من هو مهران ناصري الذي علق بمطار باريس 18 عاماً وتحولت قصته لفيلم عالمي؟

 

رحلات الانتظار والسفر غالباً ما تكون صعبة وثقيلة، وكما يقولون: “ساعة الانتظار دهر”، لكن تخيل أن اللاجئ الإيراني مهران كريمي ناصري عاش في مطار “شارل ديجول” بباريس 18 عاماً منتظراً، وتحولت قصته لأفلام وقصص شهيرة، وقبل أسابيع عاد إلى نفس المطار وتوفي فيه السبت 12 نوفمبر الجاري.

بداية القصة

مهران كريمي ناصري، ولد في إيران عام 1942 لأب إيراني وأم من أصول بريطانية، وعند وصوله المرحلة الجامعية سافر إلى بريطانيا عام 1974 لاستكمال دراسته في جامعة “برادفورد” في إنجلترا، في هذه الأثناء خلال دراسته الجامعية، كانت إيران تعاني القمع تحت حكم الشاه، فشارك في أحد الاحتجاجات في إنجلترا ضد حكم الشاه.

من الطائرة إلى السجن

في عام 1977 عاد ناصري إلى إيران، لكن تم اقتياده إلى السجن وسُجن 4 أشهر، على خلفية مشاركته في احتجاج بإنجلترا ضد سياسات الشاه، وبمجرد إطلاق سراحه من السجن، قرر مغادرة البلاد والبحث عن الاستقرار في بلد جديد.

ترانزيت 18 عاماً

اتجه ناصري إلى أوروبا وتقدم للحصول على اللجوء في عدة دول أوروبية، لكنه قوبل بالرفض، وفي نهاية الأمر منحته بلجيكا صفة لاجئ، وهنا وتحديداً في عام 1988، ونظراً لمعرفته الجيدة بإنجلترا حيث درس هناك، أراد الانتقال إلى بريطانيا للاستقرار فيها بدلاً من بلجيكا.

خلال رحلته إلى إنجلترا كان عليه الهبوط في فرنسا، ليستقل طائرة أخرى إلى لندن، فاشترى التذاكر واتجهت طائرته بالفعل من بلجيكا إلى مطار “شارل ديجول” في فرنسا، ومنه استقل الطائرة المتجهة إلى مطار هيثرو في لندن، وبمجرد هبوط الطائرة كانت الصدمة وبدأت المعاناة.

في مطار “هيثرو” فوجئ ناصري بأن حقيبة أوراقه قد ضاعت، فرفضت السلطات البريطانية السماح له بالدخول وأعادته مجدداً إلى باريس، ومن جانبها لم تسمح له فرنسا بدخول أراضيها، ورفضت بلجيكا استقباله مجدداً بعد فقدان أوراقه التي تثبت هويته.

إذاً لم يعد أمام ناصري مكان يذهب إليه ولا أوراق تثبت هويته، فكان مصيره الانتظار في صالة الركاب رقم (1)، وتحول المطار من مكان انتظار لساعات قليلة إلى مقر إقامة ناصري لمدة 18 سنة.

الإقامة على حافة الانتظار

بدأ ناصري يتعايش في المطار ويطلب الطعام من المطاعم الموجودة فيه، وكان يستحم في مراحيض المطار ويعيش يومياته بصحبة حقائبه بين المسافرين كأنه عابر من هنا.

وبعد الإقامة لشهور، ظن أنه لو بحوزته تذكرة سفر حينها سيمكنه الانتقال، فبدأ يطلب مساعدة المسافرين في جمع ثمن التذكرة، وعلى مدار عامين تمكن من جمع المبلغ، وفي الممر المؤدي إلى الطائرة أُعتقل وسُجن 6 أشهر وبعدها أعيد إلى صالة الانتظار في مطار “شارل ديجول” مجدداً.

عرف المحامي الحقوقي الفرنسي كريستيان بورجيه بقصة ناصري، فقرر مساعدته، ليتمكن من السفر، وبعد مرافعات لدى المحاكم الفرنسية استمرت 4 سنوات، قضت المحكمة بأن ناصري دخل المطار بشكل قانوني كلاجئ ولا يمكن طرده منه، لكنها لم تمنحه تأشيرة مؤقتة أو صفة لاجئ، وبالتالي لا مفر من البقاء في المطار كما هو.

توجه المحامي إلى بلجيكا، وبعد نحو 7 سنوات للحصول على أوراق ثبوتية لناصري، كان موقف السلطات البلجيكية أنها يمكنها إصدار الوثائق اللازمة التي تثبت هوية ناصري ووضعه القانوني، لكن لن يتمكنوا من إرسالها بالبريد أو تسليمها للمحامي؛ وأنه عليه المجيء لاستلامها بنفسه لأن هذه الوثائق مهمة للغاية، وفي الوقت نفسه لن يتم السماح له دخول بلجيكا بحكم أنه ليس لديه أوراق ثبوتية.

في عام 1999 استطاع المحامي الحصول على أوراق ثبوتية مؤقتة من السلطات البلجيكية، تُمكّن ناصري من الحصول على تصريح بالبقاء في فرنسا، لكن ناصري رفض استلام هذه الوثائق ظناً أنها مزورة، وأنه بمجرد خروجه من المطار ستقتله الشرطة الفرنسية ففضل البقاء في المطار.

من المطار للسينما

قصة ناصري أصبحت مصدر إلهام لروايات وأفلام حققت انتشاراً واسعاً، أشهرها فيلم “The Terminal” عام 2004، للمخرج ستيفن سبيلبرغ، وبطولة توم هانكس.

حصل ناصري على 300 ألف دولار مقابل حقوق تصوير قصته، ورغم ذلك كان لا يزال يعيش في المطار ولا يستطيع مغادرته.

وفي عام 2006؛ أي بعد 18 سنة من البقاء في المطار، أصيب ناصري بوعكة صحية نُقل على إثرها إلى المستشفى خارج المطار، برعاية فرع الصليب الأحمر الفرنسي، وبعد بقائه عدة أشهر في المستشفى وتحسن حالته الصحية والعقلية، غادر المستشفى أخيراً في عام 2007.

سمحت له السلطات الفرنسية بالبقاء في فرنسا، ونُقل إلى مأوى للمشردين في باريس، لكنه استخدم المال الذي حصل عليه للسفر، وإكمال رحلته إلى بريطانيا التي بدأها قبل 20 عاماً.

عاد ليموت

وقبل فترة، عاد ناصري مجدداً إلى مطار “شارل ديجول” ليقيم في نفس المكان، لكن هذه المرة كانت للوداع، إذ توفي السبت 12 نوفمبر الجاري عن عمر 77 عاماً نتيجة إصابته بأزمة قلبية.

Exit mobile version