مفاوضات لضم ألبانيا ومقدونيا ذواتي الكثافة الإسلامية للاتحاد الأوروبي

 

هنأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين كلاً من رئيس الوزراء الألباني إيدي راما، ورئيس وزراء مقدونيا الشمالية ديميتيار كوفاسيفسكي، بمناسبة انطلاق محادثات الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء 19 يوليو الجاري، بشأن ضم بلديهما ألبانيا ومقدونيا الشمالية إلى عضوية الاتحاد، وهما البلدان في منطقة البلقان اللذان تتواجد بهما كثافة من المسلمين من أصول أوروبية، إلى جانب كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود.

وفي ترحيبها بهذه الخطوة، قالت فون دير لايين: إن تيرانا وسكوبيي حققتا تقدماً كبيراً في مجال الإصلاحات لتبني المعايير والقواعد الأوروبية، وأضافت: أظهرتما صلابة، وحافظتما على الثقة في عملية الانضمام، وعززتما سيادة القانون، وحاربتما الفساد، ولديكما إعلام حرّ، وأكدت: لديكما مجتمع مدني نابض، وأنجزتما إصلاحات لا تُحصى، وأجريتما تحديثاً لاقتصاد بلديكما، وقالت: هذا ما انتظره مواطنوكما منذ مدة طويلة وسعوا جاهدين من أجله، وهذا ما يستحقونه.

وعلى ذكر مدة الانتظار، أشار وزيرا البلدين إلى معضلة التباطؤ في عملية الانضمام التي تستغرق سنوات، وصرح كوفاسيفسكي الذي قدمت بلاده طلب العضوية منذ عام 2005: بسرور كبير وبعد 17 عاماً، نبدأ أخيراً المفاوضات، وأضاف أننا نفتح آفاقاً جديدة لبلادنا وللمواطنين، وبالتأكيد سننضم للأسرة الأوروبية الكبيرة.

من ناحيته، أقر رئيس الوزراء الألباني راما الذي قدمت بلاده طلب العضوية في عام 2009 بأن المحادثات قد تستغرق مدة طويلة، وقال: نعرف أنها ليست بداية النهاية، إنها فحسب نهاية البداية، وهي عبارة تذكّر بتصريح لوينستون تشرتشل في عام 1942، قبل 3 أعوام على انتهاء الحرب العالمية الثانية.

مساعي الاتحاد الأوروبي لرصّ صفوفه

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى رصّ صفوفه أمام مؤشرات تزعزع بدأت مع خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد عام 2020 (بركسيت) بعد الاستفتاء البريطاني، يوم 23 يونيو 2016، ثم مع ظهور تحديات جديدة أهمها الحرب في أوكرانيا وتداعياتها خاصة ما يتعلق بالمخاوف من نوايا الدب الروسي في استهداف الحدود الأوروبية الشرقية، علاوة على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب وزيادة التضخم وأزمة الطاقة نتيجة قطع الغاز الروسي على أوروبا، وظهور خلافات داخل المنظومة الأوروبية وعلى رأسها الخلافات بين بولندا والمفوضية الأوروبية.

كما يمكن استنتاج المخاوف الكبرى من تصدع الكتلة الأوروبية من خلال مواقف وتصريحات قيادات سياسية -من بينها الرئيس الفرنسي ماكرون- تركز على البعد الأوروبي وعلى ضرورة تعزيز الوحدة الأوروبية لرفع التحديات الوطنية والإقليمية والدولية، وهناك شعور بأن كتلة الاتحاد الأوروبي يتراجع وزنها على مستوى القرار الدولي، في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين قوى كبرى في الشرق والغرب، بين الصين وروسيا من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، بل إن هذه الأخيرة استغلت الحرب الروسية على أوكرانيا لتعزز حضورها في أوروبا عن طريق منظمة حلف الشمال الأطلسي (ناتو) الذي ستنضم إلى عضويته كل من السويد وفنلندا، بحثاً عن غطاء عسكري أمريكي بالدرجة الأولى مقابل التهديد الروسي.

تحفظات على البعد الثقافي والديني لعدد من بلدان البلقان

ولعل اهتمام المفوضية الأوروبية بمنطقة البلقان يعكس توجهاً جديداً في التعامل الأوروبي مع خاصرة أوروبا الرخوة وسط أوروبا، وتشهد هذه المنطقة تجاذبات سياسية ومنافسة قوى عليها، من بينها تركيا التي لديها علاقات تاريخية بشعوب المنطقة منذ منتصف القرن الرابع عشر زمن الدولة العثمانية منذ عهد أورخان بن السلطان عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، ويعدّ ذلك أوَّل استقرارٍ إسلاميٍّ بالبلقان وأوروبا الشرقية، وأولى الخُطوات العُثمانيَّة نحو حصار القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، واليوم تتوطد العلاقات بين دولة تركيا خاصة في عهد أردوغان وبلدان البلقان ذات الكثافة الإسلامية ومنها البوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية.

وكان رئيس وزراء هذه الأخيرة قد قام بزيارة رسمية لتركيا في يونيو الماضي، وكانت بلاده مقدونيا -هذا البلد الصغير غير الساحلي في جنوب شرق أوروبا- واجهت الكثير من العراقيل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي نتيجة خلافات مع اليونان وبلغاريا، حيث اضطرت بعد إعلان استقلالها عن يوغوسلافيا في عام 1991 إلى تغيير اسمها في عام 2018 إلى مقدونيا الشمالية لتسوية خلاف مرير مع اليونان، علاوة على خلاف مع بلغاريا وسط شكاوى إزاء الاعتراف بتاريخ مقدونيا الشمالية وثقافتها ولغتها، ويعدّ هذا البلد موطن السلافيين المسيحيين الأرثوذكس، الذين يشكّلون أكثر من ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم مليونين ويهيمنون على الحياة السياسية والاقتصادية، لكن البلد يعد كذلك موطن جالية عرقية ألبانية كبيرة، العديد منهم مسلمون ويعيشون في المناطق الحدودية الشمالية والغربية المحاذية لكوسوفو وألبانيا؛ البلدين اللذين يشكّل أفراد العرقية الألبانية معظم سكانهما.

أما ألبانيا، فهو البلد المسلم الأوروبي العضو في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي لم يتعاف من حقبة من التطرف الشيوعي بقيادة أنور خوجة الذي حكم البلاد لأربعة عقود بقبضة من حديد حتى عام 1985 من تداعيات مسخ الهوية الإسلامية للشعب الألباني، ولكن هذا البلد يشهد صحوة دينية وعودة وعي وتمسك بهويته، وهو ما يفسر للخلفية الحقيقية تحفظ عواصم غربية وخصوصاً باريس بشأن ضم جيرانها البلقانيين إلى المجموعة الأوروبية؛ بحجة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ووصف بلدان المنطقة بـ”الفقراء” نسبياً، و”غير المنضبطين سياسياً”، ولكن الخلفية لهذا التحفظ تتمثل في البعد الديني والثقافي وشعور بالقلق والحرج لدى بلدان علمانية أو مسيحية إزاء فكرة انضمام دول ذات كثافة إسلامية بمنطقة البلقان إلى ما سماه البعض “النادي الأوروبي المسيحي المغلق”، مع الإشارة إلى الاستثناء الألماني ومناصرة ألمانيا لقضية مقدونيا الشمالية، وهي نفس الأسباب التي دعت إلى التحفظ على انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية وتعطيل مسار عضويتها عام 2019 وتعليق المفاوضات التي بدأت عام 2005.

Exit mobile version