من يحرك صحافة “الترند” في مصر؟

 

تتسلط الأضواء في مصر بشكل شبه يومي على نجوم مواقع التواصل الاجتماعي من المشاهير وغيرهم، دون اهتمام بالقضايا الجادة التي تشغل اهتمام المواطن المصري، وهو ما يعرف بالمحتوى الرائج “الترند” المصحوب بمقاطع الفيديو التي تحقق ملايين المشاهدات.

لا صوت يعلو على صوت “الترند” في الصحافة المصرية التي تغض الطرف بفعل فاعل عن ارتفاع الأسعار، وموجات الغلاء، وتزايد حالات الطلاق والانتحار وحوادث الطرق؛ خشية تجاوز الخطوط الحمراء.

من طلاق الفنانة ياسمين صبري، إلى القبض على النجمة منة شلبي بتهمة حيازتها مواد مخدرة، ومن إطلالات نجمات السينما المصرية في المهرجانات المختلفة، إلى أزمات رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، باتت أخبار نجوم الفن والكرة سبقاً وهمياً للصحف والمواقع المصرية الحكومية والخاصة.  

لجان وروبوتات تروج قضايا تافهة لأهداف سياسية وتجارية

وخلال الأسابيع الماضية، كانت الساحة المصرية مثار اهتمام وجدل حول واقعة طرد عامل نظافة من داخل أحد فروع مطاعم كشري التحرير وسط القاهرة، الذي تحول إلى نجم لـ”السوشيال ميديا”، خاطفاً الأضواء من نجوم الكرة والفن، في وقت تواجه البلاد انهياراً كبيراً في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.

أغنية البامية

في لحظة، كانت أغنية لعجوز مصرية بعنوان “البامية شوكتني وأنا مرحش الغيط” هي الحدث الجلل في البلاد، ومثار اهتمام الفضائيات المصرية، وقبلها واقعة زواج طفلين بالدقهلية (دلتا النيل)، واعتداء عريس الإسماعيلية (شمالي البلاد) على عروسه، وتطورات قضية قاتل نيرة أشرف، وسفاح الجيزة، وأزمة المحلل الشرعي، وغيرها من حوادث كانت على مدار العام الجاري (2022)، هي “الترند” في الإعلام المصري المرئي والمسموع والمقروء.

اللافت أن قضايا مثل أزمة سد النهضة المتنازع عليه بين مصر وإثيوبيا، وتزايد الدين الخارجي، وتدهور الوضع الحقوقي في البلاد، وغيرها من قضايا السياسة والاقتصاد توارت أمام “الترند” لأسباب ومآرب أخرى.

لكن ثمة مَن يبرِّئون الصحافة المصرية من صناعة “الترند”، ويحملون رواد مواقع التواصل المسؤولية عن صناعة المحتوى، وإبراز توافه الأمور وترويجها بشكل كبير؛ ما يدفع وسائل الإعلام إلى متابعة وتغطية صعود “الترند” وتصدره “تويتر” و”فيسبوك” و”يوتيوب” لساعات أو أيام.

صناع المحتوى يعتمدون على المرأة والإثارة كعنصري جذب

صناعة “الترند”

يحكم صعود “الترند” عوامل عدة، منها: الجاذبية، والغرابة، وإثارة الجدل، وحجم الانتشار، والتداول، والتعاطف، لا سيما وأن هناك الآلاف من صناع المحتوى يتربحون من وراء ذلك، ويتحولون إلى لوحات إعلانات متحركة، بحسب الخبير في الإعلام الرقمي محمد فتحي.

بينما يرى آخرون أن “الترند” أصبح أداة تسويقية مؤثرة لترويج الأفكار والشخصيات قبل السلع والمنتجات، أو بمعنى أدق “ركوب الموجة” لشغل وإلهاء الرأي العام بقضايا معينة، وتصريف اهتمامه إلى سفاسف الأمور.

هذا التوجه يؤكده الكاتب الصحفي المصري عامر شماخ، لافتاً إلى أن أجهزة حكومية تسيطر على ملكية وسائل الإعلام، وبالتالي فهي من مصلحتها الإلهاء وصرف النظر عن القضايا الوطنية والمصيرية إلى هذه التوافه، وفق تعبيره.

لجان إلكترونية

تبرز كذلك جهات الدعم التي تدير الروبوتات أو ما يعرف بـ”اللجان الإلكترونية” لرفع من تشاء وخفض من تريد، وهي في الأساس جهات مدعومة رسمياً، تبحث عن الإثارة والمبالغة، وتجيد صناعة زخم كبير حول موضوعات وقضايا تروق لها، بحسب شماخ.

تصدير أخبار نجوم الفن والكرة لإلهاء الرأي العام عن قضايا الشارع

ويتابع شماخ حديثه لـ”المجتمع”، قائلاً: إن “الترند” يستند في الغالب إلى عاملي الصورة والفيديو اللذين يجذبان مرتادي منصات التواصل خاصة من فئتي المراهقين والشباب، الذين يبحثون عن الغريب والشاذ والمثير للجدل، مع الاعتماد على المرأة كعنصر جذب، وهي عوامل تحقق الربح من دون مجهود؛ ما يعني أن البعد التجاري إضافة إلى السياسي حاضر أيضاً وراء رواج صحافة “الترند” في البلاد.

لكن الخبير الإعلامي مدير تحرير جريدة “الأحرار” سابقاً (مصرية حزبية) طه خليفة يحمل المتلقين وصناع المحتوى المسؤولية عن ظهور وتمدد هذا النوع من الصحافة، الذي لم يكن معروفاً منذ سنوات، وارتبط بالتطور التكنولوجي الذي فرضته ثورة الاتصالات، كذلك وسائل الإعلام التي تبحث عن الإثارة والربح، دون تحري المصداقية والالتزام بقواعد العمل الصحفي.

ولا يعفي خليفة السلطة من دعم “الترند”، قائلاً: إن تكميم الأفواه وكبت الحريات وتقييد حرية الإعلام وحجب الصحف كان وراء تغييب القضايا الجادة، وصوت الشارع، مقابل إبراز قضايا الإثارة بـ”ضغطة زر”.

Exit mobile version