق الفترة الانتقالية للانتقال من النظام الرئاسي للبرلماني، وبرنامج الحكومة المقبلة المفترضة بعد الانتخابات، ثم أخيراً، وفي بداية مارس الماضي، اتفقت الطاولة السداسية على تقديم رئيس حزب الشعب الجمهوري «كليجدار أوغلو» مرشحاً توافقياً لها للانتخابات الرئاسية، بعد أزمة كادت أن تعصف بها وتشتتها.

في المقابل، ما زال الرئيس التركي محافظاً على تماسك «تحالف الجمهور» الذي يقوده منذ عام 2017م، الذي يضم أحزاب: العدالة والتنمية (الحاكم)، والحركة القومية، والاتحاد الكبير (القوميَّيْن).

من جهة ثانية، يسعى كل من التحالفين لضم أحزاب إضافية في ظل حالة الاستقطاب وأهمية كل صوت؛ ولذلك يتواصل التحالف الحاكم مع أحزاب يمينية مثل الرفاه مجدداً بقيادة «فاتح أربكان»، نجل رئيس الوزراء الأسبق ومؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان، وحزب الدعوة الحرة الكردي الإسلامي، وبعض أحزاب يمين الوسط الصغيرة، في المقابل يسعى تحالف الشعب المعارض للحديث مع أحزاب يسارية في مقدمتها حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي).

لكن، ورغم أن الوقت ما زال متاحاً، فإنه يبدو من الصعب ضم أحزاب جديدة للتحالفين القائمين، ولذلك سيسعى كل مرشح رئاسي للحصول على دعم هذه الأحزاب من الخارج بشكل رسمي أو غير رسمي.

إضافة للتحالفَيْن الرئيسين، هناك كذلك تحالف «العمل والحرية» الذي يضم عدداً من الأحزاب اليسارية بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي، وتحالف «أتا» الذي يضم عدداً من الأحزاب اليمينية يقودها حزب النصر اليمين المعادي للاجئين، فضلاً عن تحالفات أخرى أصغر حجماً وأضعف حضوراً.

سيكون صعباً على التحالفات القائمة أن تتحالف بشكل كامل في الانتخابات البرلمانية بسبب تعديل قانون الانتخاب مؤخراً، ولذلك ستسعى للتنسيق فيما بينها ودعم المرشحين الأوفر حظاً في دوائر بعينها، أو الانسحاب لصالح بعضها بعضاً في دوائر أخرى، أو تقديم مرشحين من الأحزاب الصغيرة على قوائم الأحزاب الكبيرة وخصوصاً العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري في طرفَيْ المعادلة.

المرشحون الرئاسيون

ولذلك، سيكون مسار التعاون الأهم والأساسي لهذه التحالفات هو الانتخابات الرئاسية، التي هي الأهم بطبيعة الحال إذ تحكم البلاد وفق النظام الرئاسي الذي يعطي صلاحيات واسعة للرئيس، حتى لحظة كتابة هذه السطور، وقبل إعلان الهيئة العليا للانتخابات عن القائمة النهائية، تقدم بطلب الترشح 9 مرشحين رئاسيين، في مقدمتهم الرئيس «طيب أردوغان»، وزعيم المعارضة «كليجدار أوغلو».

وإضافة لهما، تقدم بالطلب القيادي السابق في الشعب الجمهوري رئيس حزب البلد المعارض حالياً المرشح الرئاسي السابق «محرم إينجة»، وكذلك القيادي السابق في حزب الحركة القومية مرشح تحالف «أتا» «سينان أوغان»، ورئيس حزب الرفاه مجدداً «فاتح أربكان»، ورئيس حزب الوطن الداعم لـ«أردوغان» –من خارج التحالف– «دوغو برينتشاك»، فضلاً عن مرشحين آخرين أقل شهرة وحضوراً.

ولأن حالة الاستقطاب كبيرة والمعركة تدور حول الانتخابات الرئاسية في ذكرى تأسيس الجمهورية، فإن الأحزاب التي بقيت خارج إطار التحالفات باتت أكثر أهمية من السابق، ولذلك يسعى المرشحون الرئاسيون، وخصوصاً «أردوغان»، و«كليجدار أوغلو»، للحصول على دعمهم.

في مقدمة هؤلاء حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي الذي يتهم بوجود علاقة عضوية بينه وبين حزب العمال الكردستاني المنظمة التي تقود حرباً انفصالية ضد تركيا منذ عام 1984م ومصنفة على قوائم الإرهاب التركية، تقول استطلاعات الرأي: إن الحزب قد يحصل على أكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات المقبلة، ولذلك لا يمكن لمرشح المعارضة أن يسعى للفوز دون ضمان دعم هذا الحزب الذي يعارض «أردوغان» بشدة، رغم أن ذلك قد يثير حفيظة حليفه الأبرز في التحالف الحزب الجيد.

كما أن «محرم إينجة» سياسي قوي وله حضور، وكان مرشحاً رئاسياً قبل الآن، فضلاً عن أنه لا يختلف سياسياً وأيديولوجياً عن «كليجدار أوغلو» (الخلاف بينهما كان تنافساً على قيادة الحزب)، ولذلك يُتوقع أن يسحب من رصيد الأخير، وبالتالي يمكن القول: إن ترشحه يصب في صالح الرئيس «أردوغان» بشكل أو بآخر، حتى لو دعا أنصاره للتصويت لـ«كليجدار أوغلو» في حال كان هناك جولة إعادة، ولذلك ثمة من يسعى لجمع الرجلين وإبرام تفاهم ما بينهما لتجنب ذلك.

في المقابل، يبدو حزب الرفاه مجدداً بقيادة «فاتح أربكان» في وضع مشابه للحزب الجيد ولكن من زاوية التحالف الحاكم، فهو في منافسة جادة مع حزب السعادة على إرث الراحل «أربكان»، وقريب أيديولوجياً من العدالة والتنمية، وبالتالي يمكن له أن يسحب من رصيد «أردوغان»، ويبدو أن فرص الحزب في تصاعد نسبي مؤخراً، كما هي حال حزب البلد، وهو ما يشجع رئيسيهما على فكرة الترشح دعماً لفرص الحزبين في الانتخابات البرلمانية أكثر من فرصهما في الرئاسيات.

والحال كذلك، وإذا ما بقي عدد المرشحين من الطرفين على حاله، ستزيد احتمالات اللجوء لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية بين أعلى مرشحَيْن أصواتاً، وهما غالباً «أردوغان»، و«كليجدار أوغلو»، وإن كانت فرص حسم الجولة الأولى ما زالت قائمة، ولكن من الصعب الجزم من الآن بنتيجة الانتخابات إن في الجولة الأولى أو في جولة الإعادة إذا ما حصلت، رغم أن فرص الرئيس التركي تبدو أفضل من منافسيه.

Exit mobile version