كينيا في المسار الانتخابي الديمقراطي الصحيح

 

درجنا في مركز دراسات القرن الأفريقي على تغطية الانتخابات الكينية منذ العام 2007، ومن خلال هذه التغطية المستمرة تبرهن لنا كينيا أنها في المسار الديمقراطي الصحيح، رغم العثرات المميتة التي شهدتها في الانتخابات أعوام 1992 و1997 و2002 و2007 التي كادت أن تجرف كينيا نحو حرب أهلية، غير أنها نهضت من كبوتها وصاغت دستوراً شبه مجمع عليه في عام 2010؛ ليضع كينيا في المسار الديمقراطي الصحيح، فكانت انتخابات 2013، وبعدها انتخابات 2017 التي برهنت قوة واستقلال السلطة القضائية التي ألغت نتائج انتخابات 2017 وقضت بإعادتها بسبب مخالفات في فرز الأصوات، غير أن المعارضة التي تضم التحالف الوطني (ناسا) قاطعت الإعادة؛ ليفوز فيها أوهورو كنياتا وتحالف اليوبيل.

كذلك مما يدلل على قوة السلطة القضائية أن المحكمة العليا رفضت مبادرة بناء الجسور المقترحة من الرئيس أوهورو كنياتا في عام 2018، ووصفتها بأنها مخالفة للدستور لكونها تهدف إلى إجراء تعديلات في الدستور؛ مما سينتج عن ذلك تأجيل الانتخابات لعامين، فرأى خبراء قانونيون أنها  -أي المبادرة- تنسف دستور 2010، وقد تفسح المجال لأوهورو كنياتا للترشح لدورة ثالثة.

ميزة الانتخابات الحالية أنها برهنت على قوة نفاذ الدستور، حيث لن يعاد انتخاب أوهورو كنياتا لكونه شغل المنصب لدورتين، وكان قد سبق أن مُنع الرئيس الكيني السابق دانيال أراب موي من الترشح في انتخابات 2002 لكونه قد شغل منصب الرئاسة لدورتين رئاسيتين في عامي 1992 و1997 بالرغم أنه حكم كينيا منذ عام 1978 إلى 1991 بحزب واحد.

كينيا تملك سلطة قضائية مستقلة غير خاضعة للسلطة التنفيذية

عدم ترشح أوهورو كنياتا يشكل ثاني التزام بالدستور في كينيا، وأكد أن السلطة القضائية ممثلة في المحكمة العليا هي الراعية والقيّمة على تنفيذ الدستور وليست السلطة التنفيذية، وقد تأكد ذلك عندما طالب الرئيس أوهورو كنياتا وساندته المعارضة بإجراء بعض التعديلات في الدستور أطلق عليها خطة الإصلاح الدستوري، وتعديل الدستور يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والبرلمان، واستفتاء شعبياً على التعديلات، وهنا تبرز المقارنة بين كينيا وتونس حيث لم يستطع الرئيس الكيني خرق الدستور لوجود سلطة قضائية مستقلة.

بانعقاد هذه الانتخابات وهي السابعة ستكون كينيا وضعت خطوتها الثابتة في المسار الدستوري الصحيح، وستثبت أنها في الاتجاه الصحيح، وتملك سلطة قضائية مستقلة غير خاضعة للسلطة التنفيذية.

النظام الانتخابي في كينيا

سينتخب الشعب الكيني في هذه الانتخابات رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الجمهورية، وممثليه في الجمعية الوطنية وعدد مقاعدها 347 مقعداً 10% منها للمرأة، ويتم انتخاب 290 مقعداً منها عبر الدوائر الانتخابية، ومجلس الشيوخ وعدد مقاعده 67 مقعداً تتوزع على النحو التالي: 47 مرشحاً يتم انتخابهم في دوائر بواقع دائرة واحدة لكل مقاطعة ويفوز بمقعد المقاطعة المتنافس الحائز على أعلى الأصوات، وتتنافس الأحزاب على عدد 16 مقعداً، بالإضافة لمقعدين للشباب، ومقعدين لذوي الاحتياجات الخاصة، ومجالس المقاطعات وعددها 47 مجلساً وجملة عدد مقاعدها 1450 دائرة انتخابية، وحكام المقاطعات الـ47، ليبلغ جملة عدد المناصب الدستورية في هذه الانتخابات 1882 منصباً دستورياً.

