هل أصبحت تونس محطة لتهريب النفط الروسي في ظل العقوبات الغربية؟

 

يعتقد كثيرون في تونس أن ما تم كشفه أخيراً من أن تخزين النفط الروسي في البلاد ومن ثم إعادة تصديره لدول العالم بما في ذلك كوريا الجنوبية ستكون له تداعيات على العلاقات التونسية مع الغرب، وأن تبرؤ المسؤولين التونسيين وتأكيدهم على أن لا علاقة لهم بالقضية مثير للشفقة، على حد تعبير الناشط السياسي علي بن رمضان.

وتشير المعلومات التي تتداولها وسائل إعلام محلية ودولية إلى أن النفط الروسي بدأ يتدفق على المخازن في تونس وتحديداً على ميناء الصخيرة بمحافظة صفاقس (جنوباً) منذ أغسطس 2022، وتظهر بيانات “رفينيتيف” أن البلاد بدأت الشهر الماضي نقل أولى شحناتها لكوريا الجنوبية.

كما تظهر البيانات أن تونس، التي قلما تستورد النفط، استقبلت 410 آلاف طن من نواتج التقطير الخفيفة من روسيا في الفترة بين أغسطس ونوفمبر من العام الجاري، بينما لم يشهد عام 2021 بأكمله أياً من هذه الواردات.

التفاف على العقوبات

 كميات النفط الكبيرة التي كانت تصل تونس قبل شهور قليلة ومن ثم إعادة تصديرها إلى كوريا الجنوبية كانت محاولة للالتفاف على العقوبات المسلطة على روسيا، حيث أصبحت تونس من الطرق التجارية غير التقليدية التي جدت في ظل العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو على خلفية غزوها لأوكرانيا.

وأظهرت بيانات من شركة النفط الوطنية الكورية أن سيول استوردت 740 ألف برميل (نحو 82 ألف طن) من النفط من تونس الشهر الماضي.

يأتي هذا بعدما لم يسجل عام 2021 بأكمله أي واردات من النفط من تونس، وبعد أن استوردت 192 ألف برميل فقط منها في نوفمبر 2020 الذي كان الشهر الوحيد السابق الذي تضمن واردات نفط من تونس في بيانات الشركة الكورية التي تعود لعام 2019.

ووفقاً لبيانات “رفينيتيف”، من المقرر أن تستقبل سيول أيضاً نحو 274 ألف طن من النفط هذا الشهر من تونس.

وقال مانيش سيجوال، نائب رئيس تحليلات السوق في “ريستاد إنرجي” لأبحاث الطاقة، بشأن الطريق التجاري الجديد: تغيير المسارات يهدف بشكل أساسي للإفلات من تدقيق الغرب، والاستفادة من الأسعار المنخفضة للوقود الروسي.

وذكرت مصادر من القطاع في روسيا أنه يجري شحن النفط إلى ميناء الصخيرة بمحافظة صفاقس التونسية لتخزينها بينما ينتظر التجار تحسن الأسعار.

نفي أي تورط في العملية

وكانت شركة كورال إنرجي المستأجر لأربع من الناقلات التسع التي أبحرت من روسيا إلى تونس حاملة لكميات من النفط.

وقالت كورال إنرجي: إنه لا يوجد مخزون لها في تونس، وإنها استأجرت الناقلات لعملائها غير التونسيين بموجب صفقات مبرمة على أساس التسليم.

المديرة العامة لشركة التكرير في تونس (ستير) فاختة المحواشي نفت المسؤولية عن نقل النفط الروسي للالتفاف على العقوبات، وأن الكميات المصدرة من ميناء الصخيرة تأتي على الأرجح من تخزين في شركة “طنكماد”، وهذه كميات ترانزيت مخزنة لصالح شركات عالمية.

وأضافت، في تصريح لوسائل الإعلام، أن تونس وشركة ستير ليستا مرتبطين بها ولا علاقة لهما من بعيد أو قريب بذلك، وألمحت إلى أن إنتاج شركة ستير من النفط أصغر بكثير من الكميات التي تنتقل إلى كوريا الجنوبية.

وشركة طنكماد مملوكة بشكل مشترك لشركة النفط الحكومية التونسية وشركة توزيع البترول الحكومية، ومن الصعب أن تكون السلطات التونسية لا تعلم بما يجري على أراضيها من أنشطة بما فيها عمليات نقل النفط الروسي.

وقال المدير العام سليم بن عبدالله: إن نشاط الشركة يقتصر على التخزين للشركات المحلية أو العالمية، وليس لها دور في التصدير، مضيفاً: نحن محطة دولية تخزن جميع هذه المنتجات.

وجهة غير معروفة

وفي أبريل الماضي، كشفت تقارير أنّ النفط الروسي يجد طريقه للأسواق الأوروبية عبر وجهة غير معروفة، في محاولة لتجاوز العزلة التي تواجهها روسيا في أسواق الطاقة العالمية، ويبدو أن تونس فرع من فروع هذه الجهة أو الجهات.

وكشف تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن مشتري النفط الروسي يشعرون بالقلق من مخاطر تشويه السمعة، وهو ما جعل سوق تصدير النفط الروسي في أبريل مبهمة ومخفية على عكس ما كان عليه الأمر قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 فبراير 2022.

وأظهرت البيانات أن أكثر من 11 مليون برميل تم شحنها في أبريل إلى وجهة غير معروفة، ولم تحدد ناقلات النفط مسار رحلتها بشكل دقيق.

وعزا التقرير أحد أسباب إخفاء المنشأ لبعض الدول، أنها بحاجة ماسة إلى النفط للحفاظ على استمرار اقتصادها، ومنع ارتفاع أسعار الوقود، لكن الشركات والوسطاء يريدون تداولها بـهدوء وتجنب أي رد فعل سلبي لتسهيل المعاملات التي توفر الأموال، التي بالنهاية ستعود بالإيرادات على موسكو لتمويل حربها.

وقال محللون للصحيفة: إن استخدام ترميز وجهة غير معروفة مؤشر على نقل النفط إلى سفن أكبر في البحر وتفريغها، إذ يتم خلط الخام الروسي مع حمولة السفينة، مما يمكنهم من عدم كشف مصدر الخام الأصلي، وأشاروا إلى أن هذه ممارسة قديمة مكنت دول خاضعة للعقوبات مثل إيران وفنزويلا من تصدير النفط.

وفي يونيو 2022، أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً بحظر شراء أو استيراد أو نقل النفط الخام من موسكو، بدءاً من 5 ديسمبر 2022، وحظر منتجات النفط الروسي بدءاً من 5 فبراير 2023.

مع بدء سريان العقوبات على منتجات النفط الروسية سيتم تغيير مسار شحنات المحروقات، ويمكن أن تزيد المسافات التي تقطعها السفن 5 أو 6 أضعاف، وستكون هذه أكبر زيادة سنوية للناقلات التي تنقل الوقود المكرر منذ عام 1993.

وتستعد ناقلات النفط، التي تنقل أنواعاً من الوقود مثل البنزين والديزل، لأكبر زيادة في الطلب خلال 3 عقود، العام المقبل، مع توقف تدفقات النفط من روسيا، ما يعزّز المسافات التي يتعيّن على السفن الإبحار فيها.

ولا يعرف ما الإجراءات التي سيتم اتخاذها بعد معرفة وجهة النفط الروسي والطرق غير التقليدية التي تم كشفها وما إذا كانت تونس ستؤاخذ على ذلك أو سيطلب منها اتخاذ إجراءات معينة أو يتم مراقبة الموانئ التونسية.

Exit mobile version