شبهات وردود.. اختلاط الجنسين أقوى وسائل العفة (5)

 

إذا كنا نريد أن نبني حضارة قوية مُحَصَّنة من الاختراق والتخلف، حضارة لا تعاني الكبت والحرمان، فلا بد من أن نعطي المرأة الحق في أن تخالط الرجل في كل ميادين الحياة، وننحي الدين جانباً، هكذا فعل الغربيون المتقدمون بعد أن فكوا عقدة الكبت والحرمان، وهكذا يدَّعى دعاة تحرير المرأة، وأنصار نقل الحضارة الغربية إلى المجتمعات الإسلامية بكل ما فيها من خير وشر، ويدَّعي أحدهم أن اختلاط الجنسين أقوى وسائل العفة والصيانة، حيث أنه يُكْسِب كل منهما حصانة، كالتلقيح بمصل بعض الأدواء المعدية، والتسمم بميكروبها يكسب صاحبه مناعة تقيه من العدوى بوبائها.

تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها

بداية ينبغي أن نقرر أن مسألة اختلاط الرجل بالمرأة يتنازعها طرفان نقيضان، أحدهما يرى أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلا مرتان، الأولى من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والثانية من بيت أبيها إلى قبرها، والآخر يرى أن للمرأة الحق المطلق في الخروج متى شاءت والاختلاط بمن شاءت دون قيد أو شرط، والنظام الإسلامي الوسط لا يقر هذين الطرفين على ما ذهبا إليه.

اختلاط الجنسين بين الإفراط والتفريط

إن الاختلاط المطلق بين الجنسين “الذكر والأنثى” من أكبر الدواعي الميسرة للفاحشة، الداعية للفجور والانحراف؛ ولهذا نهى الإسلام عن كل ما من شأنه أن يؤدى إلى هذا الاختلاط السافر، ومن ذلك أن الإسلام نهى عن سفر المرأة أياً كان نوعه إلا مع محرم لها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا”(1).

وقد بلغ من تشديد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أن منع رجلاً من الخروج للجهاد وقد خرجت امرأته للحج وليس معها محرم، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امْرَأَتي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ”(2)

كما شدد الإسلام بصفة خاصة في منع الأقارب غير المحارم من الاختلاط بالمرأة الأجنبية عنهم لأن طبيعة الأقارب والصلة بينهم تقتضي كثرة الاختلاط والاتصال أي باختلاط الرجال الأقارب مع النساء القريبات جاعلين صلة القربى وسيلة وعندما يحصل الاتصال ليلاً أو نهاراً لحاجة أو دونما حاجة، فإنه قد يفضي إلى نزع جلباب الحياء، ثم يجر في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه مثل قطع الرحم، أو الطلاق، أو الظنون السيئة، ففي الحديث: “إيَّاكم والدُّخولَ على النِّساءِ، فقالَ رجلٌ منَ الأنصارِ: يا رسولَ اللَّهِ أفرأيتَ الحموَ؟ قالَ: الحموُ: الموتُ”(3).

فإذا كان الحمو وهو أخو الزوج وما شابهه في القرابة اعتبر دخوله على المرأة واختلاؤه بها بدون مَحرم غير جائز في الإسلام، فإن النهى عن الاختلاط بالرجال الأجانب آكد وألزم(4).

وحتى في مجال العبادات التي ترتبط فيها النفوس بخالقها نهى الإسلام عن الاختلاط بين الرجال والنساء، فجعل صفوف النساء في الصلاة إذا حضرنها خلف صفوف الرجال وفى هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشَرُّها آخِرُها، وخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها”(5).

يقول الإمام النووي رحمه الله: “وإنما فَضَّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول الصفوف لعكس ذلك”(6).

فإذا كان الإسلام قد نهى عن الاختلاط في مجال العبادة والتي تكون النفوس فيها مرتبطة بالله، فمن باب أولى ألا يبيح الإسلام الاختلاط بين الجنسين في النوادي والمدارس والمعاهد والكليات.. إلخ. 

الإسلام يحمي المرأة بتقنين الاختلاط

إن الإسلام عندما وضع ضوابط لاختلاط المرأة بمجتمع الرجال الأجانب، كان مقصده حماية المرأة وحفظ حيائها وعفافها بالبعد عن عوامل الانحراف من ناحية، ومن ناحية أخرى يصون عِرضها من ألسنة المفترين المرجفين.

بيد أن الغزو الفكري قد صنع في بلادنا قوماً يقتدون بالغرب أكثر من اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فراحوا ينادون بالاختلاط على نحو ما عليه الحضارة الغربية.

الاختلاط يهدد الغرب بالخراب والانهيار

إن الغرب الذي يقتدي به هؤلاء يشكو اليوم من آثار هذا الاختلاط الذي أفسد بناته وبنيه على السواء، وأصبح يهدد حضارته بالخراب والانهيار، “ففي أمريكا والسويد وغيرهما من بلاد الحرية الجنسية، أثبتت الإحصاءات أن السعار الشهواني لم ينطفئ بحرية اللقاء والحديث، بل صار الناس كلما ازدادوا منه عَبَّاً ازدادوا عطشاً”(7).

