أفغانستان‭ ‬تمتلك‭ ‬مقومات‭ ‬وثروات‭ ‬تجعلها‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬الدول

 

في ظل معاناة أفغانستان تحت وقع الحروب والفقر لعقود، نشأ يتيماً؛ فمدت المؤسسات الخيرية العربية يد العون والمساعدة له، فكفلته في البداية مؤسسة قطر الخيرية، ثم أصبح مكفولاً من قبل لجنة الدعوة الإسلامية بجمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية، وفي ظل الرعاية والمثابرة ها هو يرد الجميل لوطنه والعرفان لمن كفلوه، إنه د. حياة الله عتيد، المفكر والمطور والمستشار الأفغاني.

بالسعي والمثابرة حوّل عتيد حياته إلى قصة نجاح ونموذج عطاء، كمدرب عالمي ومستشار في التنمية البشرية والتطوير كدراسة في مرحلة الدكتوراة، ومن قبلها الماجستير في الأدب العربي، والدكتوراة الثانية في الاقتصاد الإسلامي، وهو يهتم بالعمل الخيري والإنساني التنموي والتدريبي ليساهم في نهضة أفغانستان.

وقد أجرت «المجتمع» هذا الحوار معه خلال زيارته للكويت مؤخراً.

بداية، مرحباً بكم في ضيافة «المجتمع».

– شكراً لكم على هذه الاستضافة في «المجتمع» مجلة المسلمين حول العالم، وفي الكويت بلد الإنسانية، وفي جمعية الإصلاح الاجتماعي التي تمثل رؤية الكويت الإنسانية وتنفذ رسالتها وإستراتيجيتها، ومجلة «المجتمع» هي لسان الكويت التي تعبر عن إنسانيتها تجاه العالم، التي تطورت فيها فلسفة العمل الخيري لتنتقل من الإغاثة إلى التمكين.

كيف بدأت قصتك مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية؟

– قصتي مع «الإصلاح» بدأت عندما كنت صغيراً ويتيماً، فكانت تكفلني مؤسسة قطر الخيرية، وعندما تخرجت في المدرسة الابتدائية أصبحت أحد مكفولي لجنة الدعوة الإسلامية في مدرسة الشهادة بولاية «وردك» بأفغانستان، ثم انتقلت إلى المعهد الشرعي العالي للمعلمين، وبعد ذلك تحول المعهد إلى كلية باسم «كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية»، ثم أكملت الماجستير بمنحة من لجنة الدعوة الإسلامية في جمعية الإصلاح.

وبما أن الأصل في العمل الخيري هو بناء الإنسان، إذ إنه عندما يتم بناء الإنسان يبني هو بيئته ويخدم مجتمعه؛ لذا اهتمت لجنة الدعوة الإسلامية ببناء الإنسان.

وبعدما تطورت الأمور خرجت لاستكمال الدراسة لمرحلة الدكتوراة لتأهيل نفسي بشكل أكبر حتى أستطيع تحقيق شيء لبلدنا أفغانستان، والكثير من أبناء بلدي خرجوا إلى الغرب، وبعضهم إلى الشرق، وأنا كنت من الذين خرجوا إلى الشرق لتطوير الذات وتأهيلها وللتمكن أكثر حتى العودة للوطن الذي رجعت إليه عام 2012م، لتأسيس منظمة لتطوير المواهب وريادة الأعمال، وهي منظمة غير ربحية.

ما عمل هذه المنظمة ورؤيتها؟

– تتمثل رؤية منظمة «تطوير المواهب وريادة الأعمال» بأن تكون رائدة في التنمية المستدامة؛ فقد انطلقت في أعمالها على مبادئ التنمية المستدامة، تراعي في ذلك تطلع المانحين المحليين والدوليين لإنماء أفغانستان، مع التنمية المستمرة لقدرات العاملين في البرامج التطويرية وتحسين أوضاعهم، بما يضمن الوصول للنتائج والمخرجات المرجوة بالمعايير الدولية، وانعكاس كامل الأنشطة على المستفيدين (أي الشعب الأفغاني)، بما يعود عليهم في صورة مشاريع تنموية تساهم في تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار.

ما أهم برامج هذه المؤسسة؟

– هذه المؤسسة بدأناها ببرامج محددة ومشاريع معينة، كان أولها كفالة ورعاية الأيتام، وفيما يخص الأسرة لدينا برامج للمقبلين على الزواج والمتزوجين والمتزوجات، وبرامج لتربية الأبناء، وفي التعليم لدينا 4 مدارس نموذجية للموهوبين، كما أن لدينا جامعة ودارين للأيتام بهما 600 يتيم.

