مآلات فوز اليمين المتطرف بالقيادة السياسية في إيطاليا

 

أكدت الانتخابات التشريعية الأخيرة في إيطاليا المسار التصاعدي لكتلة اليمين المتشدد والشعبوي في أوروبا. 

فبعد التحولات الجذرية في المشهد السياسي الفرنسي إثر الانتخابات التشريعية التي أفرزت فوز حزب مارين لوبان التجمع الوطني (يمين متشدد) بـ89 مقعداً على 577 مقعداً في البرلمان الفرنسي، هذا المشهد يتكرر في نفس الاتجاه، ولكن بشكل متقدم على التجربة الفرنسية، إذ إن جورجيا ميلوني زعيمة حزب “أخوة إيطاليا” ستصبح في أغلب التوقعات أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ البلاد، وأول شخصية يمينية متطرفة تترأس حكومة البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد فوز الكتلة اليمينية التي تضم حزب “أخوة إيطاليا”، وحزب “الرابطة” (ليغا)، وحزب “فورزا إيطاليا” في الانتخابات التشريعية الأخيرة بشكل يضمن لها السيطرة على مجلسي البرلمان، وهو ما يعني أن إيطاليا هي البلد الثاني في أوروبا بعد السويد التي توصل إلى سدة الحكم حزباً ينتمي إلى أقصى اليمين. 

اليسار قلق ومتخوف من عودة الفاشية 

وكما هو متوقع، فقد أسرعت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى تهنئة ميلوني بهذا الفوز “التاريخي”، مشيدة بحرية إرادة الشعوب الأوروبية في اختيار قيادتها السياسية دون إملاءات، ويُقصد بها المفوضية الأوروبية، في حين عبرت أطراف سياسية يسارية عن قلقها بل وتخوفها من عودة الفاشية إلى أوروبا بما يذكّر بتاريخ مأساوي عاشته القارة العجوز زمن بينيتو أندريا موسوليني، وهو من مؤسسي الحركة الفاشية الإيطاليّة وزعمائها، وحاكم إيطاليا ما بين عامي 1922 و1943م، ومن الشخصيات الرئيسة المهمة في تكوين الفاشية؛ وهي تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، ظهر في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، لهُ نزعة قومية عنصرية تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس وتحدّ من الحريات. 

ولعل هذا القلق وهذا التخوف الصادرين عن أحزاب يسارية من صعود اليمين المتطرف في إيطاليا مؤشر على دخول أوروبا أجواء صراع أيديولوجي عميق بين فلسفتين سياسيتين؛ تقوم الأولى على إقصاء الطرف المخالف ثقافياً ودينياً وأيديولوجياً، والثانية التي يمثلها اليسار عموماً وأقصى اليسار خصوصاً وهي التي تسعى إلى الظهور بمظهر المنفتح على التنوع الثقافي والمساند والمناصر لقضايا المستضعفين والكادحين وخاصة الأقليات المضطهدة أو المحتقَرة، ويُحشر ضمن هذه الأقليات المسلمون والمثليون ودعاة الإجهاض.

ويُنتظر حصول مسألة مهمة في إيطاليا؛ وهو سعي الطرف الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة في إيطاليا من أقصى اليمين والكتلة اليمينية إلى تغيير الدستور الإيطالي -الذي يعتبره خبراء سياسيون من أفضل دساتير العالم- بشكل يكون على مقاسهم مستفيدين من الأغلبية البرلمانية.

وعي الجهات الإسلامية بالتداعيات 

لكن جهات إسلامية في إيطاليا تقول: إنها تهيأت لهذه المستجدات وهي تحرص على الحفاظ على علاقات الانفتاح على السلطات المحلية والتعامل معها بالحكمة لما فيه خدمة مصلحة الوطن بكل مكوناته ومن ضمنها المسلمون، وإذا اقتضى الأمر يتم التصدي بالأشكال القانونية لخطاب الكراهية وكل التعبيرات المستهدفة للوجود الإسلامي من طرف أقصى اليمين، من نوع أن المسلمين يخططون لأسلمة المجتمع الإيطالي وهم خطر على المجتمع، ولدى المسلمين في إيطاليا مؤسسات عريقة لها تجربة طويلة من التعايش والمواطنة والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية.

وفي تصريح سابق لمسؤول مسلم في إيطاليا رداً على موجة كانت استهدفت المساجد والمسلمين، قال: لن ينجحوا في استفزازنا، وسنظل على ثقتنا المطلقة بقوانين الدولة ومؤسساتها.

ولعل تمسك المسلمين بالقوانين وبحقوق المواطنة وكذلك –وهو أمر مهم جداً- الدفاع عن القيم المرتبطة بالأسرة وحماية أفرادها، من المجالات التي تساعد المسلمين على العمل المشترك مع الطيف السياسي الجديد في إيطاليا من كتلة اليمين بكل مكوناتها التي تميل إلى الحفاظ على مثل هذه القيم وتعتبرها جزءاً من هوية المجتمعات الأوروبية ذات الأصول المسيحية. 

الأولوية ليست للصراع الأيديولوجي

إلا أن الأزمة التي تمر بها أوروبا وخاصة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ستجعل التيارين من أقصى اليمين وأقصى اليسار يراجعان حساباتهما السياسية من حيث فتح جبهة صراع أيديولوجي تعمق الأزمة الخانقة سياسياً واقتصادياً، وإعطاء الأولوية للقضايا المعيشية وأزمة الطاقة وموقع الكتلة الأوروبية في المنظومة الدولية. 

Exit mobile version