ولقد ظهر أثر الاختلاط الذي زالت به الحواجز بين الذكر والأنثى في هذه الحضارات فيما يلي:

1- انحلال الأخلاق وتفكيك الأسر:

إن ضياع الأخلاق وطغيان السعار الشهواني لهو نتيجة طبيعية لضياع الحياء والعفاف الذي يصنعه الاختلاط المفتوح “غير المشروع” بين النساء والرجال، يقول الأستاذ “سيد قطب” رحمه الله مبيناً أثر الاختلاط في ضياع الأخلاق: “إن من حق الرجل كما أن من حق المرأة أن يطمئن كلاهما إلى رفيقه وألا يتعرض للإغراء الذي قد تنحرف معه عواطفه نحو شريكه، إن لم يقده الانحراف إلى الانزلاق والخطيئة مما يهدد ذلك الرباط المقدس ويطيرا عن جو الثقة الكاملة والاطمئنان.

هذا الانحراف في العواطف والانزلاق إلى ما هو أبعد في كل يوم وكل لحظة في المجتمعات التي ينطلق فيها الاختلاط وتنطلق فيها المرأة متزينة متبرجة، وينطلق معها شياطين الفتنة والإغراء، وما تلج به ألسنة الببغاوات هنا وألسنة الشاردين هناك من أن الاختلاط يهذب المشاعر، ويصرف الطاقات المكبوتة، ويعلم الجنسين آداب الحديث وآداب المعاشرة ويزود بالتجربة التي تصون الزلل، وأن الاختبار (اختبار أحد الزوجين للآخر) القائم على التجربة الكاملة حتى في عنصر الخطيئة كفيل أن يمسك الشريكين كلا بصاحبه لأنه اختاره عن رضى وبعد تجربة يهدمه الواقع، واقع الانحرافات الدائمة والتحولات المستمرة في العواطف وتحطيم البيوت بالطلاق وغير الطلاق وانتشار الخيانات الزوجية المزدوجة في تلك المجتمعات، فأما خرافة التهذيب والتصريف النظيف باللقاء والحديث فليسألوا عنها نسبة الحبالى من تلميذات الثانوية الأمريكية وقد بلغت في إحدى المدارس 48%”(8).

عقلاء الغرب ينادون بمنع الاختلاط

وفى الوقت الذي ينادى فيه البعض عندنا بالاختلاط المفتوح بين النساء والرجال الأجانب نجد كثيراً من الكتاب الغربيين ينادون بمنع الاختلاط بين الجنسين، تقول الدكتورة “ايدايلين”: “إن التجارب قد أثبتت عودة المرأة إلى الخيم هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه”، وقد نشرت جريدة الجمهورية المصرية مقالاً لكاتبة أمريكية مختصة في شئون الأحداث دون العشرين، وقد زارت القاهرة وساءها ما رأته من اختلاط في المجتمع الإسلامي فكتبت تقول: “امنعوا الاختلاط قبل سن العشرين فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، حيث أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً مليئاً بكل صور الإباحية، والخلاعة وإن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية.

إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات للمخدرات والرقيق(9).

2- انتشار الأبناء غير الشرعيين:

إن انتشار الأبناء غير الشرعيين في المجتمع لهو ظاهرة لازمة لذوبان الحواجز الشرعية بين الرجال والنساء، وفي هذا تقول الكاتبة الإنجليزية “اللادي كوك”: “إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وها هنا البلاء العظيم على المرأة إلى أن قالت: علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد”(10).

3- انتشار الأمراض الفتاكة:

لقد أدى الاختلاط “المفتوح” بين الجنسين في المجتمعات الغربية إلى انتشار الأمراض السرية والعصبية والعقلية تلك التي تدمر مئات الألوف من الضحايا.

ونقول بعد هذا البيان: ماذا يريد دعاة الاختلاط لأبنائنا وبناتنا؟!   

 

 

 

 

 

_____________________________

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج4، ص 251.

(2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب “الحج” باب “سفر المرأة مع محرم وغيره”، ج2، ص978، ح (1341).

(3) صحيح البخاري تحت رقم: 5232.

(4) حماية الإسلام للمرأة، د. محمد بن سعد الشويعر، 1/55، وانظر: فتاوى معاصرة، د. يوسف القرضاوي، 1/286.  

(5) أخرجه الإمام مسلم في كتاب “الصلاة”، باب “تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها”، 1/326.

(6) شرح النووي على صحيح مسلم، 4/119.   

(7) مركز المرأة في الحياة الإسلامية، د. يوسف القرضاوي، 1/58.

(8) السلام العالمي والإسلام، سيد قطب، 1/75:74.   

(9) كتاب “المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام”، المؤلف: محمد محمود الصواف، 1/ 228:227.

(10) خطر مشاركة المرأة الرجل في ميدان عمله، الشيخ عبدالعزيز بن باز، 1/13.   

Exit mobile version