ما علاقة “كنيسة التوحيد” المشبوهة باغتيال رئيس وزراء اليابان؟

 

رغم أن غالبية الشعب الياباني يعتنقون مزيجاً من العقائد الوضعية مثل الشنتو والبوذية كروحانيات؛ فقد أدى الفرع الياباني لـ”كنيسة التوحيد” (مقرها الرئيس في كوريا الجنوبية) دوراً في تحول كثير من اليابانيين لدعمها.

لكن الآن توجه لهذه الجماعة الدينية أصابع الاتهام بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، بعدما أكدت صحف ووكالات يابانية أن القاتل معادٍ لهذه الكنيسة، واتهم رئيس الوزراء المقتول بدعمها وإنفاق أمواله عليها؛ ما أدى لإفلاس أسرته؛ فقد أحدث اغتيال آبي صدمة في اليابان، لكنه فتح الباب أمام إلقاء الضوء على ملف الجماعات والتكتلات السريّة الغامضة بها، خاصة هذه الكنيسة المشبوهة التي تحولت إلى إمبراطورية مالية ضخمة.

وذكرت وكالة “كيودو” للأنباء، نقلاً عن مصادر استقصائية، أن ياماغامي يعتقد أن آبي روج لمجموعة دينية قدمت لها والدته تبرعاً كبيراً؛ ما أدى لإفلاس الأسرة، وأثر عليه فأصبح عاطلاً.

وقد اعترفت هذه الحركة الدينية العالمية التي تأسست في كوريا في خمسينيات القرن الماضي، يوم 11 يوليو 2022، أن والدة المتهم بقتل رئيس الوزراء الياباني السابق عضو في “كنيسة التوحيد”، لكنها نفت إجبارها على التبرع، بحسب موقع “جابان تايمز”، في 12 يوليو 2022.

وقالت الشرطة اليابانية: إن المشتبه به أفاد بأن سبب استهداف آبي انتماؤه لمنظمة دينية معيّنة لم يُكشف اسمها رسمياً بعد، في إشارة لكنيسة التوحيد الكورية وفرعها الياباني.

وقالت: إن القاتل تيتسويا ياماغامي (41 عاماً) الذي كان عنصرًا سابقًا في سلاح البحرية الياباني؛ يحمّل هذه الكنيسة مسؤولية الصعوبات المالية التي تواجهها عائلته؛ نظراً إلى أن والدته قدّمت تبرّعات كبيرة لها، لكن رئيس الحركة الحالي في اليابان توميهيرو تاناكا سارع بنفي المزاعم المحتملة لقاتل آبي.

ما هي الكنيسة المشبوهة؟

تأسست هذه الحركة، أو الكنيسة، واسمها الرسمي “اتحاد الأسرة من أجل السلام العالمي والتوحيد”، في العام 1954، على يد سون ميونغ مون في كوريا الجنوبية، بعدما نبذته الكنائس البروتستانتية التقليدية، وهي تزعم أنها تضم 3 ملايين عضو.

ثم تأسيس الفرع الياباني للكنيسة في العام 1959 حين بعثت بمبشّرين إلى اليابان والولايات المتحدة في أواخر الخمسينيات، عملوا على استقطاب أعضاء يتمتعون بذهنية تجارية.

وكان اسمها الأول “جماعة الروح القدس لتوحيد المسيحيين في العالم”، لكن تغيّر اسمها لاحقاً إلى “اتحاد الأسرة من أجل السلام العالمي والتوحيد”، وهي تنشط في كوريا الجنوبية خصوصاً، واليابان، والولايات المتحدة، وتلقّب الجماعة باسم “مونيز” (نسبة إلى الكلمة الإنجليزية المستخدمة لوصف أتباع مون).

ويختلف تصنيف “كنيسة التوحيد” بين مؤيديها ومعارضيها؛ ففي حين تعرّف نفسها عبر موقعها الرسمي بأنها “حركة دينية وجمعية دينية غير ربحية”، يصنفها آخرون بأنها “طائفة دينية خطرة”.

ويزعم رئيس هذه الكنيسة مون أن دوره هو “إكمال المهمة غير المنجزة للمسيح”، وأنه يستكمل مهمة المسيح على الأرض، ومهمته هي إعادة البشرية إلى حال النقاء من الخطايا، لكنه أصبح مالكاً لإمبراطورية تجارية عملاقة بسبب التبرعات الضخمة ومشاريع كنيسته.

وبحسب معتقدات “كنيسة التوحيد”، فإن مون هو “المسيح الجديد” الذي سيكمل المهمة؛ لأنه تزوّج وأسس عائلة مثالية، وبالنسبة لأتباعها، يعدّ مون “الأب الحقيقي”، وزوجته هاك جا هان “الأم الحقيقية”.

