محاربة الفقر بالدفع النقدي المباشر للفقراء

 

ما أفضل طريقة لمساعدة شخص ما يعيش في فقر مدقع؟

قد يقول البعض تحسين الوصول إلى الغذاء بينما قد يركز البعض الآخر على الرعاية الصحية أو التعليم.

كلها أسباب وجيهة، ولكن الحقيقة هي أن احتياجات الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع تختلف، تجول في أحد الأحياء الفقيرة في كينيا، على سبيل المثال، وقد تقابل رواد أعمال ناشئين، وأشخاصًا يرغبون في الاستثمار في التعليم لأنفسهم أو لأطفالهم، وهناك أشخاص توفرت لديهم القدرة على العمل، ولكنهم يعملون أقل ويقضون وقتًا أطول في رعاية الأسرة.

منذ عام 2009، تقوم منظمة “جيف دايركتلي” (GiveDirectly) وتعني العطاء المباشر، غير الربحية للفقراء بتسهيل التبرعات النقدية الرقمية التي تذهب مباشرة إلى الحسابات المصرفية للمحتاج.

قدمت المنظمة، التي أسسها مجموعة من طلاب الدراسات العليا في الاقتصاد تضم اثنين من خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أكثر من 500 مليون دولار حتى الآن لأشخاص في 11 دولة، شملت مجموعة متنوعة من فقراء العالم بعضهم تبدأ سكان هيوستن الذين يتعافون من إعصار هارفي لتصل إلى المزارعين في كينيا.

إلى جانب مدفوعاتها، تدرس “جيف دايركتلي” آثار التحويلات النقدية من خلال تجارب التحكم العشوائية بالتعاون مع باحثين مستقلين، لدى المنظمة أكثر من 12 تجربة من هذا القبيل بعضها اكتمل وبعضها ما زال جارياً، وتجري اختبارات أخرى لفهم كيفية إنفاق المستفيدين للأموال بشكل أكبر، يعتمد العمل على مجموعة كبيرة من الأبحاث التي تدحض فكرة أن المدفوعات النقدية ستضيع على المخدرات والكحول.

إذا كنت تعتقد، كما نعتقد، أن احتياجات الناس مختلفة، فإن النقد هو أحد التدخلات القليلة التي تسمح للأشخاص بتلبية احتياجاتهم الخاصة، ويجب أن يكون لديهم معلومات أفضل عن احتياجاتهم، يقول روهيت وانشو، الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال 2008، الذي شارك في تأسيس المنظمة مع جيريمي شابيرو دكتوراة 2009، وبول نيهاوس، ومايكل فاي: إن ذلك يطرح سؤالاً حول ما هو الهدف من العمل الخيري؟ وهنا يمكنك اختيار تدخّل يتوافق مع قيمك الخاصة، أو قل، أريد أن أمنح هذا الشخص القدرة على عيش الحياة التي يريدها، وهذا سيختلف من شخص لآخر ومن أسرة إلى أخرى، ولكن بشكل عام، نرى بأن النقود هي أفضل طريقة لمطابقة احتياجات الناس مع العطاء.

أعمال خيرية بالهاتف النقال

قبل أن يقرروا بدء نوع جديد من الأعمال الخيرية، كان المؤسسون يحاولون فقط التبرع، وفي حوالي عام 2009، قاموا وهم طلاب دراسات عليا في مراحل مختلفة من دراسة اقتصاديات التنمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، بالموافقة على تخصيص نسبة من دخلهم للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع.

وكجزء من الدورات الدراسية، تعرف المؤسسون على تأثيرات المدفوعات النقدية على نطاق واسع من حكومتي المكسيك والبرازيل، وقرروا اختبار هذا النهج مع التبرعات الخاصة.

يقول وانشو: كنا نعلم أن النقد كان تدخلاً مدروسًا جيدًا وموثوقًا وفعالًا، لذلك كان هدفنا هو إقامة منظمة تأخذ أموالنا وتتبرع بها نقدًا، لقد استدعينا مجموعة من المنظمات لعمل ذلك ولكنهم رفضوا، لذلك أدركنا أنه يتعين علينا إنشاء منظمة مستقلة تركز فقط على تقديم دعم نقدي وهي الطريقة التي نريد بها أن نمنح الأموال.

يقول المؤسسون: إن نهجهم قد تأثر بأبحاث الفقر التي أجريت في مختبر عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر (P-PAL) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بما في ذلك العمل الحائز على جائزة “نوبل” الذي قام به مؤسسو “J-PAL” وأساتذة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إستر دوفلو وأبهيجيت بانيرجي، إلى جانب الخبير الاقتصادي مايكل كريمر.

كان أحد التطورات الرئيسة التي مكنت العطاء المباشر من الدفع للأفراد على نطاق واسع هو ظهور خدمات توصيل الأموال عبر الهاتف المحمول مثل “M-Pesa”، التي أصبحت شائعة بين الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات بنكية تقليدية في كينيا.

قام وانشو بأول رحلة إلى كينيا لتسجيل الأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات مؤقتة الذين نزحوا بسبب العنف بعد انتخابات عام 2007.

يقول وانشو: لأننا كنا مبتدئين في هذا إلى القطاع الخيري الخاص الذي يستهدف توزيع المعونات نقداً، قمنا بدمج مفهوم التحويلات النقدية بالثورة التقنية التي تمثلت في تحويل الأموال عبر الأجهزة المحمولة.