هل من دور لهذه المنظمة تجاه رواد الأعمال؟

– بالنسبة لرواد الأعمال، نعطي لهم استكشاف الرغبة والقوة، ومن ثم مهارة الاتصال لأجل أن يختار هؤلاء مشاريعهم الاقتصادية، ثم نقدم لهم دراسة الجدوى ومهارة التسويق، ثم نحتضنهم، كنا في البداية نحتضنهم تدريبياً وتربوياً، والآن بفضل الله تعالى نسعى لدعمهم تمويلياً أيضاً، كل ما في القصة أننا نريد صناعة التدريب في أفغانستان، بتدريب أساتذة الجامعات وأساتذة المدارس الدينية ومرشدي الحج ومعلمي المدارس الثانوية والمتوسطة والابتدائية والروضة وأيضاً محفظي القرآن الكريم.

ماذا عن الحقائب التدريبية؟

– لدينا أعداد بالنسبة للحقائب التدريبية، وأول قصة بدأناها في التدريب كانت دورة تدريب المدربين (Training of Trainers)، اخترنا مجموعة «نخبة» من الشعب الأفغاني قدمنا لهم هذه الدورة، ثم أعطيت لهم كل دوراتي وحقائبي التدريبية، وبعد ذلك الآن هم يساعدوننا في تدريب المواطنين، نحن منظمة متخصصة في التعليم والتدريب ورعاية الأيتام، ونظراً لظروف الشعب الأفغاني نقدم أيضاً بعض البرامج الأخرى.

ما مصادر تمويل هذه الأعمال والبرامج؟

– بدأنا هذه المنظمة كجمعية غير ربحية في أفغانستان، ثم اضطررنا لأن يكون لدينا مشروع وقفي حتى يساعدنا في تمويل هذه البرامج والمشاريع، فسجلنا كشركة تجارية في كندا، وما يعود من هذه الشركة ننفقه في التدريب المعرفي والتطوير الثقافي.

كيف يسير عملكم بعد تغيُّر الوضع السياسي في أفغانستان؟

– بالنسبة لتغيُّر الوضع السياسي في أفغانستان، لا شك أن التنمية تقوم على عنصرين مهمين؛ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش)؛ فهناك تحسن كبير في الجانب الأمني بنسبة عالية، ففي الأنظمة الماضية كنا نسمع يومياً عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى ربما 200 أو 300 قتيل يومياً، وأحياناً ترتفع الأعداد إلى 500 ضحية، والآن انتهت مثل هذه الاغتيالات وأعمال العنف، أو قلَّت بشكل كبير.

كيف ترون التحدي الاقتصادي في أفغانستان؟

– الجانب الاقتصادي قضية قديمة؛ ففي الماضي أيضاً كانت البلاد تعاني اقتصادياً، وللعلم؛ إن أفغانستان دولة غنية وفقيرة! فنحن لدنيا معادن ثمينة للغاية تقدر بنحو 30 تريليون دولار، فلو استطعنا استكشاف هذه المعادن بأنواعها المختلفة، وقتها ستصبح أفغانستان دولة غنية جداً وربما أغنى من دول كثيرة، وهناك مقترح تقدمت به للحكومة المؤقتة للاستفادة من هذه المعادن بإنشاء شركة مساهمة تكون نسبة الحكومة فيها 51% والنسبة الباقية 49% تكون للدول الصديقة والشركات ورجال الأعمال.

وهناك عمل آخر موازٍ لهذا؛ وهو إنشاء جامعة تكون كلياتها وأقسامها متخصصة في استكشاف هذه المعادن، على أن يتم صرف 20% من هذه الموازنة الإجمالية على الشعب الأفغاني بشكل متساوٍ، عن طريق تمويل ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتنفيذ مثل هذه المشروعات سيجعل من أفغانستان بلداً متقدماً.

نحن الأفغان لدينا مثل هذه الثروات، لكن كما تعرفون كنا مشغولين بمقاومة المحتلين؛ فأفغانستان مقبرة للغزاة، فقد سبق أن طرد أجدادنا الإنجليز من بلادنا، ثم طرد آباؤنا السوفييت، وأخيراً الأمريكيين ومن معهم تم طردهم على يد إخواننا؛ فنحن نستطيع إدارة شؤون بلدنا بأنفسنا.

