استياء في مصر من تجديد قبور يهودية وهدم مقابر إسلامية تاريخية

 

أثار استمرار مصر في تجديد معابد ومقابر لليهود في مصر مقابل هدم العديد من المقابر والآثار الإسلامية التاريخية استياءً بالغاً بين المصريين.

بعدما هدمت البلدوزرات العديد من المقابر التاريخية الإسلامية في القاهرة القديمة، سمحت مصر بتجديد مقابر اليهود الشهيرة جنوب القاهرة، وافتتح يوم 20 نوفمبر 2022 ثاني أكبر مقابر لليهود بالعالم في منطقة البساتين بعد تجديدها بالكامل ضمن مشروع مصري أمريكي لتطوير المنطقة.

تجديد المقابر اليهودية التي لا يدفن أحد فيها لهجرة غالبية اليهود وعدم بقاء سوى قرابة خمس من النساء اليهوديات، بينما تتوالى الإخطارات الرسمية لمصريين بإزالة بقايا عظام ورفات أجدادهم في مقابر تاريخية تضم علماء ومشاهير، أثار موجة غضب شديدة.

حيث أزالت السلطات المصرية العديد من المقابر التاريخية في أحياء مصر القديمة (السيدة عائشة، الإمام الشافعي، المماليك) ونقل رفات الموتى للصحراء، منذ عام 2020 وحتى الآن، وبالمقابل، وفي التاريخ نفسه، قامت بترميم مقابر ومعابد يهودية قديمة غير مستخدمة.

وأزيلت مقابر تاريخية في منطقة مقابر الإمام الشافعي، منها مقبرة الشيخ العز بن عبدالسلام الذي وقف ضد التتار، والشيخ المقرئ الشهير محمد رفعت، ومسجدان أثريان، هما: “الدندراوي”، و”الكحلاوي”.

ومرت البلدوزرات فوق جثمان التاريخ في منطقة مقابر المماليك الشهيرة، وهدم “وكالة العنبريين” التي يرجع تاريخها إلى عصر السلطان قلاوون، ومقابر الأسرة العلوية التي حكمت مصر حتى منتصف القرن الماضي.

لم يسلم من التشريد بعد الموت رفات علماء الإسلام ولا الشخصيات التاريخية والمشاهير.

وطال الهدم مقابر مشاهير، منهم الملكة فريدة، زوجة الملك فاروق الأولى، ومصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر السابق، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والروائي إحسان عبدالقدوس، والفنان فؤاد المهندس بدعوى بناء جسور مكانها.

وكانت السفارة الأمريكية بالقاهرة أصدرت بياناً، يوم 20 نوفمبر الماضي، تؤكد تدشين المقابر اليهودية بعد تطويرها، بالشراكة مع مركز الأبحاث الأمريكي ومنظمات يهودية أمريكية ومصرية، في البساتين، التي يطلق عليها مقابر “ليشع” و”مينشا”.

وحضر التدشين رموز يهودية وأمريكية، من بينهم السفير الأمريكي روبنستين، وديفيد عوفاديا، رئيس يهود أمريكا القرائين، ولويز بيرتيني، مديرة مركز الأبحاث الأمريكي بمصر، وماجدة هارون، رئيسة الجالية اليهودية المصرية، وآخرون، افتتحوا المقابر المُجددة.

ليشع ومينشا

حين كان اليهود يعيشون في مصر بكثرة، حتى الخمسينيات من القرن الماضي، كانت لهم مقبرة شهيرة تُسمى “تُرب اليهود” تقع جنوب القاهرة في منطقة البساتين تمتد على مساحات شاسعة تعادل 120 فداناً، بخلاف 3 صغيرة أخرى.

وهذه المقبرة يعتبرها اليهود ثاني أقدم مقابر يهودية في العالم بعد جبل الزيتون بالقدس، وكانت تضم رفات اليهود المقيمين في مصر قبل هجرتهم الجماعية منها مع اندلاع حرب 1948 ومشاركة الكيان الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

وكانت منطقة مقبرة البساتين الأصلية مقسّمة إلى مناطق مخصّصة لليهود الربانيين والقرائين، ضمنها موقع يعود لعائلة “موسى إبراهيم مينشا”، أو “ميناشه”، ومقبرة مجاورة تعود لعائلة “ليشع”، يشكلان الجزء الوحيد المتبقي من مقبرة اليهود.

