الصين والهند.. في الطريق للاصطدام؟

أصيب جنود صينيون وهنود في مواجهات جديدة بين الجيشين وقعت يوم الجمعة الماضي على الحدود المتنازع عليها في منطقة الهيمالايا، وفق ما أفاد مصدر مقرب من الجيش الهندي.

وقال مصدر هندي إن المواجهات أسفرت عن “إصابة بعض الأشخاص من الطرفين بجروح طفيفة”، فيما أكد مصدر عسكري أن 6 جنود هنود على الأقل جرحوا.

وأكد المصدران أن الجنود الصينيين اقتربوا من المنطقة القريبة من “خط السيطرة الفعلية” الذي يشكل حدود الأمر الواقع، حيث كان متفقا على عدم قيام أي من الجانبين بدوريات.

وقال المصدر الأول إن الجنود الهنود ردوا “بطريقة حازمة”، مضيفا أنه بعد الاشتباك “انسحب (الطرفان) فورا من المنطقة”.

هذا وقد حمّل الجيش الصيني، الثلاثاء، الهند مسؤولية تجدد التوتر على الحدود بين البلدين، واتهم القوات الهندية بعبور الحدود المتنازَع عليها بشكل غير قانوني، على حد تعبيره.

وقال لونغ شاوهوا -أحد المتحدثين باسم الجيش الصيني- إن دوريته الروتينية “أوقفها الجيش الهندي الذي عبر خط السيطرة الفعلية (الحدودي) بشكل غير قانوني في منطقة دونغتشانغ”.

وأضاف “يتعين التعامل مع قضية الحدود بشكل احترافي وفعال”، داعيًا إلى “استقرار الوضع على الأرض والعمل بغية الحفاظ على السلام والهدوء في المنطقة الحدودية بين الدولتين”.

وتابع “نطلب من الجانب الهندي أن يسيطر بشكل صارم على قوات الخطوط الأمامية وتقييدها”.

وتأتي التصريحات الصينية بعد أن زعمت الهند أن الجيش الصيني حاول من جانب واحد تغيير الوضع الراهن على خط السيطرة الفعلية (بين البلدين) في مقاطعة أروناتشال براديش شمال شرقي البلاد.

وفي وقت سابق اليوم، أخبر وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ برلمان بلاده أنه في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حاول الجنود الصينيون التعدي على خط السيطرة الفعلية بمنطقة يانغتسي في تاوانج في أروناتشال براديش، وقد اعترضت القوات الهندية المحاولة الصينية بطريقة حازمة.

وقال سينغ “المواجهة التي أعقبت ذلك أدت إلى مشاجرة جسدية، حيث منع الجيش الهندي بشجاعة جيش التحرير الشعبي الصيني من التعدي على الأراضي الهندية، وأجبرهم على العودة إلى مواقعهم”.

وقال الناطق باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين “على حد فهمنا، فإن الوضع الحدودي بين الصين والهند مستقر بالمجمل”، مضيفا أن الطرفين “حافظا على حوار من دون عراقيل بشأن المسألة الحدودية عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية”.

ماذا تقول الهند؟

اتّهم وزير الدفاع الهندي راجنات سينغ الصين الثلاثاء بمحاولة “تغيير الوضع القائم بشكل أحادي” عند الحدود المتنازع عليها بين الطرفين في الهيمالايا.

أفاد سينغ: “في التاسع من ديسمبر 2022، حاولت قوات جيش التحرير الشعبي الصيني تغيير الوضع القائم بشكل أحادي عبر التعدي على خط السيطرة الفعلية في منطقة يانغتسي التابعة لقطاع تاوانغ”.

هل تستطيع الهند بناء جيش قوي بما يكفي لردع الصين؟

تجدر الإشارة إلى أن الحدود الصينية – الهندية تشهد توترا من حين لآخر، وفي مايو/ أيار 2020، اندلعت اشتباكات في منطقة لداخ الجبلية على الحدود بين البلدين، مما أدى إلى سقوط ضحايا من الجانبين، وأرسلت الهند والصين أسلحة ثقيلة ودبابات وطائرات إلى المنطقة، وتم سحبها في وقت لاحق بعد سلسلة من المفاوضات على المستويين العسكري والدبلوماسي ،العام الماضي.

