ما سر الحملة المنسقة التي شنها ملحدون وعلمانيون للسخرية من شيخ الأزهر بسبب “أفول الغرب”؟

 

بعد رحلة علاج في ألمانيا، امتدت أسبوعين، وعقب عودته في 20 أغسطس 2022م، التقط ملحدون وعلمانيون صورة لكتاب كان يقرأه شيخ الأزهر أحمد الطيب على الطائرة هو كتاب “أفول الغرب”، ليشنوا عليه حملة سخرية منسقة، بدعوى أنه ذهب للعلاج لدى دولة غربية وعاد يقرأ كتاباً عن انهيار الغرب.

الحملة التي يقودها ملحدون معروفون بدفاعهم عن الإلحاد ورفض الأديان، وطائفيون معروفون بتطرفهم المسيحي، ومنتسبون للعلمانية متفرغون للسخرية من الإسلام ومظاهره، اجتمعوا على السخرية من شيخ الأزهر في توقيت واحد وبنفس العبارات، كأن الموجه والمايسترو واحد، كما يقول الصحفي جمال سلطان.

الحملة بدأها الطبيب العلماني المعادي للإسلام خالد منتصر، في معالجة سطحية تستهدف النيل من شيخ الأزهر والإسلام، منتقداً عودة شيخ الأزهر على طائرة غربية من رحلة علاجه، بينما بجانبه كتاب انحدار الغرب، زاعماً: “لولا الغرب لما كان لدينا لا دواء ولا طائرة نعود بها”.

{tweet}url=1560910807361257473&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

وقال الصحفي سامي كمال الدين لخالد منتصر: إن الكتاب الذي يقرأ فيه شيخ الأزهر به الكثير من الفلسفة والرؤى النقدية عن أن الأزمات في العالم العربي انعكاس لأزمات الغرب وصراع الحضارات في الغرب للسيطرة، وأن قوته في انحسار.

ورد عليه نشطاء قائلين له: إنه لو مارس مهنته الطبية وترك مهاجمة الدين لربما أمكن أن ننتج الدواء ولا نعيش عالة على الغرب الذي لا يكفره شيخ الأزهر.

{tweet}url=1561113846370156546&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

وشارك فيها العلماني كريم جاهين، المقيم في النمسا، منتقداً ركوب شيخ الأزهر أحمد الطيب طائرة إيرباص الغربية عائداً من رحلة علاج من ألمانيا، بينما يقرأ كتاباً متطرفاً ضد الغرب وعلومه وتقدمه، زاعماً: “لو الغرب انتهى شيخ الأزهر وكاتب الكتاب هيرجعوا يركبوا الحمير ويتعالجوا بالأعشاب”! حسب تعبيره.

ورد عليه الكاتب هاني سالم: “من قالك: إن كتاب “أفول الغرب” مُتطرف وإنه ضد الغرب؟ هل قرأته؟ هل لديك نبذة عن مؤلفه؟ وكيف حكمت عليه بأنه ضد تقدم الغرب؟ للأسف آفة شعبنا هي الثرثرة دون علم”.

مؤكداً أن الكتاب يتضمن تأملات نقديه في واقع الأزمة التي يعيشها الغرب حالياً، ويحذر المؤلف من تداعياتها على راهن ومستقبل العالم العربي.

{tweet}url=1561254752792477696&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}

وشارك في الحملة ضد شيخ الأزهر من يسمي نفسه “الأخ رشيد”، وهو حساب مجهول لشخص يدعي أنه ارتد عن الإسلام، زاعماً: “يعتمدون على الغرب في كل شيء ويتمنون سقوطه وانهياره، طيب لما يأفل الغرب روح تعالج بالحبة السوداء”.

وقالت العلمانية رشا على “تويتر”: “كيف يقرأ شيخ الأزهر “المثقف” كتاب “أفول الغرب” وهو عائد من ألمانيا بعد رحلة علاجية بطائرة صنع الغرب وينتظر أفول أو زوال الغرب؟”.

