1083 عاماً من التأثير والصمود.. ما سر بقاء الأزهر حتى الآن؟

 

 

“إرادة الله، الجهاد، كلمة الحق، الوسطية، الحكمة، التفاف الجماهير، رفض الاحتلال والاستغلال، والمناداة بالحرية والكرامة”، بعض من مفاتيح أسرار بقاء الأزهر الشريف الذي يحتفل في 7 رمضان المعظم، من كل عام بتأسيسه، والذي صادف هذا العام مرور 1083 عاما على افتتاحه وسط احتفاء أزهري واسع بالعاصمة المصرية القاهرة أمس الأول الأربعاء 29 مارس 

ووفق علماء أزهريين ومراقبين بارزين تحدثوا لـ”المجتمع” إن هذه المرتكزات هي أهم أسباب صمود الأزهر الشريف في مواجهة أي ضغوط، وسر حفاظه على وسطيته، رغم الضعف الذي يعتريه بعض الأوقات، ولكنه بحسب تعبير البعض” يضعف، ولكن لا يموت”.

وأنشأ القائد الفاطمي “جوهر الصقلي” الجامع الأزهر في 24 جمادى الأولى 359 هـ/ 4 أبريل 970م ، بعد عام من تأسيس العاصمة القاهرة، وافتتحه للصلاة بعد 27 شهرا من البناء في يوم الجمعة 7 رمضان 361 هـ الموافق 21 يونيو 972م، ثم ما لبث أن تحول إلى جامعة علمية ومنارة إسلامية دولية في وقت لاحق.

وللأزهر ستة محاريب، ومنبر واحد، و 8 أبواب، و 5 مآذن، وبه أكثر من 380 عمودا من الرخام، وتبلغ مساحته 12 ألف متر مربع.

د.طلعت عفيفي: إرادة الله ثم الوسطية يقفان وراء استمرار رسالته

حكمة الله والتنوع والموقع  

في البداية، يرى وزير الأوقاف المصري السابق وعميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر سابقا، د.طلعت عفيفي أن بقاء الأزهر حتى الآن هو إرادة إلهية يفسرها قوله تعالى :” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ “، فكل ما يريد الله له البقاء لحكمة الخير والنفع والمصلحة يبقى.

ويضيف العالم الأزهري الكبير في حديث خاص لـ”المجتمع” أن المفارقة أن الأزهر أسس لتدريس المذهب الشيعي ولكن جاء القائد صلاح الدين الأيوبي ، وحوله لتدريس المذهب السني، حتى صار منارة تشع نورها على العالم كله، موضحا أن رمزية مصر في احتواء الجامع ، وموقعها الجغرافي وحب أهلها للتدين ومكانتها بين المسلمين، عززوا من بقاء الأزهر واستمراره.

ويؤكد د.عفيفي أن الوسطية سر كبير من أسرار بقاء الازهر، فلا مغالاة ولا تفريط ، ولا انحراف عن الحق ، ولا اتباع للمصالح، بل منهج وسطي يجمع ولا يفرق، استقبل المسلمين من كل أنحاء العالم ، وجعلهم سفراء الوسطية والإعتدال.

ويشير وزير الأوقاف المصري السابق إلى أن الحكمة وثبات مشايخ الأزهر وانحيازهم للحقوق وقيادتهم لتحركات الاستقلال ومناداتهم بالحرية والكرامة، أسهم في تصدره مواقع القيادة بجانب ريادة الأزهر العلمية ، وهو ما نجح فيه مشايخ الأزهر بسداد على مدار التاريخ في وجه الاحتلال أو الاستغلال، مؤكدا أنه رغم الظروف الشديدة التي تعرض لها الأزهر تاريخيا إلا أنه قد يضعف ولكنه لا يموت ولا ينزوي.

د.أحمد كريمة: تحرره من العصبيات المذهبية منحه ثقة عالمية

التحرر من العصبية

ويتفق أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، د.أحمد كريمة، مع د.طلعت عفيفي، مؤكدا أن إرادة الله عز وجل هي التي نصبت للإسلام منبرا ومنارة على ضفاف النيل في القاهرة حتى الآن ، يتميز بالتنوع الفكري، ولا ينكفيء في مهامه العلمية والدعوية على مذهب بعينه.

ويشير د.كريمة في حديث خاص لـ”المجتمع” إلى أنه مع انغلاق أهل المذاهب على مذاهبهم، عزز تمسك الأزهر بالمذهب السني، وتحرره من العصبيات المذهبية والطائفية والتقليد الأعمى ، من استمراره وسط ثقة عالمية في نشر علومه في كافة المجالات الدينية، ودفع المفاسد وحماية المصالح الدينية دون النظر إلى حسابات من هنا أو هناك، فالرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، حتى تحقق فيه قوله تعالى :” الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا”، وفق قوله.

