هذه مجموعة مسرحيات من فصل واحد، صدرت عن “دار نبوغ” بالقاهرة، عام 2021، من تأليف أحمد الهندي، وهو من خريجي دار العلوم جامعة القاهرة، ويعمل بالتعليم العام، وقد شارك بمسرحياته في مسابقات وزارة التربية والتعليم، وقسم الطلائع بوزارة الشباب والرياضة، وفاز بعضها بالمركزين، الأول والثاني، على مستوى الجمهورية.
تستوحي المسرحيات تاريخنا الإسلامي المضيء، لتقدم للأجيال الجديدة صوراً من الجهاد بالكلمة والفكر والعمل والسلوك، من أجل نهضة الأمة، وتجاوز المحن، وبناء المستقبل القائم على الحرية والعدل والبناء والتعمير والولاء لله.
مسرحية “فارس العودة”، كما يوحي اسمها، تتناول القضية الفلسطينية أو مأساة الإنسان الفلسطيني التي سُرقت أرضه وثرواته وتراثه، وتهدّدت مقدساته وتاريخه ومستقبله، وتشرّد في بلاد الله يعاني آلام الغربة والنفي والحرية والهوية، وشخصيات المسرحية تضم عائلة فارس العودة والده وإخوته وابن خالته، بالإضافة إلى أفراد من الشرطة الفلسطينية، وآخرين من جيش العدو يمثلون محكمة الاحتلال، ومحام نمساوي.
وتدور المسرحية على أرض فلسطين المحتلة، وتتناول طرفاً من أخبار الانتفاضة الفلسطينية التي أوقفتها السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات الاستسلام في أوسلو، وتشير المسرحية إلى اقتحام اليهود للمسجد الأقصى في حراسة ثلاثمائة جندي يهودي مدججين بالسلاح والرصاص، ويتساءل فارس وإخوته عن موقف السلطة الفلسطينية والمنظمات العالمية من هذا السلوك الهمجي، ويرفض الانتظار، فلن يساعد أحد الشعب الفلسطيني لا السلطة الفلسطينية ولا غيرها، ويذهب إلى المسجد الأقصى ليتصدى لليهود الغزاة، وتحضر الشرطة الفلسطينية التي قبضت عليه فارس إلى منزله، وتبحث عن والده فائق، ويدور حوار بين الأب والضابط الفلسطيني يبدو فيه الأخير مستسلماً لاتفاقيات أوسلو اللعينة، ويقول لفائق: “لا بد من مسايسة اليهود حتى تسير عجلة السلام..”! وينفجر فيه الرجل غاضباً متسائلاً عن السلام ومقررات أوسلو 1، 2، وطابا، والخليل، وشرم الشيخ، ويتلو ابنه فارس قول الله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم) (البقرة: 100).
ينصح الضابط الفلسطيني الوالد (فائق) وأولاده أن يلزموا الدار حتى تنتهي الغمة، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، ولكن الأخير يعلن أن أولاده فداء للأقصى.
وتسير المشاهد التالية معبرة عن الصراع المتصاعد بين من يؤمنون بالمقاومة، ومن يركنون إلى الاستسلام من ناحية، وبين المقاومين والاحتلال من ناحية أخرى مع عدم التكافؤ في القوى، ويتبنى المقاومون سياسة “الشعب الأبي الأصيل لا تعوقه قلة الإمكانات ولا ندرة الأسلحة”، فليس النصر بعددٍ وعُدّة، كما يقول فارس.
تبدو شخصية شادي ابن خالة فارس يائسة، وخانعة، ويقول له: إن شارون لم يرتدع.. وها هو الشعب الصهيوني قد انتخبه رئيساً للوزراء بعد اقتحامه للمسجد الأقصى والصلاة فيه.. وإن كان شادي يتحول فيما بعد وينحاز للمقاومة.
يطلب سعيد من صديقه فارس أن ينتظر حتى تنتهي السلطة من المفاوضات، يرد هذا غاضباً: مفاوضات.. مفاوضات.. هذه الكلمة قد كرهتها.. إنها تثير غضبي..
ويستمر المشهد في تقديم الصلف اليهودي والقمع الصهيوني، والبسالة والمقاومة من جانب فارس ورفاقه.
وتعرض المسرحية للمحاكمات الهزلية التي يقيمها العدو، ومن خلالها يعرض المحامي النمساوي مخازي اليهود وجرائمهم القديمة والجديدة، وخاصة ما يتعلق بالفطير المعجون بدم غير يهودي، وما يصاحبه من طقوس وحشية يهودية تحقق تعاليم التلمود التي تقضي بمزج الدم غير اليهودي في الفطير حتى يكون صالحاً في عيد الفصح!
وفي ختام المسرحية يستشهد فارس الذي أصابته قذيفة أطلقتها دبابة صهيونية، فينحني عليه أبوه باكياً، ويبارك له الشهادة.. لقد أردتها يا فارس، وقد اختارك الله شهيداً.. السلام عليك يا فارس.. السلام عليك يا فارس.. السلام عليك يا فارس.. (وينزل ستار الختام).
وتنحو مسرحية “بائع الملوك” منحى فارس العودة في التهيئة لتحرير فلسطين من الاحتلال الصليبي على عهد الصالح إسماعيل، ونجم الدين أيوب، وتناقش الحركات الباطنية المناوئة للإسلام والمسلمين، وتظهر شخصية العز بن عبدالسلام القوية وتأثيرها في مجتمعي الشام ومصر، ومواجهته لانحراف الحكام والعلماء، حيث نرى بعض مؤامرات من ينتسبون إلى العلم دون أن يعملوا به.