رد الأزهر

رئيس تحرير جريدة “الأزهر” أحمد الصاوي انبرى للرد على هؤلاء العلمانيين والملحدين منتقدي صورة شيخ الأزهر بالطائرة وهو يقرأ كتاب “أفول الغرب” للمفكر المغربي حسن أوريد منتقداً سطحيتهم وحديثهم عن خناقه في عقولهم هم فقط.

قال: إن اهتمام شيخ الأزهر بالقراءة في هذا الموضوع يتواكب مع اهتمام كبير لمفكرين وكتَّاب ومراكز أبحاث غربية كبرى، اهتمت طوال العقد الأخير على الأقل وبكثافة بصك هذا المصطلح وترويجه رسمياً، حتى بات من لا يقرأ تصورات المفكرين والباحثين والفلاسفة عن الأفول أو التراجع الغربي حضارياً هو الرجعي الذي يعيش في غيبوبته الفكرية، ومن يقرأ ويتعمق في هذا الشأن هو التقدمي المواكب للعالم وما ينتجه من أفكار.

وأكد أن «أدعياء العلم والتنوير» لم يقرؤوا كتاب «أفول الغرب” أو الاطلاع على ما يتضمنه من تأملات نقدية في الواقع الغربي والعربي على السواء.

وأوضح أن «أفول الغرب»، أو “Westlessness”، كان عنواناً رئيساً في مؤتمر ميونخ للأمن عام 2020، ومحوراً رئيساً في التقارير البحثية لمؤسسات حلف شمال الأطلسي وسط تساؤلات حقيقية وجادة عن مستقبل الغرب بجناحيه الأوروبي والأمريكي، كما سبق الفيلسوف الألماني أوسوالد شبانغلر، المغربي حسن أوريد ومؤتمر ميونخ كذلك في التعبير عن هذه الرؤية في كتابه الذي يحمل ذات العنوان “decline of the west” برؤية جديدة لفلسفة التاريخ.

حيث انتقد شبانغلر الغرور الأوروبي والاعتقاد السائد بأن الحضارة الغربية هي الوريث الوحيد لعصر النهضة، منتهياً إلى أن كل حضارة في نظره تنقسم تاريخياً لـ4 فصول كفصول السنة؛ الربيع الصيف الخريف والشتاء، وأن الغرب أصبح في مرحلة الأفول الذي يسبق الانهيار.

ويشير إلى أنه طبقاً لتحليل عالم الاجتماع دانييل بيل، في كتابه «التناقضات الثقافية للرأسمالية»، فإن المشكلة مع المجتمع الغربي تكمن في أن نجاحه الاقتصادي يدفع إلى تدمير القيم الجوهرية التي قام عليها، وهو ما يعد نبوءة مبكرة بالأفول الغربي.

ولفت رئيس تحرير جريدة “الأزهر” إلى أنه ربما كانت معظم هذه المساهمات تتحدث عن أفول الغرب الأوروبي تحديداً، لكن تظهر وبقوة تنظيرات فلاسفة غربيين أمريكيين وكنديين تتحدث عن أفول الغرب الأمريكي تحديداً.

وعلى رأسهم الفيلسوف الأمريكي نعوم تشوميسكى، والكندي إريك والبيرغ الذي يُلح في كتاباته على أننا نحتاج إلى الاستعداد لعالم ما بعد أمريكا، ويقول: أمريكا ما زالت في حالة أفول، ولا توجد إمبراطورية تترك المشهد من تلقاء نفسها أو بسرعة، أعتقد أن الولايات المتحدة تذهب إلى الأفول بشكل أسرع الآن؛ لأن بعض القوى ثارت على تجاوزاتها المروعة للتكنولوجيا وتدمير العالم والبيئة.

وقال: لم يقرأ شيخ الأزهر إذن في قضية هامشية، ولا كتاب صراع يتحدث عن الغرب الكافر والشرق المؤمن، وإنما في دورة حياة الحضارات وأثرها على العرب، مع العلم أن أفول الغرب لا يعني أننا سنفقد الطائرة التي نعود بها من سفراتنا ولا قرص الدواء.