في برامج الدفع اللاحقة، استخدمت المنظمة تقنيات أخرى لتعزيز العمل، مثل صور الأقمار الصناعية لضمان حصول الأشخاص الذين لديهم أسقف من القش وأرضيات من الطين فقط على المدفوعات النقدية، برنامج العطاء المباشر يستكشف أيضًا استخدام التعلم الآلي في البيانات الوصفية للهواتف المحمولة لتحديد الفئات الضعيفة بشكل خاص.

باستخدام التكنولوجيا، نتجه نحو طرق “تحديد الأشخاص الأكثر فقرًا” التي ستكون أسرع وأكثر قابلية للتوسع؛ كما يقول نيهاوس: كان الوباء حافزًا كبيرًا لذلك، فبمجرد الحصول على البيانات على نطاق واسع، هناك بعض الأشياء المثيرة التي يمكنك فعلها فوراً.

هناك قصص لا حصر لها عن الأشخاص الذين استفادوا من مدفوعات المنظمة، التي تحتفظ بملف أخبار يشرح بالتفصيل كيف تغير المدفوعات النقدية حياة الأفراد، لكن المؤسسين يركزون على إنشاء أفضل نظام شامل بدلاً من التركيز على القصص الفردية.

يقول نيهاوس: القصص مفيدة لفهم الطريقة التي يعمل بها العالم، وفي الوقت نفسه، نريد أن نضع القصص في سياقها بالبيانات حتى لا نروي قصة عن أفضل سيناريو لا تشكل إلا 1%.

لاحظ المؤسسون أيضًا آثارًا إيجابية غير مباشرة عبر مجتمعات بأكملها ويقولون: إن لديهم دراسة قادمة في مجلة اقتصادية رائدة تظهر أن كل دولار يتم التبرع به قد عزز الناتج الاقتصادي الإجمالي للمجتمع بمقدار 2.40 دولار.

من المزايا الأخرى لنهج العطاء المباشر الذي يستخدم التكنولوجيا أنه قادر على تقديم أكثر من 90% من إجمالي الأموال المتبرع بها للأفراد كتحويلات نقدية، وهذا أكثر بكثير من المؤسسة الخيرية العادية.

يقول نيهاوس: لم تكن القيود المفروضة على النمو تتعلق أبدًا بالقدرة على التنفيذ؛ كان القيد دائمًا هو هل نحن على استعداد لمنح أموالنا للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع والسماح لهم بتحديد ما يجب فعله به؟ لذا، علينا إيجاد طرق لإقناع الناس بأن هذه الرؤية مثيرة.

القضاء على الفقر

في عام 2016، أشارت الأمم المتحدة إلى الحاجة إلى زيادة استخدام المساعدة القائمة على النقد في برامج مكافحة الفقر العالمية، يقول نيهاوس: إن هذا التوجيه يمثل تغييرًا كبيرًا في التصورات حول المدفوعات النقدية المباشرة مقارنةً بالوقت الذي كان فيه برنامج العطاء المباشر قد بدأ للتو قبل 7 سنوات.

ويضيف نيهاوس: لقد توصلنا جميعًا إلى أن تلك العقيدة القائلة بأن منح الأموال للناس لا يجدي نفعاً، وهذه هي أسوأ السيناريوهات التي قد تهدر التبرعات بطرق تضر بهم، وفي المقابل كانت هناك العديد من الدراسات التي تُظهر تحسن النتائج التعليمية، وتحسن النتائج الصحية، وتؤدي لانخفاض معدلات الدعارة، وانخفاض معدلات الجريمة، وزيادة ساعات العمل، كل الأشياء التي كنا تأمل فيها، وهو يختلف بالطبع باختلاف السياق واختلاف الأسر، هذا جزء كبير من قصة التحويل النقدي: لا توجد قصة واحدة، لأن الجميع مختلفون.

منذ عام 2017، تعمل منظمة العطاء المباشر أيضًا في الولايات المتحدة، مما يسهل مدفوعات الإغاثة الطارئة للأشخاص في أعقاب إعصاري هارفي، وماريا، والعمل مع مدينة شيكاغو في تجربة الدخل الأساسي الشامل، ومع منظمة خاصة في مشروع دخل مضمون للنساء الفقيرات في جورجيا.

ومع استمرار دراسة آثار المدفوعات النقدية في البلدان الأكثر ثراءً، يعتقد المؤسسون أن المدفوعات النقدية يمكن أن تستمر في إحراز تقدم كبير للقضاء على الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم.

يقول نيهاوس: ما زلت أفكر، ما الذي يتطلبه الأمر للقيام بذلك على نطاق عالمي لإنهاء الفقر المدقع؟ كم من المال سنحتاج؟ كيف يجب أن يبدو الاستهداف؟ لنفكر في ذلك ونقول: إذا كنا جميعًا على استعداد لتقديم نسبة قليلة مما نحصله، فهذه مشكلة قابلة للحل بالمعنى الميكانيكي في حياتنا، هذا اتجاه أنا متحمس لرؤيته يتحقق على أرض الواقع.

 

 

 

 

 

__________________________________

المصدر: مكتب أخبار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

Exit mobile version