“صفوة الحفاظ”.. حكاية غزة المباركة

 

ما زالت غزة تُبدع أكثر فأكثر وتُبهر العالم بجدارة رغم مرارة حصارها الظالم الذي يكاد يطبق على أنفاسها لأكثر من 15 عاماً، بوجود احتلال ظالم بين الفترة والأخرى يشن حروبه الشرسة على البشر والشجر والحجر.

ومع ذلك، شارة النصر ترفرف على أرض غزة العزة رغم ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، والنقص الحاد في الأدوية، وقلة الوقود، وقطع الكهرباء لساعات طويلة، وقائمة المعاناة تطول لا مجال لذكرها في هذه السطور القليلة.

كل ذلك يجعلني كلما تحدثت بواقع غزة أقسم بالله يقيناً أن غزة في معية الله تعالى، وهذا يجعل القلب يستقر في نبضه، وعودة الشهيق والزفير إلى معدلهما الطبيعي، ويجعل الابتسامة تزين الملامح بأننا رغم كل شيء الحمد لله بخير نثق بوعد الله عز وجل بنصره وأمنه وأمانه.

دائماً أردد: من الصعب أن تُفهم غزة؛ لذلك كثيراً ما يخفق المحلل السياسي، وكذلك الاقتصادي غيرهما الكثير في معرفة إلى أين ستصل الأوضاع في غزة.

دائماً أشعر بأن هناك لطفاً من الله الرحمن الرحيم يسير في عروق غزة ونبضها يجعلها تستجمع قواها بعد كل حرب ظالمة، وتعيد لها الحياة في أروقة المساجد والجامعات والمؤسسات والمدارس والأسواق.

فغزة رغم مساحتها الصغيرة وعدد سكانها الذي يزيد على مليوني إنسان، فإنها أبهرت العالم في كل شيء، ويقيناً بالله تعالى أن آخرها ليس “صفوة الحفاظ” التي سرد بها 581 حافظاً وحافظة القرآن الكريم كاملاً لساعات متواصلة قدرت منها 6 ساعات، وبعضها أكثر، إلا أن جميعها انتهت بسجود الشكر لله تعالى قبل صلاة المغرب أي قبل غروب الشمس التي أشرقت لتعلن فيه بدء السرد.

وهذا الأمر لأول مرة يحدث ليس في غزة أو فلسطين فحسب؛ بل في العالم أجمع، والجميل أن الحفاظ اختلفت أعمارهم، فمنهم الصغير الذي بلغ في يوم السرد 12 عاماً، ومنهم الكبير الذي اكتست لحيته بشيب الوقار، ومنهم الشاب ومنهم الفتيان، وكذلك النساء والفتيات والعجائز كان لوجوههم النيرة حضور واضح، وأصحاب القلوب البصيرة كانوا مبصرين بصوتهم في تلاوة آيات الرحمن، وكذلك المرضعات فكن متألقات وهن يحملن بين أذرعهن الحنونة أطفالهن الذين كان من بينهم رضيع لا يتجاوز عمره 25 يوماً، وهن يسردن القرآن، كان يوماً عظيماً له بركة وأمن وأمان على أهل غزة.

فمن هذه الصفوة تعلمت أنه لم يعد هناك عذر لأي مسلم في عدم حفظ كتاب الله تعالى، تعلمت بضرورة الحاجة لإعادة التفكير واتخاذ نقطة البداية من جديد، تعلمت أن غزة محفوظة بآيات القرآن، تعلمت أن النصر الحقيقي لغزة هو متابعة إعداد أجيال متتالية من حفظة آيات القرآن، تعلمت أن صاروخ المقاومة الذي صنع يدوياً يثخن العدو وجعاً ببركة القرآن، تعلمت أن صمود غزة كان وما زال بعظمة القرآن، تيقنت بالوقت ذاته أن غزة من المحال أن تهزم بجيل القرآن.

Exit mobile version