محكمة دستورية في بنغازي.. مخاوف وتداعيات

خطوة جديدة تضاف إلى أخريات “منفردة” يتخذها مجلس النواب الليبي وصفها مراقبون بـ”الجدلية” طالت هذه المرة قطاع القضاء في البلاد.

إذ ناقش “النواب الليبي” خلال جلسة رسمية، مقترحا مقدما من رئيسه عقيلة صالح، يقضي بإنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي (شرق) عوضا عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ومقرها طرابلس (غرب).

وذكر بيان صدر عقب الجلسة الأربعاء الماضي، أن “المجلس صوت بأغلبية الحاضرين بإحالة مشروع قانون المحكمة الدستورية إلى المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لإبداء الرأي حول مدى ملاءمة نصوصه مع أصول تشكيل المحاكم”.

وينص المقترح، على إنشاء محكمة دستورية تتكون من 13 عضوا يعينهم مجلس النواب في أول تشكيل للمحكمة ومقرها مدينة بنغازي.

كما ينص المقترح على أن تحال كل الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا إلى المحكمة الدستورية الجديدة بمجرد صدور قانون تشكيلها.

وبحسب المقترح، لا يجوز الطعن بعدم دستورية القوانين إلا من رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو 10 نواب أو 10 وزراء.

وكغيرها من الخطوات والقوانين التي يصدرها مجلس النواب، أثار مقترح المحكمة الدستورية جدلا في البلاد.

** أسباب الخطوة الجديدة

وقال الخبير القانوني سليمان الشويهدي، إن “مجلس النواب إذا مرر تلك الخطوة فستكون ضربة قاضية لقطاع القضاء أولا ولوحدة ليبيا بشكل عام”.

وأضاف أن “مجلس النواب اتخذ خلال هذه الفترة قرارات جدلية عديدة تختص بالقضاء أولها تعيين 35 مستشارا بالمحكمة العليا وثانيها تعديل قانون المحكمة بحيث أصبح ينص على أن يؤدي مستشارو المحكمة اليمين القانونية أمام مجلس النواب لا أمام المجلس الأعلى للقضاء”.

وتابع الشويهدي الذي كان يعمل قاضيا: “مجلس النواب أقال أيضا رئيس المحكمة العليا المستشار محمد الحافي وعيّن آخر مكانه قبل شهر”.

وأكد أن “كل تلك القرارات إقحام للقضاء في الأزمة الناشبة حاليا رغم محافظته على استقلاليته طوال السنوات الماضية في ظل أزمات سياسية أشد تعقيدا من التي تشهدها البلاد حاليا”.

وعن دوافع عزم مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية في بنغازي، قال القاضي السابق إن “الأمر واضح جدا، فمجلس النواب اتخذ هذه الخطوة لسببين”.

وأردف: “الأول انتقام من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس التي يسعى مجلس النواب إلى إلغائها فور تشكيل المحكمة الدستورية في بنغازي، لأسباب تعود إلى حكم سابق للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا طالب بحل مجلس النواب قبل أعوام”.

وزاد أن “السبب الثاني استباق من مجلس النواب لقرار إعادة تفعيل عمل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس”.

وفي 18 أغسطس/ آب الماضي قررت الجمعية العمومية للمحكمة العليا إعادة تفعيل الدائرة الدستورية بعد إقفالها 6 سنوات (منذ 2016) بعد مطالبة بتفعيلها للفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية قادت البلاد إلى أزمة سياسية.

وأوضح الشويهدي أنه “من المقرر أن تنظر تلك الدائرة الدستورية في طعون مرفوعة أمامها ضد القرارات المخالفة الصادرة عن مجلس النواب طوال الفترة السابقة”.

ومضي بالقول: “خاصة قانوني 1 و2 المتعلقين بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية إضافة لقرار النواب تعديل الفقرة 12 من الإعلان الدستوري الذي يعد أهم القضايا المطروحة للتداول والفصل أمام الدائرة الدستورية حاليا”.

** الخوف من تسييس القضاء

لم يعلق مجلس الدولة بعد على خطوة مجلس النواب، إلا أن أعضاء فيه صرحوا برفضها باعتبارها إقحاما للقضاء في الأزمة.

وقال موسى فرج أحد أعضاء مجلس الدولة الرافضين لخطوة مجلس النواب، إن “مشروع قانون إنشاء محكمة دستورية في غياب دستور دائم مقترح غير موفق، إذ يمس استقلالية القضاء ومن شأنه تعميق أزمة البلاد”.

وأضاف فرج، في تصريحات صحفية، أن “على مجلس النواب التركيز على خلق توافق سياسي يحقق شراكة وطنية تعزز فرص قيام الدولة المدنية التي تحقق الاستقرار والعدل لكل الليبيين”.

من جانبه، دافع النائب في مجلس النواب عبد المنعم العرفي عن الخطوة المتخذة أخيرا قائلا “الهدف من مقترح إنشاء محكمة دستورية في بنغازي بدلا عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس، هو إبعاد تلك المؤسسة الهامة عن التشكيلات المسلحة غير المنضبطة التي تسيطر على طرابلس”.

وأضاف العرفي، للأناضول، أن “الدائرة الدستورية بطرابلس ستنظر خلال الفترة المقبلة في طعون عديدة وسوف تحكم لصالح أحد أطراف النزاع الليبي وهذا سيتسبب بمزيد من الانقسام”.

وتابع: “أحكام الدائرة الدستورية في طرابلس ستكون مسيسة، بسبب سيطرة المجموعات المسلحة على طرابلس مقر الدائرة الدستورية الحالية، مثل ما حدث في الحكم الصادر عنها عام 2014 والقاضي بحل مجلس النواب، حيث جاء ذلك القرار عبر فوهات البنادق”.

وأوضح العرفي: “هناك مخاوف من أن تكون الدائرة الدستورية التي أعيد استئناف افتتاحها أخيرا في طرابلس تحت سيطرة تلك المجموعات المسلحة سواء لإصدار قرارات أو منع أخرى من الصدور”.

وتعيش ليبيا أزمة سياسية تتمثل في صراع بين حكومة عينها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

ويأمل الليبيون أن يسهم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في نقل السلطة وإنهاء نزاعات مسلحة يعاني منها منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.

Exit mobile version