مخيم شعفاط في فلسطين.. سجنٌ ضاق بسكانه وتاريخ نضالي مُشرّف (صور)

 

على بعد 5 كم إلى الشمال الشرقي من مركز مدينة القدس، تظهر مباني مخيم شعفاط المتلاصقة، والشقق السكنية المكدسة فوق بعضها البعض في بناء عمودي، بعد أن ضاقت بها الأرض للتوسع الأفقي في مساحة لا تتجاوز 200 دونم.

وأعيد تسليط الضوء على المخيم، عقب عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني مساء السبت الماضي عند الحاجز العسكري وقتل فيها مجندة صهيونية، تزامنا مع استشهاد 4 فلسطينيين بالضفة الغربية، وما تلاها من فرض حصارٍ مشدد عليه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والتنكيل بأهله، وفي هذه المادة نُعرّفكم أكثر على هذه المنطقة.

أقيم مخيم شعفاط عام 1965 على أرض استأجرها الملك الأردني حسين بن عبد الله من أصحابها لـ 99 عامًا، وبدأ ترحيل المواطنين إليه عام 1966 أي قبل عام واحد من النكسة، وفق الناشط بالمخيم نصري غنايم.

ويلفت “غنايم” إلى أن استئجار الأرض من بلدة شعفاط أكسب المخيم اسمه الحالي “مخيم شعفاط”، فيما يطلق عليه البعض اسم “مخيم عناتا” لارتباطه جغرافيًا وملاصقته ببلدة عناتا.

ويروي أن المخيم كان مجهزًا لاستقبال اللاجئين من البلدة القديمة بالقدس، الذين أسكنتهم المملكة الأردنية فيها بعد تهجيرهم من أراضيهم إبان النكبة الفلسطينية عام 1948، وبالتالي تعرض أهالي المخيم للهجرة مرتين.

وتعود أصول عائلات المخيم وفق مصادر توثيقية، إلى 55 قرية فلسطينية هجرت عام 1948 تابعة لمناطق القدس واللد ويافا والرملة.

ويعد مخيم شعفاط المخيم الوحيد في الضفة الغربية الذي يحمل قاطنيه الهوية التابعة للمحتل (دون الجنسية)، أو ما يسمى بـ”الهوية المقدسية”، على خلاف هوية فلسطينيي الداخل المحتل، وهو ما يضمن لهم حقوق الإقامة في القدس ويجعلهم مؤهلين للحصول على بعض الخدمات الاجتماعية الإسرائيلية، بما في ذلك الرعاية الصحية.

وتحيط بالمخيم عددًا من المستوطنات الصهيونية، كمستوطنة “التلة الفرنسية” من الجنوب؛ ومستوطنة “بسجات زئيف” من الشمال؛ ومستوطنة “عناتوت” من الشرق؛ ومستوطنة “شفاط” من الغرب.

كما يحاصر جدار الفصل العنصري المخيم من ثلاث جهات، ويتحكم الاحتلال بالدخول والخروج من المخيم عبر حاجز عسكري.

حاجز شعفاط

وبدأ الاحتلال بنصب الحاجز بشكل مؤقت خلال الانتفاضة الثانية من خلال وجود دوريات عسكرية وتفتيش للمركبات، ومع بدء بناء الجدار حول المنطقة عام 2002، تحوّل الحاجز إلى شبه دائم دون بناء أسمنتي.

وفي عام 2009 أعلنت سلطات الاحتلال تحويل الحاجز المؤقت إلى “معبر دولي”، يفصل بين الأراضي التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس عن مناطق الضفة.

واستمر العمل على توسيع الحاجز وبناء غرف تفتيش، ومسارات للمركبات، وأبراج مراقبة، وبوابات إلكترونية، لأكثر من 4 سنوات.

ويتكون الحاجز من 3 مسارات رئيسة؛ الأول للمشاة عبر بوابات فحص إلكتروني، والمسار الثاني مخصص للحافلات، والثالث للمركبات الخاصة.

ويضم “مبنى الحاجز” مراكز خدمات مدمجة، ومركزاً جماهيرياً، ومقراً للشرطة، ومكاتب لوزارات، ومكاتب أخرى تابعة لبلدية الاحتلال.

ويذكر الناشط غنايم أن ما يقارب 20 ألف مقدسي يمر عبر الحاجز بشكل يومي متوجهين لأعمالهم، إضافة لنحو 6 آلاف طالب يتوجهون لمدارسهم خارج حدود الجدار عبر حاجز مخيم شعفاط.

ويتواجد كل هذا العدد من المواطنين على الحاجز ما بين الساعة الرابعة فجرًا وحتى الثامنة صباحًا؛ ما يشكّل اختناقات مرورية كثيفة وصعوبة في الحركة والوصول للعمل أو المدرسة بالوقت المناسب؛ بسبب إجراءات التفتيش.

ويقول الناشط غنايم: إن إغلاق حاجز المخيم، يحوّل السكان لسجناء في منطقة محاطة بالجدار ومنعزلة عن الضفة الغربية بسببه، ومنفصلة عن القدس بسبب الحاجز.

اللاجئون في المخيم

وفقًا لسجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، فإن عدد اللاجئين المسجلين في مخيم شعفاط يصل إلى حوالي 11 ألف لاجئ، إلا أن عدد السكان فاق ذلك بكثير، خاصة بعدما أصبح المخيم تضم بداخلها منطقة “رأس خميس” و”رأس شحادة” وأجزاءً من ضاحية السلام التابعة إداريًا لبلدية عناتا.

في حين قدر جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في إحصائية صادرة عام 2020، عدد سكان المخيم بـ 19946 نسمة، يعمل حوالي 70% منهم في القطاع الخاص الإسرائيلي.

