متاعب اقتصادية وسياسية تنتظر نظام الانقلاب في تونس بعد قرار المحكمة الأفريقية

 

دعت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، الخميس الماضي، من مقرها بمدينة آروشا بتنزانيا، الدولة التونسية إلى العودة إلى الديمقراطية في أجل قدره سنتان من تاريخ تبليغها بالحكم، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية في غضون ذلك لإرساء المحكمة الدستورية وإزالة كافة العوائق القانونية التي تحول دون ذلك.

كما طالبتها بإعداد تقرير يوجه للمحكمة في أجل قدره 6 أشهر من تاريخ الإعلام بالحكم بخصوص الإجراءات المتخذة لتنفيذه، وتقديم تقرير كل 6 أشهر إلى غاية اعتبار المحكمة أن الحكم قد تم تنفيذه بالكامل.

المشهد عشية صدور التقرير

يأتي ذلك في وقت تشن فيه سلطة الانقلاب بتونس حملة من المحاكمات بملفات فارغة، كما توصف في تونس، منها محاكمة قيادات في حزب حركة النهضة طالت رئيس الحركة راشد الغنوشي، ونائبيه علي العريض، ونور الدين البحيري، ولأن الملفات فارغة فقد كانت الأسئلة أفرغ من فؤاد أم موسى، فقد سئل القيادي عضو مجلس شورى الحركة عن زوج ابنته مكنه من وظيفة في وزارة الداخلية، واللوز ليس له ابنة! وسئل الغنوشي عن نفق بين الجنوب التونسي وليبيا طوله 72 كيلومتراً (لا وجود له)! وبلغت الأسئلة درجة قال عنها القيادي في الحركة العجمي الوريمي: إنها من نوع ما هي هوايتك؟!

الهاني: تونس حالياً في ورطة قانونية وسياسية وأخلاقية جراء قرار المحكمة

وقد تزامن ذلك مع رفع الحصانة عن رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، حيث قرر مجلس القضاء العدلي عنه بعد اتهامه بتعطيل حرية العمل بالمحكمة الابتدائية بالمنستير بعد اتهامه اقتحام قاعة جلسة كانت منتصبة، وذلك تزامناً مع إضراب القضاة في يونيو الماضي، وهو ما نفته جمعية القضاة التونسيين، في بيان لها، الخميس الماضي.

وتم استدعاء الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي للتحقيق، وحرمان رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي من بطاقة هوية منذ أكثر من سنة، حسب تصريح له، عشية صدور تقرير المحكمة الأفريقية، وغيرها من القضايا المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان.

خارج إطار القانون

واعتبرت المحكمة، في حكمها، أن الدولة التونسية انتهكت حق الشعب في المشاركة في إدارة شؤونه العامة كما هو مكفول في المادتين (1) و(13) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما اعتبرت أن التدابير الاستثنائية المتخذة من قبل الدولة التونسية لم تصدر وفقاً للقوانين المعمول بها في الدولة التونسية، ولم تكن متناسبة مع الغرض الذي اعتمدت من أجله.

وطالبت المحكمة الدولة التونسية بإلغاء الأمر الرئاسي عدد (117) الصادر في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، والأمر الرئاسي عدد (69) المؤرخ في 26 يوليو 2021 المتعلق بإعفاء رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، والأمر الرئاسي عدد (80) المؤرخ في 24 أغسطس 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، والأمر الرئاسي عدد (109) المؤرخ في 24 أغسطس 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب.

محاكمة سعيّد

وفي تعليقه على قرار المحكمة الأفريقية، قال الخبير الدولي في حقوق الإنسان عبدالوهاب الهاني: إن تونس حالياً في ورطة قانونية وسياسية وأخلاقية جراء قرار المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

وبين الهاني، في تصريح لـ”إذاعة ديوان أف أم” الخاصة أنه في صورة عدم امتثال تونس للقرار الصادر عن المحكمة المذكورة الذي دعا تونس إلى العودة إلى الديمقراطية فستصبح هناك آثار سياسية، مضيفاً أن متابعة التنفيذ تتم في شقين؛ شق تقوم به المحكمة من خلال المتابعة كل 6 أشهر، وشق ثان يتمثل في الجانب السياسي ويقوم به المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي.

وأوضح الهاني أن المؤسسات التابعة للاتحاد الأفريقي ستطالب تونس إلى أين وصلت في مدى استجابتها لقرار المحكمة، مشيراً إلى أن ذلك سيصعب المأمورية على الدولة وعلى الشعب التونسي، وسيجعل تونس تعيش صعوبات على المستوى السياسي والمالي والاقتصادي، وذلك مع الشركاء في القارة والشركاء الدوليين.

أما الناشط الإعلامي مراد الزغيدي، فأشار إلى أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ضد قرارات قيس سعيد مقلق، باعتبار أنه لديها صورة جيدة وأخذت قرارات شجاعة ضد أنظمة وازنة في الاتحاد الأفريقي.

قرار المحكمة ملزم لتونس بعد أن أصبحت طرفاً في الميثاق الأفريقي في 21 أكتوبر 1986

وأضاف الزغيدي أن ذلك يذكر بأن وضعية سعيد وحكومته ليست جيدة عند اتخاذ التدابير الاستثنائية، وبأن إعطاء كل السلطات للرئيس غير مقبول، وأن الدولة التونسية تتحمل مسؤوليتها في الاعتراف بهذه المحكمة في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

خلفية القرار

وكانت المحكمة قد تلقت، في 21 أكتوبر 2021، عريضة رفعها المحامي لدى التعقيب ولدى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إبراهيم بلغيث ضد الجمهورية التونسية التي اعتبر فيها أن الدولة التونسية انتهكت حقوقه المكفولة في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وعدد من المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان على إثر صدور عدد من الأوامر الرئاسية سنة 2021.

وطلب المحامي المدعي من المحكمة بإصدار أمر بتدابير مؤقتة تلزم الدولة التونسية بإنهاء التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية والتصريح بأن الدولة التونسية انتهكت بذلك حقوقه كإنسان وحق الشعب التونسي بالخصوص في إدارة شؤون الوطن وفي اللجوء إلى القضاء كما طالب المحكمة بإلزام الدولة التونسية بإلغاء عدد من الأوامر الرئاسية.

قرار ملزم 

قرار المحكمة ملزم لتونس بعد أن أصبحت طرفاً في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، في 21 أكتوبر 1986، ثم طرفاً في بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إنشاء محكمة أفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في 5 أكتوبر 2007، فيما أودعت الجمهورية التونسية، في 16 أبريل 2017، لدى مفوضية الاتحاد الأفريقي، الإعلان الذي يقضي بقبول اختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في تلقي الدعاوى المرفوعة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية.

وتم إنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب من قبل الدول الأطراف لحماية حقوق الإنسان والشعوب في أفريقيا، ولها اختصاص النظر في كافة القضايا والنزاعات التي ترفع إليها بخصوص تفسير وتطبيق الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وكافة الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادق عليها الدول الأعضاء.

Exit mobile version