فمن حصلوا القدر اليسير من التعليم يعلمون أن أفول الحضارات لا يقضي على منجزاتها، فقد أفلت الحضارة اليونانية وبقي منجزها الفلسفي، وأفلت الحضارة العربية الإسلامية وبقي منجزها الذي تأسست عليه علوم الرياضيات والطب والفلك والاجتماع، وحتى فكرة الطيران وكل ما بنت عليه الحضارة الغربية اللاحقة منجزاتها.

 https://www.facebook.com/AhmadAlSawywriter/posts/pfbid02jm44W4JtSa4u42EzXEjeUdw4fsu3NNBc17cvZdPi2ubBFbnzpTH5PVPH3XqkdV5bl

لماذا “أفول الغرب”؟

ونُشر كتاب “أفول الغرب” للفيلسوف الألماني أوزفالد شبينجلر، مطلع القرن العشرين، وترجم للعربية قبل أكثر من نصف قرن في 3 أجزاء حملت عنوان “تدهور الحضارة الغربية”.

وتوقع الكتاب صعود الفاشية الغربية واشتعال حروب كبرى نتيجة تسيد الرأسمالية ومنظومة قيمها التي سماها شبينجلر “قيم التدمير الذاتي”، وهو ما حدث بالفعل.

وكتاب “أفول الغرب” للكاتب المغربي حسن أوريد، هو كتاب فلسفي لا يختلف في مضمونه نوعاً ما عن كتاب شبينجلر من حيث مناقشة الأسباب العلمية لنظرية أفول الغرب والأزمات في العالم العربي، وهل هي انعكاس لأزمات الغرب.

وقصد كتَّاب غربيون مثل مراد هوفمان، وفريدمان، وأندرو بوتر مؤلف كتاب “On Decline” من عبارة “أفول الغرب” أن القوة والنفوذ الغربيين في طريقهم للزوال، وأن العالم الغربي يحتضر وما نشاهده الفصل الأخير أو الشتاء للثقافة الغربية.

ودافع د. عمرو الشوبكي، المحسوب علي التيار الليبرالي المصري، عن شيخ الأزهر قائلاً: لا أعرف سبباً واحداً يجعل اعتبار قراءة أي كتاب علمي سبباً للمزايدة والتهكم من شيخ الأزهر.

وهل يعقل حين يقرأ شيخ الأزهر هذا الكتاب وهو عائد من رحلة علاجية أن يصبح فعل قراءة كتاب علمي دليل تخلف ويتم سرد خطبة عصماء فارغة ضده.

وأوضح أن كتاب “أفول الغرب” ليس من كتب المصاطب التي تسطح قضية الغرب وتعتبره “كافراً”، إنما تحمل رؤية عملية نقدية لجوانب سلبية في الحضارة والمنظومة السياسية الغربية، ويقولها مثقفون هناك ويمكن الاتفاق والاختلاف معها، وهي جزء من حيوية الغرب الذي يعرف النقد الذاتي والقادر على المراجعة وتصحيح الأخطاء، وهو يفترض أن يسعد أي تنويري حقيقي.

وقال: إن التنوير المطلوب لا يسطح الأمور ولا يتصيد ويدعو للإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي، وإذا كان بعض التنويريين قرروا ألا ينقدوا أي سلبيات أخرى، فعلى الأقل لا يعتبرون أن الأزهر وشيخه هما المسؤولان عن كل مشكلاتنا، وأنهم مطالبون أيضاً دون غيرهم بتحقيق العدالة والتنمية ودولة القانون.

 https://www.facebook.com/amr.elshobaki.9/posts/pfbid02JQyZ8iBXpS9YWJnQ2Z4N1STBsQXgkCZ7B2A93KHZgMhzuGAfprC7LY6fi7AFcRXhl

Exit mobile version