ويعود تاريخ بناء هذه المقبرة اليهودية تاريخياً إلى عهد الوالي أحمد بن طولون، الذي منح اليهود المقيمين في مصر مساحة كبيرة لبنائها لكنها لم تعد مستخدمة.

وأوائل عام 2019، نشرت صفحة “إسرائيل بالعربي” التي تعبر عن الخارجية الصهيونية صورة لأكوام القمامة داخل المقبرة اليهودية في البساتين، وطالبت مصر بترميمها مثلما رممت آثاراً يهودية، منها المعبد اليهودي “إلياهو حنابي” في الإسكندرية.

عقب الشكوى الصهيونية، بدأت مصر خلال عامي 2019 و2020 عملية تطوير شامل للمنطقة ككل وإزالة القمامة وبناء سور حول مقابر اليهود بالبساتين وزارها السفير الصهيوني السابق في مصر دافيد غوفرين.

وزار اثنان من كبار الحاخامات اليهود منطقة المقابر اليهودية لمتابعة عملية التنظيف والترميم، وللتأكد من أن عملية التنظيف تتم وفقاً للشرائع اليهودية، وفق صفحة “إسرائيل بالعربي”.

في 24 يناير 2020، أطلقت السفارة الأمريكية بالقاهرة مشروعاً للحفاظ على مقابر اليهود بالبساتين، باعتبارها تراثاً لأقدم مقابر يهود العالم، وذلك بتمويل من “صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث الثقافي”.

وقالت السفارة: إن وزارة الخارجية الأمريكية تبرعت بمنحة قدرها 150 ألف دولار (أي ما يعادل 2.25 مليون جنيه مصري) إلى مركز الأبحاث الأمريكي ومؤسسة “قطرة لبن” التي تشرف على ترميم التراث اليهودي في مصر، كما شارك يهود أمريكا في الترميم.

وقد تحملت الحكومة المصرية تكلفة ترميم المعبد اليهودي بمدينة الإسكندرية، التي بلغت 22 مليون دولار بعد أن رفضت تلقي أي تبرعات من الجاليات اليهودية في العالم لهذا الغرض! بحسب موقع “وكالة الأنباء اليهودية” (JTA)، وتم افتتاح المعبد بعد تجديده في 11 يناير 2020.

وبعد ترميم أشهر معبد يهودي بالإسكندرية، تساءل تقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست”، في 22 فبراير 2020: هل يعود اليهود إلى مصر؟

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رحب، يوم 25 فبراير 2019، خلال لقائه مع وفد يهودي أمريكي، بعودة اليهود لمصر إذا أرادوا، وتعهده أن يبني لهم معابدهم ومؤسساتهم المجتمعية الأخرى.

وقال: “إذا كان اليهود مهتمين بتأسيس جماعة يهودية في مصر، فإن الحكومة ستبني لهم معابد يهودية وغيرها من المؤسسات المجتمعية”، بحسب ما نشرته صحيفة “جيروزاليم”، في 25 فبراير 2019.

لم يتبق من اليهود في مصر حالياً سوى 5 نساء، ويتولى رئاسة طائفتهم ماجدة هارون، وهي ابنة المحامي والسياسي اليهودي المصري اليساري الشهير شحاتة هارون.

ورئيسة الطائفة اليهودية (ماجدة) نفسها متزوجة من مسيحي، وابنتاها مسلمتان، وتقول: إنهم يحتفلون بشهر رمضان والأعياد المسيحية واليهودية معاً، بحسب ما أكدت رئيس الطائفة في حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، في 15 يوليو 2017.

وتدير رئيسة الطائفة ماجدة هارون ممتلكات يهودية في مصر التي تقدر بـ13 معبداً و4 مقابر و5 مدارس بلا طلاب في كافة أنحاء مصر، أشهرها المعبد اليهودي الرئيس بشارع عدلي بوسط القاهرة، والعديد من الآثار التراثية.

Exit mobile version