بعد ضجة أثارها باحث هولندي.. هل يمكن حقاً التنبؤ بوقوع الزلازل؟

 

ضجت منصات التواصل ووسائل الإعلام بتساؤلات عن التنبؤ بوقوع الزلازل الكبرى لتفادي آثارها وتحجيم الخسائر، لا سيما بعد تصريحات جيولوجي هولندي تحدّث فيها عن زلزال شديد سيضرب تركيا وسورية، وهو ما حدث بالفعل بعد 3 أيام ليفتح بابًا من الجدل.

غير أن عالم الفضاء في وكالة «ناسا» الأمريكية عصام حجي أكد، في تصريحات لموقع «الجزيرة مباشر»، أنه يمكن التنبؤ بـ«قوة» الزلازل وفق دراسات علمية تتابع حركة الألواح التي تشكّل القشرة الأرضية ومدى الضغط بين هذه الألواح واتجاهاته، وبالتالي تحديد قوته المتوقعة، أما التنبؤ بـ«توقيت» وقوع الزلزال فهو أصعب بكثير جدًّا، وحتى الآن لا توجد نماذج دقيقة تحدد موعد وقوع الزلازل.

وقبل أيام، كتب الجيولوجي والباحث في شؤون الزلازل فرانك هونغربيتس: عاجلًا أو آجلًا، سيقع زلزال بقوة 7.5 على مقياس ريختر في هذه المنطقة (جنوب أو وسط تركيا، الأردن، سورية، لبنان).

{tweet}url=1621479563720118273&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

هل يمكن التنبؤ بموعد وقوع الزلازل؟

وعلّق حجي بأن ما قاله الباحث الهولندي باختصار هو تحديد قوة الزلزال، وأن حدوثه هو مسألة وقت، وذلك بناءً على نماذج رقمية أظهرت تزايد الضغط بين الألواح التي تمثل القشرة الأرضية ويتفكك هذا الضغط في شكل زلزال، لكن لم يستطع العلماء حتى الآن تحديد اليوم أو الشهر أو حتى العام الذي يمكن أي يقع فيه الزلزال.

وبشأن استعدادات تركيا لمثل هذه الكوارث، قال حجي: إنها اتخذت احتياطات لازمة كبيرة بالفعل لمواجهة الزلازل، ولديها مراكز مختصة في هذا الشأن، وإن الخسائر كانت ستكون أكبر بكثير جدًّا بسبب قوة الزلزال لولا هذه الاستعدادات.

غير أنه أشار في الوقت ذاته إلى إمكانية تفادي بعض الخسائر بتصميم مبانٍ مقاومة للزلازل بعد عمل دراسة ومسح كافٍ لإنشاء مناطق تكون مواصفات البناء فيها مواكبة لحجم المخاطر، ومع ذلك فالأرقام التي جاءت من تركيا وسورية تبيّن أنهما أقل استعدادًا بالتناسب مع حجم المخاطر الموجودة، وفق حجي، إذ إن الزلزال الذي وقع بالقوة نفسها تقريبًا في اليابان كانت الخسائر أقل لأنها كانت مستعدة له.

وأشار في هذا الصدد إلى دراسة مهمة لعلماء أتراك نُشرت قبل أشهر في مجلة «نيتشر» الرصينة، طبّق خلالها الباحثون محاكاة رقمية لتحديد خسائر الزلازل باستخدام صور الأقمار الاصطناعية العالية الدقة، وحددوا الأماكن الأكثر عرضة للمخاطر -لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة- في حال وقوع زلزال كبير، وقاموا بتجربة هذا النموذج على زلزالين في إيران وجزيرة هايتي.

{tweet}url=1540082477993455617&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

ولفت حجي إلى أن النموذج الذي يحاكي عملية الدمار الواسع المدى جرّاء زلزال كبير الحجم، يعني أن الأتراك على علم ودراسة ببرامج رقمية لتحديد مدى المخاطر على المنشآت من الزلازل الكبرى، وقال: إن دراستهم حذرت من أن حجم انتشار الدمار يمكن أن يكون واسع المدى.

