تركيا بين زلزالي 1999 و 2023.. نجاحات وإخفاقات

فجر السادس من فبراير الجاري ضرب زلزال بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر، جنوبي تركيا وشمال سورية، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، وخلف إلى الآن ما يقرب من 24 ألف، فيما تخطى عدد المصابين 82 ألف شخص، بالإضافة إلى آلاف المباني التي طالها الدمار الناتج عن الزلزال.

الزلزال الأخير الذي استمر 65 ثانية ليس الأول الذي يضرب البلاد، حيث شهدت تركيا العديد من الزلازل في الماضي، لكنه يعتبر الأسوأ منذ عقود وأعاد إلى الأذهان الذكريات المؤلمة التي عاشتها تركيا في الزلزال الذي ضرب منطقة مرمرة يوم الثلاثاء 17 أغسطس عام 1999 بقوة 7.6 وكان مركزه في منطقة إزميت القريبة من إسطنبول وعلى عمق 17 كيلومترا من سطح الأرض، وأدَّى إلى مقتل آلاف من المواطنين في عدة مدن بما فيها إسطنبول فضلاً عن الدمار الهائل.

وفي مقال رأي نشر على صفحات مجلة “المجتمع” رقم العدد: “1365” بتاريخ: 20 جمادى الأولى 1420هـ – 31/8/1999م، بعنوان “كارثة الزلزال تضع تركيا على مفترق طرق“، ذكر أن الكارثة عدا عن أنها كشفت عجز الحكومة التركية آنذاك فإنها أظهرت أيضاً تفشي الفساد، والانحطاط الأخلاقي والمهني وبخاصة في قطاع التشييد والبناء، وتحدثت وسائل الإعلام التركية عن عديد من المقاولين الذين دفعتهم شهوة الربح لغش مواد البناء والاستهانة بأرواح المواطنين وتعريضهم لخطر الموت وطالبت بتقديم بعضهم للمحاكمة، الأمر الذي يؤكد أن خراب الذمم والضمائر أسبق وأكثر خطورة من خراب المنشآت والعمائر التي دمرها الزلزال.

45 ثانية فقط من زلزال مرمرة كانت كافية لوقوع ما يقرب من 45 ألف قتيل وجريح ونصف مليون مشرد في العراء يبحثون عن مأوى وهم يعتصرهم الألم وسط الحطام ورائحة الموت والخوف من المجهول.

وبالمقارنة بين الزلزالين، فإن الكارثة التي وقعت في 1999 كشفت عن عجز الحكومة التركية التي شكلها حزب اليسار الديمقراطي برئاسة بولنت أجاويد آنذاك وفشلت في التعامل مع تبعات الزلزال، وكانت الخدمات معطلة، والمؤسسات الحكومية في حالة ارتباك وغائبة عن الساحة.

وقال الكاتب التركي إسماعيل باشا، “إن الحكومة خرجت آنذاك أمام الكاميرات بعد ساعات من وقوع الزلزال لتعترف بأنها لا تملك معلومات كافية، لعدم تمكنها من التواصل مع بعض المناطق لانقطاع خطوط الهاتف”، مشيراً إلى أن الخيام التي أرسلتها جمعية الهلال الأحمر التركية إلى المدن التي ضربها الزلزال كانت بالية للغاية وغير صالحة للاستعمال”.

وأوضح باشا أن الحكومة التركية آنذاك “طلبت دعما من المنظمات الدولية، مثل الصليب الأحمر، إلا أنها أخفقت في التنسيق بين جهود تلك المنظمات”، مضيفاً أن “الأمر الذي دفع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها إلى الاستنفار لنجدة المنكوبين، وتوفير الاحتياجات العاجلة للمتضررين، مثل الخيام والطعام والملابس والأدوية والبطانيات. وهذه الهبة الشعبية هي التي سدت فراغ الحكومة”.

جهود الحكومة التركية في الزلزال الأخير

ولا يمكن لأحد أن ينكر نجاح الدولة التركية في التعامل مع الكارثة الأخيرة، واستنفار كافة مؤسساتها لتخفيف آثار الزلزال وتضميد الجراح، ففي الزلزال الأخير الذي ضرب جنوبي تركيا، استطاعت الحكومة لملمة الجراح فانتقلت فرق الإنقاذ المنطقة في أقرب وقت.

وذكرت وكالة “الأناضول” أن 31 ألفاً و254 من أفراد البحث والإنقاذ الأتراك ومن الفرق الدولية يواصلون جهودهم في منطقة الزلزال، وإيواء نحو مليون و50 ألف مواطن من المتضررين، فضلاً عن 25 ألفاً و67 عنصراً من القوات المسلحة يعملون في منطقة الزلزال.

كما أن الحكومة التركية كانت حاضرة على الأرض منذ اللحظات الأولى بكل مؤسساتها بعد وقوع الكارثة مباشرة لمتابعة عملية الإنقاذ، وتوفير الخدمات المطلوبة للسكان، يتقدمهم رئيس البلاد رجب طيب أردوغان ونائبه فؤاد أقطاي.

