هستيريا «التطبيع» تضرب كل أركان الدولة المغربية

 

أعلنت قناة «إسرائيلية» فتح مكتبين لها بـالمغرب، كما أقدم الاتحاد المغربي لكرة السلة على تنظيم مباراة ودية في المغرب بين المنتخب المحلي النسوي ونظيره «الإسرائيلي» فرض عليها تشديد أمني، ولم يحضرها الجمهور.

خطوتان وإن بدتا غير مسبوقتين في مجاليهما، واستفزتا مشاعر المغاربة والفلسطينيين أيضاً، فإنهما لن تكونا الأخيرتين ضمن مسار مستويات ورمزية عدد كبير من المحطات والخطوات التطبيعية في ظرف عام ونصف عام فقط من إعلان التطبيع الرسمي، في الوقت الذي بات السؤال مطروحاً حول مدى ما سيصله التطبيع من حدود وعن سبل مقاومة ذلك.

يشير الإعلامي المغربي محمد عادل التاطو إلى خطورة هستيريا التطبيع الذي ضرب كل الميادين، بما فيها المجالات الحيوية التي تمس سيادة الدولة وأمنها القومي والروحي؛ فنرى الهرولة نحو التطبيع في الاقتصاد، والفلاحة، والتعليم، والأمن، والجيش، والاستخبارات، والسياحة، والإعلام، والفن، وتبادل المعطيات الشخصية للمواطنين، والرياضة.

ويؤكد لـ«المجتمع» أن الأمر تجاوز بكثير مستوى التطبيع الكلاسيكي الاضطراري الذي تم الترويج له في البداية (وهو مُدان أيضاً)، إلى مستوى الهرولة والاحتضان، في وقت لا تزال فيه دماء الأبرياء تراق يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة من طرف هذا الاحتلال الوحشي.

ويبرز أن مستقبل التطبيع بين المغرب و«إسرائيل» مبعث للتوجس؛ لأن الدولة الصهيونية كيان ماكر غادر لا يمكن الوثوق به إطلاقاً، والصداقة معها خادعة، وأينما حلَّت تحل معها المشكلات، لأنها كيان تأسس أصلاً على القــتل والتخريب والكذب وإشاعة الفوضى والتفرقة.

فيما يؤكد الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي لـ«المجتمع» وقوع طفرة كبيرة وصلت إلى مستوى ما سماه «الصهينة الشاملة»؛ حيث يبدو أنه لا حدود للتطبيع، كما قال ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي نفسه.

ويشير الناشط الحقوقي إلى أن الأمر يتجاوز مجرد الإساءة لقضية فلسطين وطعنها بالظهر، إلى تهديد الأمن القومي المغربي وصناعة بؤر تصنع شرخاً كبيراً بين المؤسسات والشعب، وعزل المغرب عن محيطه الحضاري ورهنه ثقافياً ودبلوماسياً وأمنياً وإستراتيجياً.

مقاومة

يقف الحكيم حيران أمام حجم ما يرى من فتح الأبواب على مصراعيها لاستقبال كيان محتل لأرض فلسطين، كان المغاربة أكثر حظاً ليكونوا أقرب من غيرهم إلى عاصمتها العامرة بالرموز والدلالات الدينية والحضارية القيمة، كما يقول الأكاديمي المغربي محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، في دراسة قيمة بعنوان «المغاربة في بيت المقدس»، مؤكداً أن تضامنهم مبدئي وثابت، وممتد في الزمان والمكان، وقوامه الانتصار للحق في ظل الحكمة، والتدبر والواقعية.

في المقابل، يتبجح المطبعون بوجود زهاء مليون «إسرائيلي» من أصل مغربي، لكن هذا ليس مدعاة للفخر والاعتزاز، كما يقول التاطو؛ لأن اليهود المغاربة الذين هاجروا كانوا يعلمون أن هذه الدولة أقيمت على دماء وأشلاء أصحاب الأرض الأصليين، وعدد كبير منهم شاركوا في الفتك بأبناء الشعب الفلسطيني، ضمنهم وزراء وقادة كبار في مختلف أركان الدولة العبرية، عكس يهود مغاربة آخرين رفضوا الانخراط في المشروع الصـهيوني.

