رغم الأزمة الاقتصادية.. هل باتت الجامعات المصرية لمن يدفع أكثر؟

 

رغم الأزمة الاقتصادية التي تحياها مصر قبل وبعد تعويم الجنيه نتيجة الظروف الاقتصادية الدولية القاسية، بحسب التصريحات الرسمية، فتح مسار إنشاء الحكومة المصرية 12 فرعاً لجامعات حكومية بمصروفات تحت مسمى “الجامعات الأهلية” جدلاً واسعاً في مصر حول مجانية التعليم في البلاد، خاصة بعد إعلان وزارة التعليم العالي مؤخراً إقبال أبناء المواطنين على الجامعات الأهلية، وتراجع نسب سفر الطلاب للتعليم في الخارج بنسبة تصل إلى 70% لهذا العام مقارنة بالعام السابق.

وتنص المادة (19) من دستور البلاد على أن “التعليم حق لكل مواطن.. تكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

المادة (19) من الدستور أقرت حق التعليم المجاني للمواطنين

“المجتمع”، من جانبها، طرحت الجدل المثار على عدد من الخبراء، الذين اتفقوا على أهمية الاعتناء بالطلاب المتفوقين وتقديم منح مجانية لهم للدارسات الأساسية والجامعية والعليا، لكنهم اختلفوا على استمرار مجانية التعليم في مصر؛ ما بين مؤيد كونه حقاً للمصريين طبقاً لنصوص الدستور والقانون، ورافض كون الزمن قد تجاوزه.

مجانية التعليم حق للمواطنين

في البداية، يرى السياسي والأكاديمي د. عمار حسن، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن مجانية التعليم حق للمواطنين وواجب على الدولة، له مردوده على كافة المخرجات في التفكير الإستراتيجي إذا تم الاعتناء به في مصر.

د. عمار حسن

ويوضح د. حسن أن الجدل حول مجانية التعليم يدور في مصر منذ 80 سنة، وكانت هناك مدرستان؛ إحداهما للأديب الراحل د. طه حسين التي تنادي بمجانية التعليم وما أسماه وقتها “ديمقراطية التعليم”، والمدرسة الثانية لوزير المعارف الأسبق إسماعيل القباني التي تتبنى “نخبوية التعليم”.

ويضيف أن رؤية حسين انتصرت قبل العام 1952، ثم تأكدت بعد ذلك عبر الثورة وأصبحت المجانية واقعاً، لكن بعد ذلك صارت عبئاً على الدولة وتململت منها، وصار التعليم الحكومي سواء الجامعي أو ما قبله بمصروفات أكبر من قدرات بعض الأسر، رغم أنه نظرياً نصوص القانون والدستور تحمي مجانية التعليم.

د. حسن: مجانية التعليم حق وتوفر للدولة الكثير

ويؤكد د. حسن أنه يقف مع مجانية التعليم، مع فتح المجال للقادرين أن يفتحوا مدارس خاصة غير ربحية أو يقوموا بتمويل المنح للطلاب المتفوقين في الدراسات الجامعية والعليا، مع تحرك منظمات المجتمع المدني في تدريب المعلمين وتوفير السكن للطلاب وتعزيز العملية التعليمية.

ويشير إلى أن خطوة تأخذها الدولة في اتجاه تطوير التعليم مع الحفاظ على مجانيته ستصب في صالحها بالمستقبل، وأي إنفاق على التعليم في الوقت الحالي سيوفر على الدولة نفقات أخرى في المستقبل، حيث إن التعليم سيساهم في تشكيل مواطن أقل ارتكاباً للجرائم وأكثر إنجازاً في العمل والإنتاجية، وحريصاً أكثر على الاعتناء بصحته وعلاقاته، وأكثر قدرة على حسن تربية أبنائه، وهو ما يوفر نفقات تدفعها الدولة الآن في المحاكم والمستشفيات وغيرهما جراء غياب الوعي وعدم جودة التعليم.

إلغاء المجانية ضرورة

وفي المقابل، يرى الرئيس السابق للجامعة الفرنسية بمصر الرئيس الأسبق لجامعة الإسكندرية د. حسن ندير أن إلغاء مجانية التعليم الجامعي ضرورة الوقت في مصر، مع توفير منح دراسية للطلاب المتفوقين غير القادرين على تحمل تبعات التعليم بمصروفات.