وفي المسرحية الثالثة “القاتل الوفي” نجد سلوكاً إسلامياً رفيعاً يتمثل في الوفاء بالوعد مع قسوة هذا الوفاء وظروفه، والقصة ترويها كتب التاريخ الإسلامي، حيث يطلب شاب قتل عجوزاً بحجر، من قاضي عمر بن الخطاب أن يمهله في القصاص حتى يعود إلى أهله لترتيب حياة أخيه الصغير، فيضمنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري إلى أجل محدد بثلاثة أيام، وحين كاد اليوم الثالث ينتهي، ولم يحضر الفتى، فإن قاضي عمر أوشك أن يقيم الحد على الصحابي الجليل الضامن، ولكن الفتى يحضر لاهثاً، فيتعجب الجمع في ذهول، فيقول لهم الفتى: الحمد لله لقد ودعت أهلي، ودفعت أخي الصغير إلى أخواله، وعرفتهم بخفي أمواله، ثم اقتحمت هاجرات الحر.. ووفيت لكم وفاء الحر، وعندما يسأله القاضي عن سبب مجيئه للقصاص وكان يمكنه أن يفلت منه، فيجيب الفتى: فعلت ذلك كي لا يقال ذهب الوفاء بالعهد عند المسلمين.
ويسأل القاضي أبا ذر عن سبب ضمانه لفتى لا يعرفه ويعرض حياته للخطر، فيرد: فعلت ذلك أيها القاضي كي لا يقال ضاعت المروءة بين المسلمين.
ويتقدم أهل القتيل بالعفو عن القاتل، ويعللون ذلك: حتى لا يقال ذهب العفو عند المسلمين، ويتعانق أهل الضحية مع القاتل.
المسرحية الرابعة عنوانها “محاكمة في سمرقند”، وتعرض مواقف للخليفة عمر بن عبدالعزيز مع بعض معاونيه تبين زهده وعفته، وانتصاراته في الفتوحات وهي الانتصارات التي وصلت بجيوش المسلمين بعد مائة عام إلى الصين شرقاً والأندلس غرباً، ونهضت بأهل البلاد المفتوحة، وأشاعت بينهم العدل والرحمة والحرية والأمل، فدخل الناس باختيارهم في دين الله أفواجا، وتركز الرواية على فتح قتيبة بن مسلم الباهلي لسمرقند وما رآه أهلها من عدل المسلمين ورفقهم بالبلاد المفتوحة، ولكن دخول قتيبة إلى البلاد كان بغتة ودون إنذار، ولم يخيّر أهلها بين أمور ثلاثة يعرضها المسلمون في فتوحاتهم دائماً، وهي دخول الإسلام أو دفع الجزية مقابل الحماية، أو الحرب، وعندما يشكو أهل البلاد مباغتة قتيبة لعمر بن عبدالعزيز، يأمر بتنصيب قاض يحكم بين قتيبة وأهل البلاد، فيقضي بخروج المسلمين من المدينة بدون مغانم، لأنه باغت أهلها ولم يخيرهم، فينطق كاهن سمرقند الأكبر بالشهادتين، ويتبعه بقية الكهنة داخلين في الإسلام الذي يقوم على العدل، ويطلب الكاهن الأكبر من قتيبة أن يبقى والمسلمون في المدينة على الرحب والسعة فقد دخل الناس في دين الله أفواجاً.
التاريخ منجم غني بالمواقف والأحداث والقيم التي يمكن توظيفها فنياً لتجلية عطاء الإسلام وطبيعته الإنسانية، وعزة أهله والمؤمنين به حين يتخذون منه منهجاً وأسلوب حياة، وطريق عمل وبناء يتجاوز الشكليات والهامشيات التي يظنها بعضهم أنها جوهره ومضمونه، وهي ليست كذلك بالطبع، وقد رأينا في المسرحيات الأربع شيئاً من ذلك أو كل ذلك، ولذا فهي تناسب المدارس والجامعات أيضاً إذا عرضت في الاحتفالات والمسابقات، فالذين يذهبون إلى المسارح العامة في بلادنا قلة نادرة، ولكن طلاب المدارس والجامعات يمكنهم الاستمتاع بالعروض المسرحية القصيرة ذات الفصل الواحد، ويتفاعلون معها، ويفيدون من مضامينها وجمالياتها، وللأسف فإن الطلاب في مدارس بعض الدول لا يذهبون إليها لأنهم مشغولون بالدروس الخصوصية أو (السناتر) التي أضحت بديلاً لدور العلم!
وواضح أن الكاتب يحرص على استخدام اللغة الفصحى، السهلة التي تخلو في معظمها من الكلمات المهجورة، أو الصعبة على الأجيال الجديدة، وإن كنا أحياناً نرى بعض المسرحيات تتضمن جملاً عامية، كما نرى في (ص 23) مثلاً، لا ضرورة لها ويمكن التعبير عنها بفصحى مبسطة تؤدى المعنى المطلوب.
المسرح المدرسي مهم للغاية في تعليم التاريخ وتقديم الواقع برؤية صحيحة، وبث القيم والمفاهيم والمتعة الفنية، وهو ما سعى إليه المؤلف أحمد الهندي، ونتمنى له التوفيق.