يستمر انسلاخ الأجيال الجديدة من الأدباء عن روح الإسلام وطبيعته الإنسانية، لنرى معالم أدب جديد يتشكل خدمة للثقافة الغربية الوثنية المتوحشة، وعداء خافتا أو زاعقاً ضد الثقافة الإسلامية.
ورافق ذلك توهّج الدعوة إلى الكتابة بالعاميات واللهجات المحلية في البلدان العربية وإلغاء اللغة الفصحى في الأدب بأجناسه المختلفة، تحت دعوى الواقعية والتعبير عن الجماهير التي تعيش الأمية، ولا تحسن الفصحى، وقد تبلورت هذه الدعوى استجابة لجهود المبشرين الذين انتشروا في مصر وغيرها مع بدايات الاحتلال الإنجليزي، ووجدت استجابة واسعة لدى الشيوعيين في النصف الثاني من القرن العشرين، بوصفهم من يحتكرون الدفاع عن الجماهير الكادحة الأمية أو شبه الأمية! والزعم أن العامية هي الوسيلة الأقدر على مخاطبتهم والوصول إلى أذهانهم وعقولهم وأفئدتهم.
واستغل بعض الطائفيين هذه الدعوى للترويج لما يسمى اللغة المحكية، وبعث اللغات القديمة الإقليمية بحجة أنها تعبّر عن هوية البلاد! وقد ثارت نقاشات كثيرة في هذا السياق، وظهرت كتب مهمة كتبها من يحرصون على الفصحى، وانتهت المسألة في كل الأحوال إلى تراجع التعبير الأدبي الراقي الأصيل، والأدب القوي الجميل، وتقدم أصحاب المواهب الضحلة تحت ستار المذهب الواقعي الذي يحبذ كثير من أتباعه الكتابة بالعامية، فضلا عن أسباب أخرى يضيق المجال عنها الآن.
تمزيق الوحدة العربية
المفارقة أو المطابقة أن أصحاب المذهب الواقعي من اليساريين الشيوعيين، كانوا من طلائع تمزيق الوطن العربي، ورفض الوحدة العربية التي نادى بها رفاقهم القوميون، فقد باركوا قتال جنوب السودان المسيحي ضد شماله الإسلامي حتى تم تقسيمه، واستقلال الأكراد عن العراق ، وانفصال البوليساريو عن المغرب، ووقفوا مع الكيانات الطائفية القوية شبه المستقلة في بلدان أخرى، وصفقوا للاستبداد الظالم في البلاد العربية الذي يمزق الأمة، ويقطع روابطها، وأيّدوه ونصروه، وهتفوا لاستئصال الإسلام من الثقافة والفكر والأدب والحياة لأنه أداة التوحيد والترابط والتعاون، فكافأهم المستبدون بقيادة المشهد الثقافي الرسمي في معظم العواصم العربية، وإقصاء من يتمسكون بالتصور الإسلامي في الأدب والفكر والثقافة، مما أنتج أدبا غريبا على الذائقة العربية والتصور الإسلامي. ويمكن أن نرصد ذلك من خلال بعض المجالات الرئيسة.
أولاً – المجال الإعلامي:
بات الإعلام قاصرا على الوجوه والأقلام والأصوات التي ترضى عنها معظم الحكومات والأنظمة، وهذه العناصر تتصدر وسلالاتها المشهد الإعلامي منذ سبعين عاما، وأكثرها ينتمي إلى اليسار الشيوعي أو البعثي أو الناصري، أو اليمين العلماني بصفة عامة، بالإضافة إلى “الأرزقية” أبناء كل عصرٍ ومصر، وهم يغيّرون مواقفهم وفق مصالحهم الشخصية، واتجاه كل نظام، وترسخ في الواقع حرمان من يفكر بتصور إسلامي من المشاركة في التعبير عن رأيه، أو معالجة الواقع وصناعة المستقبل. فقد نجحت بعض الأنظمة الاستبدادية من تصدير صورة مشوهة للإسلام وربطته بالإرهاب والعنف والتشدّد والجهل والرجعية والظلام، ولنا أن نعلم أن كاتبا وشاعرا كبيرا مثل “نجيب الكيلاني”، لا مكان له في خريطة الأدب أو الرواية أو الشعر، مع أنه نال جائزة الدولة وهو في سجون جمال عبد الناصر، وأخرجوه من السجن ليتسلم الجائزة ثم يعود إليه، وكان نجيب الكيلاني أول من أتاح للأفلام المصرية أول جائزة سينمائية عالمية في مهرجان طشقند عام 1971م، عن روايته “ليل وقضبان”، وبدلا من تقديره والاحتفاء به، فقد تمّ تهميشه، وتغييبه، وشطبه من الساحة الأدبية، لأنه مسلم يؤمن بالتصور الإسلامي، وأضحى كل من يؤمن بهذا التصور الإسلامي، متخلفاً ورجعياً وظلامياً وإرهابياً وداعشياً، ولا يتورع أشباه الأدباء أو المخبرون الغُشم عن الإبلاغ عنه بوصفه من هذه الجماعة الإسلامية أو تلك لتصفيته معنوياً أو مادياً، وإخلاء الساحة منه، وبعدها يستريح التافهون والسطحيون والأرزقية، وخصوم الإسلام من منافس موهوب، يؤرق مضاجعهم، ويذكرهم بالفشل والزيف والسطحية والانتهازية!