ويعود الاختلاف في الإحصاءات الرسمية كون “أونروا” تُسجل اللاجئين الحاملين لبطاقة لاجئ، في حين أن “جهاز الإحصاء” يحصي السكان بغض النظر عن كونهم لاجئين أم غير ذلك، خاصة أن المخيم بات وجهة للعديد من المقدسيين الذين انتقلوا للسكن فيه خلال السنوات الأخيرة؛ لتجنب فقدان حقوق الإقامة “الهوية” في القدس، في ظل منع البناء وسياسة الهدم التي ينتهجها الاحتلال في الأحياء المقدسية داخل الجدار.

المساكن والبنى التحتية

ووفق الناشط غنايم بدأ المخيم عام 1965، بـ 800 وحدة سكنية تتكون كل واحدة منها من غرفة واحدة بمساحة 6 متر مربع مبنية من الباطون، أسستها “أونروا”، وحمّام واحد لكل الحارة و”حنفية” مياه عامة.

ووفق سجلات “أونروا”، فإن سكان المخيم أضافوا بين عامي 1966-1983، 1600 وحدة سكنية إضافية على نفقتهم الخاصة، وحتى عام 1985 بلغ عدد المساكن 2100 مسكن، غالبيتها مكونة من غرفة واحدة للنوم والاستقبال معاً.

وتِبعًا لضيف سند، فإن مخيم شعفاط تمدد وكبر بشكل طبيعي حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم، وأصبح هناك أربعة أحياء متصلة وملاصقة له، وهي “رأس خميس، ورأس شحادة، والأوقاف”، وهي أحياء مقامة على أراضي شعفاط، وحيّ “ضاحية السلام” المقام على أراضي بلدة عناتا.

ويلفت إلى أن بيوت مخيم شعفاط والأحياء المرتبطة فيه متلاصقة بشكل فج، ما يجعل إمكانية التوسع العمراني الأفقي معدومة، فاتجه السكان للتمدد العمراني العامودي بأبراج وبنايات سكنية شاهقة قد تزيد على 15 طابقاً سكنياً، في كل طابق 3 شقق بالحد الأدنى.

ويفسّر غنايم أن كل ذلك نتيجة توجه العديد من المقدسيين للسكن بالمنطقة بسبب منع تراخيص البناء عن السكان في مركز مدينة القدس وأحياءها، وسياسة الهدم المسلطة عليهم.

وترتبط المساكن في منطقة مخيم شعفاط، بالبنية التحتية لشبكة المياه العامة والكهرباء؛ إلا أنها ليست جميعها متصلة بنظام الصرف الصحي العام.

ويرى مهندسو ومخططو المدن أن المخيم يواجه مشكلة الاكتظاظ وانعدام أمن السكن بسبب “تجاهل أنظمة الوكالة الفنية وأنظمة السلامة الخاصة بالمباني؛ حيث يتم إنشاء مساكن من 3 أو 4 طوابق فوق أساسات وضعت في الأصل لتحمل مبنى من طابق واحد”.

تهميش

ويعاني مخيم شعفاط والمناطق المجاورة له إهمالًا من السلطة الفلسطينية وعدم الاهتمام من بلدية الاحتلال بالقدس، إلى جانب محدودية في عمل “أونروا” بالمخيم، ما جعله يعاني من نقص في الخدمات والبنى التحتية.

وتوفر الوكالة مركزاً واحداً للعلاج الطبي ومدرستين فقط، اعتقادًا منها بأن الأوضاع المادية لأهالي المخيم جيدة، وبالتالي لا يحتاج السكان إلى خدماتها.

فيما لا تعترف بلدية الاحتلال في القدس جغرافياً بسكان المخيم، رغم جنيها الضرائب من السكان وفرض الغرامات ومصادرة البضائع منه فإنها لا توفر لهم الحد الأدنى من الخدمات العامة.

تاريخ نضالي

وعلى الرغم من ظلمة المشهد الذي يحاول الاحتلال تشويهه بكل الوسائل، يحظى مخيم شعفاط بتاريخ حافل بتنفيذ العمليات البطولية منذ بداية الصراع مع الاحتلال.

وبرز دور المخيم بشكل جليّ في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كما سجّل عددًا من الشهداء والمعتقلين خلال الانتفاضة الثانية، ونُفذت على حاجزه عدد من العمليات الفدائية، كما نفذ أبناءه عمليات خارجه.

وبلغ عدد شهداء مخيم شعفاط منذ الانتفاضة الأولى 70 شهيداً، برز منهم اسم الشهيد إبراهيم العكاري الذي نفذ عملية دهس وطعن في حي الشيخ جراح عام 2014 التي أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 10 آخرين.

ومن شهدائه أيضاً محمد سعيد علي، الذي لُقب بـ “كوماندوز السكاكين”، بعد تنفيذه عملية طعن في باب العامود عام 2015، أسفرت عن إصابة 3 من جنود “اليسّام”، والشهيد فادي أبو شخيدم الذي نفذ عملية إطلاق نار عند أبواب المسجد الأقصى عام 2021، وأسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة 3 آخرين.

وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال من أبناء مخيم شعفاط ما يقارب 270 أسيراً منهم حوالي 100 أسير من مخيم شعفاط ممن لم تتجاوز أعمارهم السن القانونية.

ويشهد المخيم حالة صراع واشتباك دائم مع قوات الاحتلال المتواجدة على حاجز المخيم.

ويسعى الاحتلال للتضييق على أهالي مخيم شعفاط لدفعهم للرحيل عنه تمهيداً لهدمه وإنشاء مستوطنة مكانه، حيث صادر مئات الدونمات من منطقة “راس شحادة” و”راس خميس” لصالح مشاريع استيطانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version