د.هاني محمود: تاريخ أزهري حافل بكلمة الحق والجهاد والحكمة

قبلة للعالم يهددها استمرار التمصير

ويعزو أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في جامعة عين شمس د.هاني محمود الأزهري، بقاء الأزهر لألف سنة ويزيد إلى عدم التعصب وجهود العلماء السابقين في تأسيس أثره ، وكونه قبلة علمية تسمح للمصريين ولغير المصريين بالتعلم .

ويشير د.الأزهري إلى ميزة أخرى وهي احتضان الأزهر السابق للعلماء من كل دول العالم، حتى بات العالم التونسي محمد الخضر حسين شيخا للأزهر، والعالم الأثيوبي حسن الجبرتي أحد أعلام الأزهريين، محذرا من استمرار ما وصفه بـ”تمصير منصب شيخ الأزهر” واعتماد القطرية في أمور المشيخة.

ويرجع د.الأزهري صمود المشيخة في وجه الضغوط إلى تمسك علمائها بكلمة الحق والجهاد في سبيل الله، وهو ما ظهر بوضوح في مواجهة الاحتلال الفرنسي (1798-1801م) وثورتي القاهرة الأولى والثانية، في هذا التوقيت، مشيرا إلى أن حكمة كبار العلماء كذلك كانت باب من أبواب الحفاظ على هذا الصرح الكبير، حيث ظلت العلاقة بين المؤسسة والسلطات قائمة على الاحترام والإجلال.

ويلفت أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في جامعة عين شمس الانتباه إلى أن الحرية العلمية في الأزهر، ساهمت في صون المؤسسة، وقدمت للإنسانية مساهمات جليلة منها فكرة “شيخ العمود” التي انتقلت إلى فكرة “أستاذ الكرسي” في جامعات عدة، وفكرة “المعيد” التي سبق لها علماء الأزهر مبكرا باختيار الطلاب النابغين لإعادة الدرس ، وهو ما استقر في كل جامعات العالم، وفكرة “التعجيز” التي كان تفتح باب النقاش مع أكبر المشايخ الذين يطلبون الاعتراض على كلامهم بعد الدرس تحت عنوان “التعجيز” من باب إثراء الحوار.

د.عمار علي حسن: التفاف الناس والأزهريون ورمزيته من أسباب بقائه

4 أسباب رئيسية

من جانبه يعدد المؤرخ والأكاديمي الكبير د.عمار علي حسن، في حديث خاص لـ”المجتمع” 4 أسباب رئيسية لاستمرار الأزهر حتى الآن وهي : التفاف المسلمين، والأزهريون أنفسهم، وحاجة السلطات السياسية اليه، ورمزيته المرتبطة بالعاصمة المصرية القاهرة.

ويوضح د.حسن أن الناس هم سبب استمرار الأزهر في مكانته، في ظل التفاف المسلمين في مصر والعالم الاسلامي، واتباع المذهب السني عامة ، حوله باعتباره قبلة وذروة التفكير الديني والدعوة للإسلام في العالم كله، وكل تحركاتهم ودعمهم يعطي الأزهر زخما ودفعة للبقاء على قيد الحياة.

ويشير المؤرخ الكبير إلى أن الأزهريين أنفسهم ، يعملون على ازدهار بيتهم الأول، باعتباره الجدار الذي يستندون إليه، وبه تقوم مكانتهم وقيمتهم ومعاشهم ، لذلك فهم يدافعون عنه دوما ، وقد ينحنون أحياناً للعاصفة وأحيانا يقومون في وجهها إذا اقتضت الضرورة، وفق قوله.

ويرى د.حسن أن السلطة السياسية في مصر، ورغم الخلافات التي تنشأ بين حين وآخر مع الأزهر، إلا أنها تلجأ إليه وتحافظ عليه مرة من أجل تعزيز الشرعية السياسة ومكانتها بين الناس، ومرة لمواجهة التطرف والجماعات التي تنازعها الشرعية، فهي دائما في حاجة إلى الأزهر.

ويشير المؤرخ والباحث الكبير إلى أن المعني الرمزي والقيمي للأزهر باعتباره جزء من نشأة القاهرة عاصمة مصر، لا يجعل أحد يتصور وجود العاصمة بدون وجود الأزهر الشريف أحد أهم المؤسسات التي ولدت معها.

 

Exit mobile version