لدينا كتاب وأدباء يبحثون عن الشهرة والدعاية مع تواضع إمكاناتهم الفنية، ومحدودية مواهبهم الأدبية، وللأسف لا يجدون وسيلة سهلة لتحقيق الشهرة والذيوع (أو التريند بلغة هذه الأيام) غير انتقاد الإسلام وتشويهه، أو التشهير بالمسلمين، والادعاء عليهم بما ليس صحيحا أو حقيقيا،
انتقاد الحجاب وتعليم القرآن
خذ مثلا روائية متواضعة المستوى الفني والفكري، منحتها السلطة التي تعمل في ظلها جائزة كبرى، ولم تقنع بذلك بل أرادت المزيد من الشهرة والدعاية، فلم تجد غير انتقاد الحجاب وإذاعة القرآن الكريم في المساجد، وراحت تزعم- وهو زعم باطل- أن المساجد تذيع القرآن الكريم قبل الصلاة بنصف ساعة وبعدها بنصف ساعة! ونسيت السيدة “سلوى بكر” التي تكتب رواية بمستوى فنّي ضعيف، أن السيد وزير المساجد في بلادنا مشغول بإغلاق المساجد على مدار الساعة، ولا يسمح بفتحها إلا قبل الصلاة بعشر دقائق، على أن تغلق فور الانتهاء منها، أي مجموع الوقت المسموح به في فتح المساجد أقل من نصف ساعة، بينما الكنائس المجاورة مفتوحة طوال الساعات الأربع والعشرين، لا يستطيع هذا الوزير أو غيره أن يقترب منها، بل إن بعضها يمارس أنشطته الموسيقية والفنية في وقت متأخر من الليل، ويزعج النيام والجيران، ولا يستطيع أحد أن يشكو وإلا كان مثيرا للفتنة الطائفية! زد على ذلك أن الروائية المذكورة تتملق الكنيسة برواية تاريخية اسمها “البشموري”، تزوّر فيها التاريخ الإسلامي، وتظهر وحشية المسلمين، ومظلومية غير المسلمين!
إذاعة القرآن إرهاب!
ولأن هذه السيدة تدّعي ادعاء غير صحيح وهو إذاعة القرآن عبر ميكروفونات المساجد، فإنها ترتب على ذلك من خلال لقائها التلفزيوني يوم 29 مايو 2022م، مع المذيع عمرو عبدالحميد في برنامجه «رأي عام» على فضائية «TEN»، أن من يفعل ذلك يمارس إرهاباً! «أنا في لحظة مش عايزة أسمع قرآن» موضحة «إذا قرئ القران فاستمعوا له وأنصتوا، وأنا في لحظة غير مهيأة للاستماع والإنصات». وأضافت: «أنا عندي مصحف في البيت وعندي راديو فيه محطة القرآن الكريم، ووقت ما أحب أسمع قرآن أسمعه في أي لحظة»، “محدش معاه” توكيل من ربنا عشان يمارس وصاية دينية!! صارت إذاعة القرآن من المساجد- على فرض حدوثها- إرهاباً في فكر الروائية متواضعة المستوى!
الروائية المذكورة تجاهلت الأفراح والليالي الملاح التي يقيمها حتى الصباح تجار المخدرات والبلطجية وأصحاب الهوى، في الشوارع والميادين والقرى، ومن خلال ميكروفونات تصمّ الآذان، ولا تراعي آلام مريض، أو متاعب حزين، أو معاناة شخص يريد أن ينام أو يستريح! لم تتكلم الروائية ضعيفة المستوى عن “التكاتك- جمع توك توك- التي تملأ الفضاء الوطني، وتطلق المسجلات بالأغاني الصاخبة وكلماتها الخشنة في الليل والنهار، ثم ماذا عن الكباريهات أو الملاهي الليلية التي تواصل القصف حتى الفجر، ولا يسائلها أحد، ولا يتهمها كاتب أو مسئول بالإرهاب؟
سرقة الطفولة
إن هذه السيدة ضعيفة الأداة الفنية في كتابة الرواية، لا تكتفي بالمطالبة بعدم إذاعة القرآن، بل تطالب بعدم تدريسه للأطفال، بحجة أنهم لا يعرفون معاني الآيات. ونسأل ما دور المعلم؟ أليس دوره شرح الآيات وتفهيمها للأطفال والطلاب؟، تعلل سلوى بكر، انتقادها تحفيظ القرآن الكريم للأطفال، في سن مبكرة، بأن ذلك سرقة لطفولتهم، على حساب استمتاعهم بالموسيقى والغناء، ويبدو أن السيدة الكاتبة لا تعلم أن النظام التعليمي أوغل في التنكيل بالتربية الإسلامية عموما، حيث جعلها مادة هامشية لا تضاف إلى المجموع، بل تم إلغاؤها في سنتي كورونا، مما يعني أن الإسلام لا وجود حقيقيا له في التعليم، فلا شيء هناك يثير قلقها أو إزعاجها، لأنه لا يوجد تعليم للإسلام أو القرآن بالمدارس بالمعنى الصحيح، وأظن أن الذي يقلق ويزعج هو اكتظاظ الفصول بالتلاميذ، وعدم وجود مقاعد لبعضهم، وسوء أوضاع المعلمين، وتخبط المناهج والامتحانات، والبابل شيت، والتابلت والمنصة الإلكترونية، ووقوع السيستم…
كاتبتنا الفاضلة ومن يشايعونها تؤكد على نظرية إثبات الوجود أمام بعض الجهات بأنها ضد الإسلام، وأنها لا تقصّر في أداء دورها المؤهل للشهرة والصعود على منصة الإعلام، والولاء للثقافة الغربية الوثنية، كي تحظى بالمنافع والعطايا والهدايا!
