ترقب شعبي وتحركات حكومية.. كيف تواجه مصر توابع “تعويم” الجنيه؟

 

صدمة واسعة يعيشها المصريون بعد قرار تعويم الجنيه المصري؛ ما أدى إلى خفض قيمته ما يقرب من 17%، وصعود قيمة الدينار الكويتي والدولار، فيما تحاول الحكومة المصرية خلال الساعات الأخيرة امتصاص الصدمة بإصدار قرارات زيادة في الأجور والمعاشات وسط حملة دعاية كبيرة لتفريغ أي احتقان يشارك فيها كافة الوزارات.

وبحسب خبير اقتصادي بارز تحدث لـ”المجتمع”، فإن الأعباء قد تتزايد في الفترة المقبلة على المواطنين، في ظل الضغط على قيمة الجنيه، ما يتطلب الرشد الاقتصادي.

وأصدر البنك المركزي المصري، الخميس الماضي، حزمة قرارات، أهمها زيادة سعر الفائدة 200 نقطة أساس، وتحديد نظام سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية ليصل سعر الدولار في مواجهة الجنيه، السبت 29 أكتوبر، إلى 23.15 جنيهاً مصرياً، فيما وصل سعر الدينار الكويتي إلى 74.74 جنيهاً مصرياً.

قلق بين المصريين والحكومة تتجه إلى الحماية الاجتماعية والاقتراض والمعارض المخفضة والرقابة

زيادة الأعباء وانخفاض جديد للجنيه

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي وكيل وزارة التجارة الخارجية المصرية للبحوث الاقتصادية د. عبدالنبي عبدالمطلب، في تصريحات لـ”المجتمع”: أكثر ما يشغل بال المواطن المصري حاليًا هو مستقبل الجنيه، وهل ستقوم الحكومة فعلًا بتعويمه كلياً بعد أن اعتمدت سعر صرف مرن لتحديد سعر الجنيه أم لا، حيث إن اعتماد سعر مرن للدولار يعني أنه سيتم تخفيض قيمة الجنيه بنسبة محددة ومحسوبة، وهذا يختلف عن التعويم الذي يعني ترك الجنيه كلياً تحت تأثير قوى السوق.

ويضيف الخبير الاقتصادي: التوقعات المستقبلية تشير إلى أن الضغط على الجنيه سيؤدي إلى المزيد من انخفاضه باستمرار، وبنسب غير محددة، حتى يتم الموافقة النهائية من قبل مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد الدولي.

د. عبدالنبي عبدالمطلب

ويشير د. عبدالمطلب إلى أن قرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس وتخفيض قيمة الجنيه بنسبة 17% لتبلغ نسبة التخفيض منذ أبريل الماضي ما يزيد على 47%، كانت خطوة مؤجلة لما بعد تعيين قائم بعمل محافظ البنك المركزي المصري فقط، ذلك من أجل دعم هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، وفق بيان البنك المركزي.

ويضيف عبدالمطلب أن هذه القرارات لا تختلف عن القرارات التي اتخذت عام 2016، التي نتج عنها ارتفاع الأسعار بنسب زادت عن الضعفين، وسقط عدد غير قليل في براثن الفقر.

ويعرب عن خشيته من أن تؤدي هذه القرارات إلى ارتفاع تكلفة تمويل الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض سعر الجنيه؛ ما يؤدي إلى زيادة الأعباء على كاهل المواطن، مؤكداً أن المشكلات الاقتصادية تؤدي في أكثر الأحيان إلى عدم وجود استقرار سياسي واجتماعي.

د. عبدالنبي: الأعباء قد تزيد على المواطنين والجنيه قد ينخفض مجددًا

ويرى د. عبدالمطلب أن التحديات التي تواجه المواطن حالياً فوق طاقته واحتماله، قائلًا: لا أعتقد أن هناك قولاً بعد تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي من عدم قدرة المواطن الذي يحصل على أقل من 10 آلاف جنيه على العيش بكرامة، ولكن يرى البعض أهمية اتخاذ المواطنين أقصى درجات الرشد الاقتصادي، مثل التوفير قدر الإمكان في الغاز والكهرباء والمياه، وإمكانية استخدام المواصلات العامة كبديل للسيارة الخاصة، والترشيد في النفقات قدر المستطاع وقصرها على النفقات الضرورية فقط، مع محاولة زيادة دخله واستغلال كامل قدراته وإمكاناته.

ويوضح الخبير الاقتصادي أنه طبقاً لبيانات حركة التجارة الدولية المصرية، فإن عجز الميزان التجاري المصري قد ارتفع بمقدار 3 مليارات دولار في نهاية مارس 2022، ليصل إلى نحو 33.5 مليار دولار، فيما حققت فيه الصادرات المصرية ارتفاعاً بنسبة 57.8% لتصل إلى نحو 32.5 مليار دولار في نهاية مارس 2022، وفي الفترة نفسها لم ترتفع قيمة التحويلات إلا بنحو 300 مليون دولار فقط، وتحول صافي ميزان المدفوعات من فائض قدره 1.8 مليار دولار في نهاية مارس 2021 إلى تحقيق عجز قدره نحو 7.3 مليارات دولار في نهاية مارس 2022.