يتنافس على مقعد الرئاسة في هذه الانتخابات 38 مرشحاً، أبرزهم زعيم المعارضة رايلا غنغا أودنقا، ونائب الرئيس الحالي وليام ساموى أراب روتو، ونازالي عمر، ونكسون كوكوبو، بينما يتنافس على مقاعد الجمعية الوطنية أكثر من 80 حزباً تتكتل خلف 3 تحالفات، أهمها: أزيميولا؛ ويضم أكثر من 25 حزباً، وأبرزها حزب اليوبيل وهو حزب الرئيس الحالي، والحركة الديمقراطية البرتقالية وهي حزب المعارضة المتحالفة مع الحزب الحاكم ويرأسها رايلا أودنقا وهو المرشح للحزب الحاكم والمعارضة معاً، وحزب وايبر، حزب كانو أقدم الأحزاب الكينية.

تحالف كينيا أولاً (كينيا كوانزا) ويضم 9 أحزاب، هي: التحالف الديمقراطي المتحد ويرأسه وليام روتو، ويحظى بتأييد عرقية كالنجي وجزء من عرقية الكيكويو التي تقف مع نائب روتو في التحالف، ريجاثي جاشاجر زعيم حزب تحالف كينيا كوانزا، ومؤتمر أماني الوطني، وحزب فورد كينيان، وتحالف الزارعين.

وتوجه نحو 22 مليون ناخب من إجمالي عدد السكان البالغ 48 مليون نسمة للإدلاء بأصواتهم، وكان يفترض أن تسجل لجنة الانتخابات الكينية 25 مليون ناخب أي بزيادة 6 ملايين ناخب عن الانتخابات الماضية، غير أن عزوف الشباب عن التفاعل مع السياسة لم تمكن اللجنة الانتخابية من تسجيل إلا أقل من 50%، ويشكل الشباب نسبة 70% من سكان كينيا.

ميزة الانتخابات الحالية أنها برهنت على قوة نفاذ الدستور

العنف والانتخابات الكينية

يتوجس أغلب الكينيين من العنف المصاحب للانتخابات، وتعتبر قبيلتا كيكويو وكالنجين الأكثر تورطاً في النزاع العرقي؛ وذلك بسبب السياسات الاستعمارية البريطانية التي انتزعت أراضي الكالنجين -وهي قبيلة رعوية- ووطنت فيها الكيكويو وهي من القبائل التي تمتهن الزراعة، وفي انتخابات 1992 التي فاز فيها دانيال أراب موي حدث عنف قام به أفراد من قبيلة كالنجين، وفي انتخابات 2007 أعقبتها أحداث عنف كادت أن تنزلق بالبلاد إلى حرب أهلية بسبب فوز مواي كيباكي وهو من الكيكويو، وكان العنف بين الكيكويو من جهة واللوو قبيلة زعيم المعارضة رايالا غنغا أودينقا والكالنجين من جهة أخرى، وكان وليام روتو المنحدر من الكالنجين متحالفاً مع أودينقا، وفي الانتخابات الحالية تقف هذه القبائل الثلاث في مواجهة بعضها، فاللو تحتشد خلف رايلا أودنقا ومعها جزء من الكيكويو، في المقابل تحتشد قبيلة الكالنجين خلف وليام روتو ومعها جزء من الكيكويو التي تقف مع نائبته القاضية مارثا كاروا، رئيسة المحكمة العليا في كينيا، هذا التحشيد العرقي هو مبعث الخوف لدى الكثير من الكينيين في أن تنزلق البلاد نحو العنف في حالة فوز أودنقا ورفض وليام روتو للنتيجة، أو فوز وليام روتو ورفض منافسيه من معسكر الكيكويو النتيجة، غير أن حدوث أعمال عنف كبيرة غير ممكن لوجود سلطة قضائية مستقلة، وتحظى باحترام المعارضة، وغير خاضعة للسلطة التنفيذية.  

 

 

 

 

___________________________

(*) مركز دراسات القرن الأفريقي.

Exit mobile version