ونوّه بأبحاث أخرى حديثة عن التنبؤ بالزلازل والكوارث الطبيعية تحذر من هذه المخاطر، لكنها لا تلقى صدى أو اهتمامًا خاصة في عالمنا العربي، وتبقى حبيسة الأدراج، بل يُنظر إلى نتائجها في بعض الدول على أنها شيء من التهويل أو المبالغة، ويرى حجي أن حالة الاستهتار الجماعي تلك أحد أسباب زيادة الخسائر.

وذكّر حجي ببحث نشرته «نيتشر» أخيرًا وأثار ضجة أيضًا عن توقّف اللب الداخلي للأرض وانعكاس محور دورانه، وهو ما قال عنه: إنه يؤثر في تغيّر حركة الزلازل.

وعمّا إذا كان هناك زلزال آخر كبير متوقع، قال حجي: إن الضغط الكبير بين الطبقات قد انفك بالفعل وبالتالي فتوابعه تكون أقل حدة، وبالتالي يكون حدوث زلزال ثانٍ قوي احتمالًا ضعيفًا، وتوقّع حجي ارتفاع عدد ضحايا الزلزال نتيجة انهيار البنى التحتية وصعوبة عمليات المساعدة والإنقاذ.

{tweet}url=1622611346712821760&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

مدى خطورة الهزات الارتدادية

وكان أستاذ علم الجيولوجيا بجامعة قطر سيف الحجري قد قال: إن المنطقة التي ضربها الزلزال جنوبي تركيا تُعَد من أنشط المناطق الزلزالية في العالم؛ حيث تتلاقى أكثر من كتلة تكتونية عربية وآسيوية وأفريقية وشمالية أوروبية.

وتوقّع أن يتبع الزلزال هزات ارتدادية قد تستمر 48 ساعة أو أكثر، لكنها ستكون أقل تأثيرًا، وستقل مع الوقت اعتمادًا على موقع البؤرة وعمقها، فكلما كان أعمق بدأ بالانخفاض إلى أن تنتهي وتستقر هذه الكتل الصخرية بعد الهزة الأولى بحسب الجزيرة.

وحذّر من وقوع أضرار خلال تلك الفترة، فأحيانًا تحدث تشققات في الهزة الأولى لكن مع تتابع الهزات الارتدادية الصغيرة يمكن أن تنهار المباني بشكل كامل، لذا يجب التعامل بحذر وعدم دخول المنشآت التي تأثرت، والتأكد من أن المبنى ما زال مقاومًا وقدراته على تحمّل الهزات أكبر، ولا شك أن هناك عمليات مسح وفحص من المختصين للتأكد من سلامة الأبنية.

ولتجنّب مزيد من الخسائر، أشار أستاذ الجيولوجيا إلى أنه من الحكمة إعادة مسح كل المباني الموجودة والتأكد من سلامة بنائها وأولوية المسح للطبقات الحاملة للمباني عن طريق تقنيات جيوفيزيائية للتأكد من مدى هشاشة أو صلابة الصخور الحاملة للمباني من أجل وضع المعايير الصحيحة للبناء، فإذا كانت الأرض هشة أو أقل صلابة فهذا يعني أنها بحاجة إلى قواعد أقوى من مواد مقاومة للزلازل، بالإضافة إلى أن المباني في تلك المناطق يجب أن تكون متوسطة الارتفاع حتى تقل خطورة انهياره.

وبشأن وجود مناطق زلزالية أكثر نشاطًا من أخرى، قال الحجري: إن هناك عناصر تحدد ذلك، من بينها العنصر الجيولوجي وطبيعة الصخور الموجودة في هذه المنطقة وما يُعرف بالتلاقي الزلزالي، وهناك نطاق زلزالي معروف في العالم، وهي تلك المنطقة التي تتجمع فيها صدوع عديدة كما في بلاد الشام: الأردن ولبنان وسورية وفلسطين، إلى أن تصل إلى مصر ثم تركيا وامتدادًا إلى جبال زاغروس في إيران.

Exit mobile version