نداء

في ظل محاولة اختراق إعلامي بفتح قنوات صهيونية لمكاتبها بالرباط، عبَّر صحفيون مغاربة عن رفضهم لهذه الخطوة، وأصدروا نداء «صحفيون مغاربة ضد التطبيع مع الاحتلال الصهيوني»، معتبرين التطبيع الإعلامي مع المؤسسات «الإسرائيلية» تورطاً واضحاً في التعتيم على الحقيقة، وتشجيعاً على قتل الأبرياء وسرقة الأراضي وهدم البيوت، وطمس الرواية الفلسطينية وتغييرها إلى رواية صهيونية مزيفة تشوه الحاضر والتاريخ.

ويشدد هناوي على أن النداء يكتسب أهمية جد بالغة لحماية الوعي العام للمجتمع، بالنظر إلى الاستحقاقات اللاحقة التي تفرضها معركة مواجهة السردية الصهيونية والتطبيعية النازلة بقوة من وراء قرار رسمي للدولة بتغطية معقدة بقضية الصحراء المغربية، وربط خبيث بين التطبيع والمستقبل الجيوستراتيجي للمغرب.

ولهذا النداء رمزية قوية، حسب الإعلامي محمد عادل التاطو؛ فهو يكشف الموقف المبدئي للصحافة المغربية الحرة الرافضة لأي علاقة إعلامية مع كيان يمارس إرهاب الدولة، ويبعث رسالة إلى «إسرائيل» بأن الجسم الإعلامي المغربي عصي على الاختراق مهما ظنوا أنهم استباحوا مختلف القطاعات.

ويضيف أن الخطوة غير مسبوقة ومستفزة لشعور المغاربة المرتبطة قلوبهم بفلسطين، وذلك في وقت لم يندمل فيه بعد جرح اغتيال الصحفية بقناة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة من قبل جيش الاحتلال بدم بارد وأمام أنظار العالم، كما تأتي تزامناً مع ذكرى احتلال مدينة القدس الشريف وهدم حارة المغاربة، لتذكرنا بواحدة من أبشع جرائم القرن المتمثلة في طمس هوية وبصمة أجدادنا المغاربة الأبطال الذين حرروا القدس مع صلاح الدين الأيوبي.

لنداء الإعلاميين المغاربة أهمية بالغة، وقبله موقف المحامين المغاربة في رفضهم المشاركة في دوري لكرة القدم تشارك فيه فرقة قادمة من الكيان الصهيوني، كما تعلن فئات مجتمعية واسعة رفضها للمسار التطبيعي.

ويؤكد هناوي أن بعض النخب يقع عليها واجب مغادرة موقع اللامبالاة والصمت، وربما المحاباة والمجاملة لموقف الدولة، والنزول إلى الميدان لتأطير الفعل المدني التعبوي لحماية الدولة نفسها من براثن القرصنة التي تهدد كيان المغرب.

وهنا يبرز دور هذه النخب التي يقع عليها العبء الأكبر في حماية ثوابت المرجعيات الوطنية للشعب المغربي من مخططات التسلل والتزوير والتدليس، التي تروم تحريف الذاكرة وتهويد الأرشيف الحضاري بمنطق «متصهين»، كما يجري على قدم وساق عبر عدد من الأدوات العمومية للأسف مثل مؤسسة أرشيف المغرب، وقنوات القطب العمومي الإعلامي، ومهرجانات السينما الملغومة بنكهة الصهينة الثقافية.

فيما يختم التاطو أن الدولة المغربية أخطأت حين رأت أن التطبيع سيخدم ملف الصحراء المغربية، لكن مع مرور الأيام يتبين أن هذه الخطيئة تسيء إلى قضيتنا الوطنية أكبر مما تخدمها، آملاً أن تراجع الدولة سياستها بشأن التطبيع؛ لأن المسار الذي تسير فيها حالياً لا يُبشر بالخير أبداً.>

Exit mobile version