ما أبرز التحديات التي تواجه أفغانستان حالياً؟

– نلاحظ وجود رغبة في التعاون بين الحكومة والمكونات المختلفة، حيث تقدم المنظمات والشخصيات مقترحاتهم للحكومة، ونأمل أن يكون هناك تعاون مثمر، أما التحديات فلدينا ثلاثة تحديات أساسية بالداخل، ما يجعل من أهدافنا في منظمتنا «تطوير الموهبة وريادة الأعمال» المشاركة في القضاء على هذه التحديات، وهي: الجهل، والفقر والبطالة، والاختلافات الداخلية.

ما الذي تفرضه هذه التحديات على أفغانستان؟

– هذه التحديات تجعلنا في أمسّ الحاجة لتوحيد الصفوف، وهذا سيعود بالنفع على بلدنا؛ فالمنظمات الجهادية السابقة كان شعارها «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، لكن للأسف لم يطبقوا هذا الشعار على أرض الواقع، كان فقط مجرد شعار في أعلامهم ولم يتم تطبيقه، ونرجو الآن من كل الأطراف والجماعات أن يتحدوا ويتفقوا؛ حتى نستفيد من كل المهارات والقدرات في تطوير بلدنا.

كما أن الوضع الإنساني مأساوي للغاية، والبلاد تمر بأوضاع صعبة؛ فهناك والفقر والجوع، إضافة إلى الفيضانات والزلازل، في ظل عدم وجود دعم خارجي، والشعب يدفع فاتورة هذه التحديات وضريبتها حتى وصل الأمر ببعض العائلات لأن تبيع أطفالها، أو يُقْدم بعض الأشخاص على بيع أعضاء من أجسادهم؛ فما يحصل كارثة كبيرة، والعالم الذي يملأ الأرض شعارات إنسانية يشاهد في صمت ولا يقدم شيئاً ملموساً لإنقاذ الإنسان في أفغانستان.

برأيك، هل سيترك أعداء أفغانستان الشعب ينهض بنفسه؟

– لقد استخدموا السلاح العسكري ضد أفغانستان وفشلوا، ثم لعبة السياسة وفشلوا أيضاً، والآن يستخدمون سلاح التجويع ضد الشعب الأفغاني، لكن هذا الشعب المسلم لن يستسلم أبداً لمثل هذه المكائد.

ونحن في منظمة «تطوير الموهبة وريادة الأعمال» نهتم كثيراً بمشاريع بناء الإنسان؛ مثل رعاية الأيتام، ومشروعات التعليم والتدريب وغيرها، فنحن منظمة مرخصة في دولة قطر عن طريق مؤسسة قطر الخيرية، وفريق منظمتنا من الرئيس التنفيذي والإدارة والزملاء ومجلس الإدارة نشيطون، وكلهم متطوعون يعملون دون مقابل، كما توجد مؤسسات خيرية داخلية في أفغانستان، معظم مشروعاتها يمولها الأفغان أنفسهم ممن يعملون في الخارج ويساعدون في تنمية وطنهم.

ما الدور الذي تنتظرونه من الدول العربية؟

– لإخواننا العرب دور كبير في مساعدتنا، وهذا واجب شرعي ليمدوا يد العون لإخوانهم في أفغانستان، وننتظر منهم وقوفهم الأخوي كما وقفوا بجانبنا أيام الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي السابق.

وماذا عن دور الكويت؟

– الدور الكويتي في إغاثة الشعب الأفغاني ملحوظ، وأشكر مرة أخرى دولة الكويت بلد الإنسانية على فزعتها لإغاثة أفغانستان، فمؤسساتها تتعامل مع الهلال الأحمر الأفغاني، وتهتم ببرنامج الأمن الغذائي، وتتبرع بأموال كثيرة، وتقدم مساعدات كبيرة من خلال الأمم المتحدة، وإن كنا نأمل أن تفتتح الكويت سفارة لها أو بعثة دبلوماسية في أفغانستان حتى يكون تقديم المساعدات بشكل مباشر للمنظمات والمؤسسات الأفغانية؛ فالوجود الدبلوماسي الكويتي إذا وجد، فسيسهل دورها في مساعدة الشعب الأفغاني الذي يعاني منذ عقود من الحروب والفقر.

Exit mobile version