يقول الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج في مقال له على موقع “الجزيرة نت”: “نبدو أمام مشهدين مختلفين زمنياً. الأول، السريع أي بعد الزلزال مباشرة، قدمت فيه الحكومة أداء مختلفاً تماماً عن زلزال مرمرة. فالوزراء المعنيون كانوا في منطقة الزلزال في الساعات الأولى يتقدمهم فؤاد أقطاي نائب الرئيس الذي قاد عمليات الإنقاذ بنفسه”.

ويضيف أن المؤسسات عملت في مسارين متزامنين ومتكاملين. حيث قادت هيئة مكافحة الكوارث والطوارئ (AFAD) عمليات الإغاثة بما في ذلك الإخلاء والإيواء والإنقاذ والتوجيه وما إلى ذلك، بينما اهتمت وزارة الصحة بالأمور الطبية من إسعاف وعلاج ومتابعات صحية فضلاً عن التبرع بالدم وغيرها من المتطلبات. وقد عملت الوزارات والمؤسسات الأخرى بالتنسيق معهما وتحت إمرتهما”.

ورجح الحاج أن يكون للزلزال تبعات سياسية لا تقل أهمية وخطورة عن الهزات الارتدادية، لافتاً إلى أن أداء الحكومة سيكون من جهة وادعاءات المعارضة من جهة أخرى في حالة تنافس محموم لإقناع الشعب التركي بوجاهة هذا الطرح أو ذاك.

وتابع أنه “مع الوقت سيفرض الزلزال الحالي نفسه كأحد الملفات المهمة في سياق الانتخابات المقبلة -إلى جانب الاقتصاد والأجانب وغيرهما- بالنسبة للتحالفَيْن الحاكم والمعارض وكذلك الأحزاب الأخرى والشارع على حد سواء، وفي مخيال الجميع زلزال عام 1999 من حيث النتائج والتبعات وتحديداً تقييم أداء الحكومة من قبل المواطنين/الناخبين”.

تأسيس “آفاد”

وأخذت الحكومة التركية بحسبانها المخاطر المتعلقة بالزلازل، ما دفعها عقب زلزال 1999 إلى إحداث “هيئة الكوارث والطوارئ” المعروفة بـ(آفاد) التي تأسست في عام 2009 لتقوم بالاستعداد للتعامل مع الكوارث الطبيعية في البلاد، بما فيها الزلازل، والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والأهلية لإمداد المناطق المتضررة بكل ما تحتاج إليه من خدمات، بالإضافة إلى المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ.

وتمتد أنشطة “آفاد” في إغاثة المنكوبين إلى خارج البلاد. كما أن هناك فرقا أخرى للبحث والإنقاذ تابعة لجمعية الهلال الأحمر التركية، وقوات الدرك، وبعض المنظمات الأهلية كهيئة الإغاثة التركية  IHHتعمل بالتنسيق والتعاون مع فرق “آفاد”.

وفي نوفمبر 2022 أجرت السلطات التركية، اختباراً في عموم الولايات وقبرص الشمالية، للتدريب على الجاهزية للتعامل الآمن مع الزلازل.

وقال الرئيس رجب طيب أردوغان، في كلمة مصورة: إن تركيا اختبرت جاهزيتها للزلازل من خلال إجراء 94 ألفاً و207 اختبارات منذ مطلع العام الجاري (2022).

أول محطة لرصد الزلازل

ونظراً لوقوع تركيا في منطقة جغرافية نشطة بالزلازل، فإنها تسابق الزمن للاستعداد وللتعايش الآمن مع الزلازل لتجنب وقوع خسائر كبيرة في الأرواح أو المباني، ولذلك افتتحت خلال يونيو 2021 أول محطة لرصد الزلازل وموجات تسونامي قبل حدوثها، في منطقة “بيوك شكمجة” بالجانب الأوروبي بمدينة إسطنبول.

وهذه المحطة مزوّدة بأنظمة قياس متعددة يمكنها قراءة بيانات الزلازل وتوقّع المدى الذي قد تصل إليه، لمعرفة ما إذا كان سيترتب عليها حدوث تسونامي أم لا، وتطلق إنذاراً مبكراً قبل حدوث موجات تسونامي، بمدة تتراوح بين 5 – 7 دقائق.

تاريخ من الزلازل

يشار إلى أن تركيا وبسبب موقعها الجغرافي لها تاريخ طويل مع الزلازل، ومنذ عام 1500م تعرضت لعدد من الزلازل التي خلفت أضراراً ضخمة، منها زلزال أطلق عليه “يوم القيامة الصغرى” وقع في 10 سبتمبر 1509، قدرت قوته بـ7.2 درجات على مقياس ريختر، وقدر الضحايا بعشرات الآلاف.

وزلزال أرذينجان عام 1939، وقد بلغت قوته 7.9 درجات، وتسبب في وفاة 33 ألف شخص، وإصابة حوالي 100 ألف آخرين.

وزلزال غولجوك المعروف بزلزال مرمرة عام 1999، ضرب ولاية كوجالي في 17 أغسطس 1999، وبلغت قوته 7.4 درجات، واستمر لمدة 45 ثانية، وبحسب الأرقام الرسمية، تسبب هذا الزلزال في وفاة 17 ألفاً و118 شخصاً، وإصابة 25 ألفاً آخرين.

Exit mobile version