تحركات حكومية

ووفق رصد مراسل “المجتمع”، كثفت الحكومة المصرية جهودها لمحاصرة توابع الأزمة الاقتصادية في الساعات الأخيرة.

وأعلن د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن عدد من إجراءات الحماية الاجتماعية؛ وهي إقرار علاوة استثنائية لمحاربة غلاء المعيشة 300 جنيه شهريًا لجميع العاملين بالدولة والمعاشات، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 جنيه، ويسري هذا على الحد الأدنى للأجور، مع استمرار العمل بالحزمة التي تم الإعلان عنها وتوفير دعم مالي للأسر على بطاقات التموين 100 جنيه يستفيد منها أكثر من 10 ملايين مواطن ستستمر إلى  يونيو القادم.

وأكد رئيس الوزراء عدم زيادة رسوم الكهرباء الحالية حتى 30 يونيو من العام المقبل تخفيفاً عن المواطنين، ووضع آلية لتعويض ودعم العمالة بالشركات التي تعثرت، وصرف دعم مالي للشركات حتى 30 يونيو بشرط عدم تسريح العمالة، وسيتم الإعلان عن الآلية قريباً.

حزب الكرامة: كل ما نحيا فيه بسبب التبعية للهيمنة الأمريكية والصهيونية

“الاقتراض” كان وسيلة الحكومة لمواجهة التضخم كذلك، حيث أعلنت عن التوصل لاتفاق للحصول على قرض بقيمة 9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي؛ منها 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ومليار دولار من صندوق الاستدامة، و5 مليارات دولار من الدول الشريكة للتنمية؛ لتمويل الموازنة المصرية.

قلق مجتمعي

من جانبه، أعرب حزب الكرامة المعارض، في بيان رسمي، عن قلقه الشديد حول الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتردي المتواصل في سعر صرف الجنيه المصري وتأثيره علي حياة ملايين المصريين.

وأوضح الحزب الذي يشارك في الحوار الوطني بمصر أن الاقتصاد ليس أرقاماً فقط، ولكنه تعبير عن انحيازات اجتماعية ورؤى سياسية وعلاقات خارجية تترجم إلى فرص وتحديات وتنعكس على الأرقام والمؤشرات، أما ما تفعله الحكومة المصرية من التعامل مع الملف الاقتصادي باعتباره مجرد ملف فني لا يرتبط بالخيارات والرؤى السياسية القائمة، فهذا يجعلنا أبعد ما نكون عن الحل.

وأكد الحزب أن السياسات الاقتصادية التي أدت إلي هذه الأزمة الاقتصادية الممتدة كانت نتيجة لخيار سياسي وهو دخول مصر تحت مظلة التبعية والهيمنة الأمريكية المترافقة مع إجراءات الاعتراف بالعدو الصهيوني.

وأضاف الحزب أن تلك الإجراءات فرضت على مصر توجهات وإجراءات اقتصادية لتتوافق مع خياراتها السياسية المستجدة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الغربية، ومنها تصفية القطاع العام الإنتاجي في مصر عن طريق برامج البيع والخصخصة وفتح السوق للسلع والمنتجات الأجنبية ليتحول المجتمع من مجتمع يسعى لترشيد الاستهلاك من أجل الادخار والاستثمار إلى مجتمع استهلاكي للسلع والمنتجات المستوردة.

د. عبدالسلام: لا بد من تغيير إجراءات الاستثمار والاعتماد على أهل الكفاءة

وانتقد الحزب ما وصفه بالسعي المحموم للاقتراض الخارجي تلبية لمتطلبات الاستهلاك المتصاعد الذي أصاب الاقتصاد بتشوه هيكلي مزمن لا ينفع معه مسكنات السياسات النقدية مثل الخفض المتكرر لسعر صرف الجنيه وذلك لتوفير العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد أغلب الاحتياجات لبلد لم يعد ينتج إلا ما ندر.

وشدد الحزب على أنه لا خروج من الأزمة الاقتصادية إلا بمراجعة شاملة للسياسات والانحيازات الاجتماعية وعلاقات مصر الخارجية والسعي لاستعادة مصر لاستقلال قرارها الوطني سياسياً واقتصادياً وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الأمل الموهوم إلى اليأس والإحباط.

د. رضا عبدالسلام

وفي السياق نفسه، طالب الخبير الاقتصادي الذي كان يشغل في العام 2016 منصب محافظ محافظة الشرقية (شرق البلاد) د. رضا عبدالسلام بتغيير واقع الاستثمار في مصر وإجراءاتها وإزالة معوقاته، وتحريك كافة القطاعات المعطلة كالتصالح والإيجار القديم ومشكلات الزراعة، وعلاج مشكلات آلاف المصانع المعطلة كركائز أساسية للمواجهة.

وأضاف د. عبدالسلام، في تدوينات على صفحته بـ”فيسبوك”، أن كل هذا يتطلب كوادر محاربة وفاهمة وعملية في كل قطاع عبر الاعتماد على أهل الكفاءة لا أهل الثقة.

Exit mobile version