ويؤمن أتباع الحركة بأن الله -سبحانه وتعالى- “أراد للإنسان اختبار سعادة الحب، لكن آدم وحواء فشلا في تحقيق ذلك الهدف، فساد الحب الأناني الأرض”؛ لذا يزعمون أن “الخالق أراد ترميم ما تخرّب بإرساله مخلّصين كثر للبشرية، من بينهم المسيح الذي لم يستطع إكمال مهمته لأنه لم يتزوج”!

ويرى المؤمنون بعقيدة مون أنهم قادرون على إرساء ملكوت الله على الأرض من خلال “النعمة” أو الزواج، ولذلك يحتفلون بأعراس جماعية، كانت تضم عشرات الآلاف في بعض الأحيان، حين بلغت الحركة ذروة شعبيتها في الثمانينيات.

ويزعم رئيس هذه الكنيسة أنه كان في الخامسة عشرة من عمره حين كلفه المسيح بإتمام مهمته على الأرض، وقد لخّص تعاليمه ومعتقداته في كتاب أسماه “المبدأ المقدس”، ويرى أتباع الحركة في الكتاب أنه استكمال للعهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل).

وقد انتقل مون إلى الولايات المتحدة في مطلع السبعينيات، حيث أسس صحيفة “واشنطن تايمز” المحافظة، وأدين وسجن بتهمة التهرب الضريبي، لكن أتباعه اعتبروا هذا نوعاً من الاضطهاد الديني!

وبعد وفاته باتت زوجته هاك جا هان مون القائدة الفعلية للحركة، رغم انشقاق ابنها هيونغ جين مون (معروف باسم شون) عنها، وتأسيسه حركة دينية أخرى في الولايات المتحدة تسمّى “رعايا طريق الحديد”.

دورها في قتل آبي

استقطبت كنيسة التوحيد عدداً من الشخصيات البارزة للتحدث في مناسباتها، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، كما ألقى رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي كلمات في مناسبات لمجموعات مرتبطة بهذه الكنيسة، ما جعله عرضة لانتقادات.

والعام الماضي، تقدّم عدد من المحامين برسالة احتجاج بعدما ألقى آبي خطاباً في حفل لمجموعة على صلة بـ”كنيسة التوحيد”.

كما سبق للمحامين الذين يمثّلون موكّلين خسروا أموالاً بسبب الكنيسة انتقاد آبي على خلفية توجيهه برقية تهنئة لأزواج اقترنوا خلال زفاف جماعي عقدته عام 2008.

وبقيت العلاقة بين “كنيسة التوحيد” وآبي محط أسئلة خلال سنوات، خصوصاً أنه كان من بين السياسيين الذين أظهروا صلة إيجابية بالجماعة.

وهناك شبهات تدور حول دفع حركة “كنيسة التوحيد” الأموال لسياسيين نافذين ولأكاديميين ليروجوا أفكاراً إيجابية عنها، كما أنها ترفع دعاوى تشهير ضد وسائل إعلام تنتقدها، أشهرها دعوى تشهير ضد صحيفة “ديلي مايل”، خسرتها الحركة.

من بين هؤلاء السياسيين -إلى جانب آبي- عدد من السياسيين المحافظين في الولايات المتحدة، على رأسهم دونالد ترمب، ويلفت حسن إلى أن شون مون كان من بين الشخصيات المؤثرة في الهجوم على مقرّ الكونغرس (مبنى الكابيتول)، في أحداث 6 يناير 2021.

وسبق للابن الأصغر لمون أن أسس طائفة تؤمن “أن على الناس استخدام بندقيات “AR-15″ لعبادة الله بشكل جيد، في حين أن شقيقه الآخر هو صاحب مصنع لإنتاج ذلك الطراز من البندقيات”.

ويرى محللون أن هذه الحركة الكنسية ليست مجرد مجموعة دينية؛ بل هي شبكة معقدة من المصالح والعلاقات التي تستخدم الأفكار الدينية كستار لها.

ويرى يابانيون أن هذه الحركة تسببت بالأذى لعشرات آلاف الأشخاص في اليابان، من خلال عملية غش موسعة، سميت “شراء الأرواح”، انتهت بشكاوى في المحاكم، ومطالبات للكنيسة بتعويضات ضخمة؛ حيث كان أعضاء الحركة يقرؤون صفحات الوفيات في الصحف، ويذهبون إلى أهل الشخص المتوفى حديثاً، ويقولون لهم: إنه تواصل معهم، وإنه غير سعيد بمكانته في عالم الأرواح، وأن على العائلة شراء مكان أفضل له، وكانوا يطلبون مبالغ توازي 50 ألف دولار للمساعدة على ما يسمونه “ترقية المتوفى في عالم الأرواح”!

ويرون أنه ربما تكون والدة المتهم بقتل آبي، تيتسويا ياماغامي، واحدة من أولئك الذين خسروا أموالهم بطريقة مماثلة، وبسبب علاقة رئيس وزراء اليابان بهذه الكنيسة وترويجه لها قتله ابن هذه السيدة التي أفلست.

Exit mobile version