التوتر المكتوم «على حد السكين»، في مناطق الحدود الهندية ـ الصينية، دفع خبراء ومراقبين للتساؤل: هل تستطيع الهند بناء جيش قوي بما يكفي لردع الصين؟! وفي إشارة  لمناطق التوتر الشمالية بين  الدولتين، رغم أن الصين والهند  اتخذتا احتياطات متقنة لتجنب التوترات على طول الحدود الشمالية المشتركة حيث خاضتا حربا قبل ستة عقود تقريبا.

الصراع في المستقبل بين الدولتين لا يمكن استبعاده

وتشير صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية، إلى ما حدث  في شهر أبريل/نيسان ومايو/ أيار 2020،  حين انتهكت القوات الصينية هذا الوضع الراهن عندما قطعت بعض طرق الدوريات التقليدية للهنود في شرق لاداخ. وتصاعد الخلاف إلى صراع بالأيدي وهجوم بالهراوات والحجارة ما أسفر عن مقتل 20 جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين.

ولا تزال أصداء الاشتباكات تتردد في نيودلهي، وبحسب الباحثان البريطانيان، جون ريد وكلوي كورنيش، حيث تعد حادثة وادي غالوان بمثابة جرس إنذار للمؤسسة العسكرية والمدنية الهندية بشأن مخاطر المواجهة المستقبلية الأوسع مع الصين وقواتها المسلحة المجهزة تجهيزًا جيدًا والحاجة إلى مواجهتها، إذ يقول محللون إن الصراع في المستقبل بين أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان لا يمكن استبعاده.

الصين أكبر تهديد أمني للهند

ونقلت الصحيفة البريطانية، عن بيبين راوات، رئيس أركان الهند السابق، قوله العام الماضي إن الصين أكبر تهديد أمني للهند، بينما قال دروفا جايشانكار، المدير التنفيذي لمؤسسة أوبزرفر ريسيرش فاونديشن أمريكا الفكرية: هناك إدراك أوسع بأن القوة العسكرية للصين لا يمكن إدارتها من خلال الاتفاقيات الدبلوماسية وحدها، وسيتطلب ذلك من الهند اتخاذ خطوات عسكرية واقتصادية خاصة بها.

ارتفاع الإنفاق الدفاعي للهند بنسبة 50 في المائة

ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)،)،  فقد زاد الإنفاق الدفاعي للهند بالفعل بنسبة 50% على مدى عقد من الزمان، من 49.6 مليار دولار في عام 2011 إلى 76.6 مليار دولار العام الماضي. وخلال هذه الفترة، تجاوزت روسيا والمملكة المتحدة لتصبح ثالث أكبر منفق عسكري في العالم، ولا يزال الإنفاق في تزايد، إذ زادت مخصصات الدفاع في ميزانية الحكومة للعام الجاري بنحو 10 في المائة.

خيارات الهند

ومع ذلك، يجادل بعض المحللين بأن الهند لا تزال لا تفعل أو تنفق ما يكفي لتحضير نفسها لمواجهة محتملة مع الصين. وعلى وجه الخصوص، يحذر بعض المراقبين من أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بحاجة إلى اختيار ما إذا كان يجب أن يكون تحديث القوات المسلحة الهندية أو التصنيع الحربي هو الأولوية. ويقولون إن محاولة القيام بالأمرين في نفس الوقت يخاطر بترك الهند مكشوفة أمام جيش الصين الأقوى بكثير.

الاختيار بين البنادق والزبدة

ويرى الباحثان جون ريد وكلوي كورنيش، أن الحجة الداعية إلى زيادة الإنفاق على الدفاع هي حجة يصعب على رئيس وزراء الهند «مودي» على وجه الخصوص القيام بها، لأن الاختيار بين البنادق والزبدة يمثل تحديا بشكل خاص لأن التنمية الاقتصادية والارتقاء بفقراء الهند يمثلان جزءًا أساسيًا من برنامج حزبه بهاراتيا جاناتا للناخبين منذ أن تولى منصبه في عام 2014.

ويقول مانوج جوشي، الزميل البارز في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث ومؤلف كتاب عن النزاع الحدودي بين الهند والصين. «لا يريد مودي الدخول في صراع مع الصين، وإذا كانت هناك بطاقة جامحة واحدة يمكن أن تزعج حكومته وتقلل من مكانته بشدة، فهي الصينية»

أصل الأزمة

Exit mobile version