هذا بعض نوعية كتابنا الذين يزعجهم الإسلام، ويؤرق مضاجعهم، ولا تلفت انتباههم ظواهر أخرى خطيرة ومدمرة، فيحتفي بهم الإعلام ويدافع عنهم.. ترى ما هي صورة الإسلام والمسلمين في كتاباتهم؟ (ينظر: الوطن، الجمعة 27 مايو 2022م).
إهانة الإسلام وقادته
ومن المؤسف أن تسمع من مشاهير الثقافة الرسمية، تطاولا رخيصا على الصحابة وقادة الإسلام العظام، وتسأل لصالح من يقوم كاتب درامي، ناصري الهوي، مثل أسامة أنور عكاشة بإهانة عمرو بن العاص فاتح مصر، ومحررها من المحتلين الرومان الطغاة، وتصويره بالقائد الدموي السفاح، وهو الذي قاتل المحتلين حتى رحلوا عن بلادنا، ولم يقتل مصريا واحدا، وأمّن بطريرك النصارى الهارب من ملاحقة الرومان، وأعاده إلى كنيسته بعد أن كان مختبئا في أعماق الصحراء، حتى قال بعضهم: إن المسلمين الفاتحين قدموا النصرانية هدية لأتباع المسيح في مصر.
كتب أسامة أنور عكاشة مقالاً هابطاً بعنوان “أبناء الزنى كيف صاروا أمراء المسلمين؟”، يصف فيه الصحابة والتابعين والقادة أنهم أبناء زنا، واعتمد على روايات فيها من الشك أكثر من اليقين، مما دفع الأزهر الشريف إلى إصدار بيان يرفض هذا المقال، وللأسف فإن موقعاً طائفياً اسمه “مبتدأ” يديره “هاني لبيب”، أعاد نشره بتاريخ 27/7/2014م، مشيداً بكاتبه الذي زوّر التاريخ المعاصر في مسلسله الشهير “ليالي الحلمية”، حيث عبّر فيه عن هيامه بزعيمه المهزوم دائماً، وإدانة خلفه الذي أصدر القرار الوحيد بعبور القوات المسلحة ومهاجمة قوات الغزو اليهودي!،
يقول أسامة في ختام مقاله: “هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية، فلا غرابة أن نرى الدماء تلون كل أوراق تاريخنا!!!”.
أين التعاطف؟
والسؤال: لماذا أشبع أسامة أنور عكاشة القائمة الطويلة التي تضمنها المقال تشويهاً وتلويثاً، وجعل هذا العدد الكبير من الصحابة والتابعين والقادة في خانة غير طيبة؟ ولمصلحة من؟ وعلى فرض صحة مقولاته عن هؤلاء، ألا يعرف أن ذلك كان قبل الإسلام، وأن الإسلام يَجُبُّ (أي يمحو) ما قبله؟ وأن المعيار الإسلامي في الحكم على المسلمين هو التقوى؟ وسؤالنا البدهي: هل ننتظر من أمثال هذا الكاتب تعاطفاً مع الإسلام، أو تضمين عمله قيماً إسلامية عليا؟
لا أريد أن أشير إلى ما يقال في الجلسات الخاصة لقادة الثقافة الرسميين عن الإسلام والمسلمين، ولكني أكتفي بما يكتبونه ويدوّنونه.. فهو الشاهد الحيّ الملموس على كراهيتهم المقيتة للإسلام، وبغضهم لقيمه وآدابه، لدرجة توترهم من ذكر اسمه في أية مناسبة! وهذا ما يؤهلهم للقفز على الشاشات والموجات والصفحات ليتصدروا المشهد الثقافي!