ويوضح ندير، في حديث لـ”المجتمع”، أن العالم كله اتجه إلى تطوير التعليم الجامعي، وتحميل الطلاب غير المتفوقين أعباء مواصلة التدرج التعليمي سواء عبر الجامعات الحكومية بمصروفات وهو ما حدث في الجامعات الأهلية أو عبر الجامعات الخاصة.

د. ندير: أدعو لإلغاء المجانية وتوفير منح للمتفوقين فقط 

ويرفض ندير الاتهامات الرائجة التي توجه لمطلب “إلغاء مجانية التعليم الجامعي”، وأنه محاولة لـ”تسليع التعليم الجامعي”، مؤكداً أن التعليم ليس سلعة، ولكنه يحتاج إلى نفقات لا تستطيع الدول تحملها بمفردها، ومصر بالتأكيد منها، وبالتالي يجب تطوير النظرة التعليمية من المجانية إلى مرحلة تجمع بين المنح المجانية للمتفوقين والتعليم بمصروفات لغير المتفوقين خاصة من القادرين، ليكون التعليم الجامعي على حسابهم.

د. حسن ندير

ويشدد على أهمية تفرغ الطاقات الرسمية لرعاية الطلاب المتفوقين في هذه المرحلة، مع توفير غطاء نقدي للتعليم الجامعي عبر الجامعات الأهلية أو الخاصة.

العدالة التعليمية

من جانبه، يرى الخبير الإداري والإستراتيجي المعني بالمشروعات الكبرى م. إبراهيم فهمي، في حديث لـ”المجتمع”، أن شعار “مجانية التعليم” غير واقعي بشكل كبير في مصر؛ لأنه في نهاية المطاف هناك مصروفات تدفع حتى ولو كانت بنسب قليلة، وبالتالي فأمر تحريك الأسعار في الفترات الأخيرة مرتبط بتحول الأسعار عالمياً وتغيرات الاقتصاد ورغبات المجتمع الاستهلاكية التي تبحث عن المظهر قبل الجوهر والجودة، في ظل وجود تحرك رأسمالي لتعزيز وجوده في التعليم الجامعي بشكل أوجد الجامعات الأهلية بجوار الجامعات الخاصة لاستقطاب ما يمكن من الطلاب كبديل لسفرهم عن الخارج.

م. إبراهيم فهمي

ويشير فهمي إلى أن مجانية التعليم في دولة كبريطانيا حقيقية بنسبة 100%، تتكفل فيه الدولة بنفقات التعليم من الألف إلى الياء في مراحل بعينها مع اشتراطات في مراحل أخرى، بالتزامن مع استثمار جودتها في التعليم لاستقبال الوافدين الأجانب في جامعاتها العريقة، وهو ما يجب أن ينتبه إليه العالم العربي والدولة المصرية على وجه التحديد، فتجويد التعليم الجامعي في مصر قد يكون باباً لجلب العملة الأجنبية عبر الوافدين، وتوفير غطاء مالي يمكن من خلاله توفير مجانية حقيقية للتعليم.

م. فهمي: هناك غياب للعدالة التعليمية.. والأولوية باتت لجلب المال

ويوضح الخبير الإداري والإستراتيجي أن أولويات السلطات المصرية لا تصب في صالح تجويد التعليم الجامعي وما قبله، بقدر ما تسعى للتركيز على العائد المادي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتوابعها التي تضررت دول عديدة منها، ومن بينها القاهرة.

ويضيف فهمي أن التعليم الجامعي في الخارج مرتبط بهجرة المصريين إلى الخارج للعمل، وما تبعه من جلب أولادهم معهم وربطهم بمؤسسات تعليمية خارجية، وبالتالي فإن الإعلان عن فوز الجامعات الأهلية المنبثقة من الجامعات الحكومية بنصيب الأسد في تقديم الطلاب بدلاً من السفر للخارج أمر يجب أن يكون محل نقاش لا افتخار، في ظل تأثير ذلك على العدالة التعليمية وعدم المساواة في الفرص في ظل انخفاض درجات القبول في الجامعات الأهلية والخاصة عن الحكومية، وهو ما دفع نقابة المهندسين في مصر للتحفظ على ذلك المسلك.

Exit mobile version